كتب : سامح فوزى المشهد مضطرب، وغير مفهوم، والأصوات متداخلة، مختلطة، ويبدو أن البوصلة مفتقدة، والعين المثبتة على الجمهور تحول دون رؤية الصورة الأكبر. قتل أسامة بن لادن برصاص أمريكى، وأغلب الظن بدعم استخباراتى باكستانى، وبتعاون من جانب شخص قريب من بن لادن، قد يكون بقصد أو دون قصد، ولكن هذا ما حدث. منذ ثلاثة أعوام كتب فريد زكريا افتتاحية «النيوزويك» القصيرة، المتخمة بالمعلومات، والتسريبات التى لا يحصل عليها إلا كاتب فى وزن هذا الرجل، وبخلفيته العلمية والثقافية. هناك من وصفه بالمجاهد والشهيد وصلى صلاة الغائب عليه المقال يروى قصة الصدام بين حامد قرضاى رئيس أفغانستان وغريمه برويز مشرف الرئيس الباكستانى السابق حول ما سمى الحرب ضد الإرهاب، وانتهى كاتب المقال بعد استعراض حجج هذا وذاك إلى نتيجة مفادها أن باكستان لا تؤدى دورها فى الحرب ضد الإرهاب، بل هناك تلميحات بأن أجهزة باكستانية تساعد حركة طالبان. الآن تعاونت باكستان، صناعة مقتل بن لادن تبدو باكستانية، ولكن الإخراج النهائى أمريكى.. وهل يعقل أن يعيش لأشهر، وربما لسنوات أسامة بن لادن مع رجاله فى المجمع السكانى المشئوم على بعد 40 كيلومترا من إسلام آباد، دون أن تعرف الأجهزة الباكستانية؟.. لا يعقل. برويز مشرف الإسلاميون فى مصر صدمهم الخبر، والتبس موقفهم.. هناك من وصفه بالشيخ، والمجاهد، والشهيد، وصلى صلاة الغائب عليه.. حين وقعت أحداث 11 سبتمبر ,2001 أسرعوا إلى رفض العنف، وشجب الإرهاب.. لكن الآن التبس موقفهم إلى حد أن بعضهم برأ بن لادن من هذا الحدث الجلل عالميا، المنطق الشعبوى هيمن وغلب. لم يكن الإسلاميون بحاجة إلى تسجيل موقف، لاسيما أن أيا من هذه الحركات لم يكن جزءا من تنظيم القاعدة، أو محسوبا عليه، أو له علاقة معلنة به.. فلماذا يظهر موقف قطاع من الإسلاميين على هذا النحو؟ ولماذا هناك حرص على تبرير أفعال الرجل؟ فى رأيى أن أسامة بن لادن أساء إلى الإسلام ذاته، والحركات الإسلامية إساءة بالغة، بأن جعلها فى التصور العالمى من حركات احتجاجية، سياسية واجتماعية، إلى حركات إرهابية، ووصم المسلمين أنفسهم بأوصاف تحط من قدرهم. حامد قرضاوى وقد كنت أتصور أن يختلف رد الحركات الإسلامية تجاه الحدث.. وهو ما لم يحدث، قد يكون موقف الإسلاميين من مقتل أسامة بن لادن مسألة هامشية، لكنه يعكس شعورا لديهم بالتواصل مع الشعبوية الدينية، وإضفاء مزيد من الراديكالية على فكر وحركة المواطنين، مما يشكل فى ذاته رصيدا سياسيا قادما للقوى الإسلامية فى المجال العام. فى الواقع إن استغلال أو توظيف غريزة الجماهير فى أحداث كونية أو محلية هو ممارسة معتادة للقوى الإسلامية والقومية. هذه اللعبة خطرة، وينبغى التحذير منها، لأن إلغاء التمايزات بين الفرق الإسلامية فى المناسبات المختلفة التى تشغل الرأى العام مراعاة للشعبوية الدينية، ولعبة التوازنات الإسلامية - الإسلامية على أرض الواقع قد تؤدى فى النهاية إلى راديكالية دينية قاسية، تخنق الشارع، وتمنع القوى السياسية الإسلامية من تجديد نفسها خوفا من راديكالية الشارع، فتكون بذلك قد صنعت العفريت التى لا تستطيع صرفه. الإسلاميون فى مصر وقد خرجوا إلى العمل العلنى، ولديهم أحزاب عليهم أن يتخلصوا من الشعبوية التى طالما راهنوا عليها، لأنه فى لحظات المواجهة مع النظام السابق كان من الصعب عليهم تمييز المواقف، ورسم الحدود، أما الآن فإن التباين فى مواقف الإسلاميين تجاه القضايا يعكس التنوع الذى يثرى العمل ولا ينال منه.. فلا يصح خوفا على تسرب تأييد الجمهور أن نجد الإخوان والسلفيين فى خندق واحد، ولا نجد تباينات فى جسد الحركة الإسلامية، ليس من باب الفرقة والتشرذم، ولكن بحثا عن ملامح وقسمات، وأفكار واضحة، وجمهور محدد المعالم، أعتقد أن هذا هو المدخل الطبيعى للعمل العام الجاد بدلا من الشعبوية الدينية، والرهان على الرمال المتحركة!