الشهيد مع أسرته ( يا نجيب حقهم يا نموت زيهم ).. تلك هى آخر جملة نطق بها ( محمد محسن ) شهيد الغدر فى موقعة العباسية.. خطيئة محمد هى أنه رفع من سقف طموحاته، ارتقى بأحلامه وتمنى أن يشارك فى تطهير الوطن.. بداية خطيئته كانت فى 2009 عندما شارك فى الجمعية الوطنية للتغيير، ثم مشاركته فى ثورة يناير منذ بدايتها وحتى يوم زفافه إلى السماء، بعد ضربه وسط ( كردون ) العباسية يوم 23 يوليو الماضى، عندما أراد أن يستكمل دوره كشاب مصرى ثائر له الحق فى التظاهر السلمى. خاصة وأن مسيرة العباسية كانت تطالب بالقصاص من قتلة الشهداء.. فمن سيطلب القصاص من الذين غدروا بالثوار وأرادوا قتلهم فى تلك الموقعة ؟! محمد محسن قُتل قبل أن يبلغ من العمر 23 سنة.. شاب من محافظة أسوان لم يمهله القدر فرصة التخرج من كليته. تقول والدة الشهيد : محمد رحمه الله أكبر أبنائى، وسندى فى الحياة.. شاب مثقف ومتدين على خلق وشديد الحياء، فياض بالمودة والرحمة لأهله. كان يساعد الأسرة بالعمل فى الإجازات كمهندس ديكور بعد انتهاء كل عام دراسى فى كلية التعليم الصناعى بسوهاج، حيث كان يدرس بالفرقة الثالثة بقسم الكهرباء، وكان يتأهب لخوض العام الأخير له، لكن القدر لم يمهله. * متى بدأ اهتمام محمد بالسياسة؟ - يقول والد الشهيد : بعد التحاقه بالكلية فى سوهاج، بدأت السياسة تجذب محمد، خاصة فى ظل التوعية السياسية التى كان بعض من أساتذة الجامعة يحاولون غرسها فى الطلاب مع الأوضاع السيئة والفساد الذى استشرى فى البلاد.. وكان رحمه الله يردد دائما (لازم نغير)، كان كثيرا ما يستثار كلما شاهد المظاهرات فى التليفزيون يتمنى المشاركة ويقول (أتمنى أن أستشهد زى الناس المحترمة إللى بتموت دى)، وبالفعل التحق بحملة تأييد البرادعى منذ إنشائها وكان له دور بارز بها فى حملة (طرق الأبواب) وغيرها، كما أنه قاد المظاهرات بسوهاجوأسوان. * وما كان موقفكم من اشتغال محمد بالسياسة بعدما علمتم بذلك؟ - برغم خوفنا الشديد عليه لم يكن لدينا مانع أنا ووالدته من اشتغاله فى السياسة، لاقتناعنا بأنه يحاول أن يغير وجه مصر من خلال التعبير عن رأيه بالطرق السلمية، وكلما نقول (خلينا فى حالنا) يرد قائلا: (لو كل واحد قال كدا، البلد دى هتخرب) * ماذا عن علاقة محمد بحركة 6 أبريل وجماعة الإخوان المسلمين؟ - ليس هناك أى علاقة بين الشهيد وبين حركة 6 أبريل أو الإخوان، وأؤكد أنه لم ينتم إلى أى فصيل سياسى سوى حملة تأييد البرادعى الممثلة فى ائتلاف الثورة. * لكن ابن عمته (منصور السايح) صرح عدة مرات بأن محمد كان عضوا فى حركة 6 أبريل؟ - لا.. وهذا الكلام عار تماما من الصحة. * ما هى ظروف تواجد محمد فى القاهرة وتحديدا فى العباسية فى التوقيت الذى استشهد فيه؟ - بعد انتهاء الامتحانات عاد محمد لأسوان وأثناء الإجازة طلب السفر للقاهرة لعرض نفسه على أحد أطباء الجهاز الهضمى، لإحساسه ببعض الاضطرابات فى المعدة، وبالفعل سافر وأجرى عملية منظار على المعدة، وكان فى آخر مكالمة معه قبل إصابته قد ذكر لى أنه حريص على زيارة ميدان التحرير باستمرار، وقد قال لى زملاؤه فى ائتلاف الثورة بعد إصابته بأن ابنى محمد فى أول زيارة له فى التحرير سجد ودعا لنفسه بالشهادة، وبالنسبة لمشاركته فى الذهاب إلى العباسية، فلم أكن أعلم بذلك، وحاولت أن أتصل به كثيرا، إلا أن عدم رده أصابنى بالقلق من حدوث مكروه له. * كيف ترين فكرة ذهاب الثوار إلى وزارة الدفاع؟ - لا أرى فيه عيبا فالشباب أرادوا التعبير بسلمية عن آرائهم ورغباتهم للمجلس العسكرى.. وهم ليسوا ببلطجية أو قطاع طرق إنما هم من خيرة شباب مصر، ولا يعقل أن يتم التعامل معهم بالعنف من قبل البلطجية الذى شاهدناه جميعا، الذى كان نتيجته إصابة الكثيرين واستشهاد محمد ابنى الذى ظل ينزف 4 ساعات دون أن يُسمح لزملائه بإسعافه نتيجة حصارهم. * كيف علمتم بخبر إصابته ؟ - ابن عمته الذى يعمل بالقاهرة علم بالخبر من خلال أخبار مواقع الإنترنت، وأبلغنا وانتقلت مجموعات كبيرة من العائلة إلى القاهرة لتكون بجواره فى معهد ناصر، المستشفى الوحيد الذى قبل حالته بعد توسط الدكتور محمد واكد شقيق الفنان عمرو واكد ذلك بعدما رفضته 4 مستشفيات هى (المستشفى القبطى، والقصر العينى الفرنساوى، والدمرداش، والهلال الأحمر)، وهو ما يخضع لتحقيق يشرف عليه وزير الصحة.. إضافة إلى الإهمال الشديد الذى تعرض إليه ابنى محمد خلال (11 يوما) قضاها داخل معهد ناصر قبل أن توافيه المنية. * كيف كان موقف د. البرادعى بعد الإعلان عن إصابة محمد أحد أعضاء حملة دعمه؟ - د. محمد البرادعى تخلى عن ابنى بعد إصابته، برغم انتمائه لحملته التى لم يدخر جهدا فى دعمها، فلم يقم بزيارة المستشفى ولم نستقبل أى مكالمات من طرفه، سوى مكالمة واحدة من مديرة مكتبه بعد وفاة محمد.. وفى المقابل وجدنا البرادعى يقيم صوان عزاء فى الدقى دون التنسيق معنا! ويبدو أنها خطوة إعلامية الغرض منها تحسين الصورة وكسب المزيد من الأصوات، ولو كان على حساب جثث الشهداء وهو ما أثار غضب الكثيرين سواء من الأهل أو الجماهير التى اكتشفت أنها خدعت فيه ولم تتوقع ذلك السلوك المخزى. * من فى اعتقادكم السبب فى قتل محمد؟ - لا نتهم أحدا وليس لدينا دلائل أو قرائن كافية، ننتظر القصاص العادل لدم محمد ونطالب المجلس العسكرى بصفته حاكم البلاد، وكذلك النائب العام بالكشف عن الجناة وتقديمهم للمحاكمة فدمه لن يذهب هدرا.. وأطالب كل شهود العيان الذين حضروا الواقعة أن يتقدموا فورا للشهادة للمساهمة فى إعادة الحق لأصحابه. * لكن هناك اتهامات بقتل محمد لسيدة أبرزتها لقطات من الفيديو الموضح لأحداث العباسية وهى تقذف بالحجارة على المتظاهرين؟ - لم نر تلك اللقطات ولا نستطيع أن نجزم باتهامها. * هل تشعرون بثمة محاولات لاستغلال اسم ابنكم الشهيد للوصول لأغراض خاصة؟ - نعم هناك من يحاول ركوب الموجة على جثة ابننا لعل ذلك اتضح فى الجنازة العسكرية التى كانت معدة له وفوجئنا جميعا ببعض الشباب يقتحمون الجنازة وهم يهتفون ضد المجلس العسكرى والحكومة وقد قمنا بطردهم فورا إلا أن القيادات العسكرية المشاركة فضلت الانسحاب واستكملت الجنازة وتحولت إلى جنازة شعبية. * هل ضمدت الجنازة الشعبية المهيبة للشهيد وتكريمكم بعضا من جراحكم؟ - وجدنا استقبالا كبيرا ينتظرنا من مطار أسوان وجنازة شعبية كبيرة على رأسها سكرتير عام المحافظة وحكمدار أسوان وقيادات وزارة الداخلية، ونحن نتوجه بالشكر لكل من حرص على مواساتنا فى مصابنا ونخص به محافظ أسوان الذى قدم لنا شقة تمليك ووعدنا بإتاحة الفرصة لى ولوالدة الشهيد بالحج هذا العام.