جمعت الشهادات : نعمات مجدي لو عاد بنا التاريخ إلي الوراء مرة أخري لما قمنا باغتيال السادات، فما نحن فيه الآن جاء بارتكابنا مفاسد من وراء اغتياله، ويكفي أن أبواب كثيرة للدعوة أغلقت وعاد قانون الطوارئ وصبت كل الإيجابيات لصالح اليساريين، بل وأضرت الحركة الإسلامية برمتها، ففي الوقت الذي أوقف فيه السادات التعذيب وألغي قانون الطوارئ، نحن كشباب لم ندرك قيمة هذا التصرف من السادات إلا بعد موته. حتي إن اليساريين لم ينصفوا السادات بكل ما فعله من أجل تحقيق النصر لنا في حرب أكتوبر بل حولوا هذا النصر إلي هزيمة وقلبوا الحقائق في أمور كثيرة. ولقد جربنا محاولة الوصول إلي السلطة في عصر السادات، وإقامة دولة إسلامية في شبابنا عام ,1981 وكانت الدعوة متاحة للجميع وقتها.. فلما قتل السادات ضاعت الدعوة ولم تأت الدولة، فمن أراد الكل فقد الكل. علينا الاعتراف بأن حسنات السادات كانت أكثر من أخطائه وإن اختلف معي الكثير من أعضاء الجماعة الإسلامية فهذا رأيي الشخصي ويكفي نصر أكتوبر الذي كان يجب أن يزيل ما سواه من أخطاء، ولكن خالد الإسلامبولي انجرف وراء عاطفته وقتل السادات وهو ما أضاع حقوقنا كإسلاميين وأرجعنا للوراء، ويكفي أن السادات قام بالإفراج عن جميع المسجونين من الإخوان المسلمين وغيرهم من الإسلاميين بعد أن كان لا يخرج أحد منهم من السجون في الستينيات أيام عبدالناصر، فمن كان يتم فترة حكمه يتحول من محكوم إلي معتقل، ينتقل فقط من عنبر إلي آخر. كما أن السادات أعطي للدعوة الإسلامية ومعها الحركة الإسلامية قبلة الحياة بعد أن كادت تموت موتاً نهائياً، بعد أن وصلت إلي حالة الموت الإكلينيكي في الستينيات فترة حكم عبدالناصر حيث كان هناك تضييق شديد علي الدعوة الإسلامية ودعاتها بل إنه كان هناك حظر كامل لجميع الحركات الإسلامية، وكان يتم وضع بعضها في السجون باستمرار. دعنا لا نغفل نصر أكتوبر فلو لم يكن للسادات حسنة سواها لكفي، فقد أعاد لمصر عزتها وكرامتها وانتشل سمعة الجيش المصري من الوحل الذي وضعته فيها القيادة السياسية والمشير عامر في نكسة ,1967 وكان ينبغي علي الجميع أن يغفر له بهذه الحسنة العظيمة أي سيئة أو خطأ حدث منه بعد ذلك، فالحسنة العظيمة تكفر أي خطأ في الدنيا والآخرة، وكان علي معارضيه أن يغفروا له بهذه الحسنة الكبيرة ما سواها. وأعتقد أن بعض الناصريين واليساريين أخطأوا حينما أحرقوا الأرض تحت أقدام السادات وحولوا حسناته إلي سيئات، بل إنهم حولوا نصر أكتوبر إلي هزيمة سياسية في زعمهم، ولم يكتفوا بذلك بل حولوا تحرير الأرض في كامب ديفيد بأنها خيانة وعمالة، وحولوا هزيمة 5 يونيه إلي نصر، ووصل بهم الحال إلي إشعال الشارع المصري كله بالشائعات والاتهامات وانساق خلفهم الإسلاميون جميعاً ومعظمهم خطباء الأزهر والأوقاف حتي أصبحت شتيمة وسب السادات وأسرته من أركان الخطب والمؤتمرات والدروس في كل مكان، ونسي هؤلاء جميعاً أن السادات هو الذي أعاد لهم حرية الدعوة وضمن لهم عدم الاعتقال أو التعذيب في عهده فيكفي أنه قام بإلغاء قانون الطوارئ، ووقف التعذيب ووقف الاعتقال وقصر الاحتجاز علي قرارات النيابة. ولكن أخطأ السادات بأنه لم يضبط الانتفاح الاقتصادي وكذلك أخطأ بإلغائه الرقابة الإدارية مما شجع الموظفين علي استمرار الرشوة، فيعتبر عهد السادات بداية الرشوة حيث كانت شبه معدومة في عهد عبدالناصر. ولا أعتقد أن الانفتاح الاقتصادي علي العالم به عيب، ولكن اقتصاد السوق أفضل وإن كان يحتاج إلي انضباط لمحاربة الاحتكار والسوق السوداء والسلع المغشوشة. ومن خطايا السادات أيضاً أنه قام بحل مجلس الشعب من أجل 13 عضواً عارضوا كامب ديفيد، فقد أساء استخدام سلطته في ذلك بما يسمي في الفقه والقانون بالتعسف في استخدام الحق وكذلك قيامه بقرار التحفظ علي كل أطياف المجتمع بمن فيهم الإسلاميون بل وجمع فيه كل جماعاتهم دون استثناء حتي الرجل المسالم عمر التلمساني كان منهم، وكذلك الخطباء من الأوقاف والأزهر، والناصريون واليساريون والوفد والعمل ومعظم الأحزاب، وكذلك القساوسة لأول مرة، فاستعدي دون داع كل أطياف المجتمع المصري، فلم يقف إلي جواره أحد علي الإطلاق، وأصبح الشعب المصري بكل فئاته فجأة ضده دون أي داع سياسي أو وطني حقيقي. ومن الغريب أنه قبض في التحفظ علي زعماء كبار السن مثل فؤاد سراج الدين وحلمي مراد وعمر التلمساني ووزراء سابقين وصحفيين مهمين مثل محمد حسنين هيكل، مما أثار عليه دولا غربية وعربية كثيرة مثل فرنسا ورئيسها ميتران صديق هيكل. كما أن قرار التحفظ جعل بعض الحركات الإسلامية مثل الجماعة الإسلامية والجهاد تظن أنها ضربة قاضية مثل ضربة عبدالناصر 1954 ولم تكن تظن أنها شيء مؤقت لإرضاء إسرائيل حتي تجلو من العريش وهذا الظن عجل بقرار اغتياله. وبعد اغتياله وتولي مبارك الحكم أدركت الجماعة الإسلامية خطأها في قتل السادات، فقد رأت الجحيم كله علي أيدي مبارك الذي حيد كل الأطراف وتفرغ لإذاقة الإسلاميين، وخاصة الجماعة الإسلامية والجهاد من صنوف العذاب والهوان والسجن والاعتقال والتشريد ألواناً لم يعرفوها من قبل، ليندموا علي كل لحظة عاشوها في عصر السادات.