تعلمنا من النقابيين القدامى قاعدة ذهبية فى فن التعامل مع القواعد والتجمعات التى تطالب بحقوق أو ما شابه ذلك، هذه القاعدة تقضى بعدم مطالبة تلك القواعد بالمشاركة فى فعاليات تضر بمصالحها المؤقتة سعياً وراء مصالح دائمة، فلا تطلب منهم عدم قبض الرواتب احتجاجا على قلتها أو عدم عدالتها، ولا تطلب منهم الامتناع عن العمل دون تحديد أجل معين، وتدبير تمويل يكفى الإنفاق على أسرهم. عللوا ذلك بأن تكوين تكتل قوى له فعالية فى الضغط من أجل تحقيق مطالب يتطلب تسكين الجبهات الأخرى ذات المصالح المتعارضة وإن كانت تدعم المطالب الرئيسية، إذا طبقنا ذلك على ما حدث فى ميادين التحرير بالقاهرة والمحافظات، ومع الدعوة إلى التصعيد من جانب المعتصمين حتى تستجيب الحكومة لمطالبهم، ومع الدعوة المتصاعدة للعصيان المدنى، لابد أن نلاحظ الفرق الجوهرى بين ما حدث فى ثورة 25 يناير، وبين ما يجرى الآن. أيام الثورة فى يناير الماضى اجتمعت كلمة الأمة بكاملها على إنهاء حكم الرئيس السابق ونجله وبطانته فى إصرار غير مسبوق، وكان لمساندة القوات المسلحة للتوجه الشعبى أثر كبير للغاية فى إتمام الحشد الشعبى الكافى لإسقاط شرعية الرئيس السابق وحكومته، وهنا لا ينبغى أن نتغافل عن إحدى الذراعين الرئيسيتين للحدث الكبير الذى أوقع وأدى إلى تنحى الرئيس السابق وتولية حكومة جديدة بتوجيهات مختلفة. العنصر الأول هو الإجماع على هدف واحد هو إسقاط النظام السابق، جنبا إلى جنب تأييد القوات المسلحة للتحرك الشعبى وتخلى المجلس العسكرى عن دعم سياسة الرئيس المخلوع. العاملان معا أديا إلى نتيجة محددة وهى انهيار النظام السابق دون تفكيك للدولة، وإلى اختصار أمد النزاع بين الشعب وبين الرئيس السابق وتجنب إراقة المزيد من الدماء. الشاهد هنا أن بعض المتحمسين من الشباب ومن غيرهم الذين يتبنون أفكارا متحمسة يقولون إن المجلس العسكرى كان مضطرا لاختيار جانب الثورة خوفا من اتهامه بارتكاب جرائم حرب. قال لى أحد الشباب فى حوار عابر تعليقا على تحذير من استفزاز المجلس العسكرى بنشر الفوضى واضطرار للرد بقوة على الخروج على القانون، والحقيقة أن البعض من الشباب يبنى حساباته على هذه الفرضية التى أكدها المجلس العسكرى أكثر من مرة بأن الجيش لن يكون أداة ضد الثورة. هنا لست أتعرض لموقف المجلس العسكرى من هذه الافتراضات فهو الأقدر على شرح موقفه عمليا أو نظريا فى الوقت المناسب لكننى أعبر عن قراءتى الشخصية لخطأ بناء مواقف على افتراضات غير صحيحة. فالمجلس العسكرى لن يقف مكتوف الأيدى ليرى البلد تسقط فى الفوضى وهو واقف يتفرج خوفا من اتهامه بارتكاب جرائم الحرب، كما أن الخروج على القانون ليس ثورة بأى حال خاصة، أن المجموعة التى تدعو إلى الاعتصام والتصعيد تضع نفسها ليس فى مواجهة المجلس العسكرى فقط وإنما فى مواجهة قوى شعبية أخرى ترفض تعطيل مصالحها والاعتداء على حقوقها فى المرور الآمن بالشوارع والميادين، كما أن قيام اللجان الشعبية بتفتيش المواطنين هو فى الواقع اغتصاب لسلطة قانونية ولن يصير عليه الناس طويلا. ما لا يشعر به بعض الشباب المتحمس أن قاعدة التأييد الشعبى بدأت تنحسر عن أسلوبهم فى التعامل مع السلطة القائمة على البلد، فحكومة شرف ليست من حكومات الحزب الوطنى، ولم تأخذ الفرصة الكافية لتقييم عملها الانتقالى، والمجلس العسكرى بعد البهدلة التى لحقت بالرئيس السابق وأسرته ورموز حكمه لا يمكن الادعاء بأنه متواطئ مع النظام السابق. دعونا نواجه الحقيقة بشجاعة فالخلاف الرئيسى ليس على بطء المحاكمات أو حقوق الشهداء فلن تضيع الحقوق فى غضون شهرين أو ثلاثة إضافية حتى تتضح المراكز القانونية للمتهمين الذين يلاحقهم قانون العقوبات، لكن القصد من التحرك الحالى فى الشارع ومحاولة إعادة حالة العصيان المدنى هو إحراج جهاز الحكم الحالى، حكومة شرف والمجلس العسكرى نظراً لما يعتقده البعض من وجود تحالف بين المجلس وبين الإخوان يتيح لهم ركوب المجلس التشريعى المقبل وبالتالى تكون لهم اليد العليا فى تشكيل الحكومة ووضع الملامح الرئيسية للدستور الجديد المزمع إصداره فى وقت لاحق.