أقطع ذراعى أن معلومات الحكومة والمجلس العسكرى والصحافة القومية والخاصة وبهوات التليفزيون عن المواطن المصرى محدود الدخل.. هى معلومات طشاش.. من باب العلم بالشىء.. وعلى اعتبار أن المواطن ليس نجم المرحلة حتى نهتم بأحواله.. والنجم الحقيقى هم الكبار بفسادهم وتحركاتهم وهمساتهم وسكوتهم ونومهم وأكلهم وشربهم فى ليمان طرة.. ولا مانع من الحديث المستفيض عن المليارات الهاربة.. وقد تصور الناس أن المليارات لو عادت.. فسوف تحل جميع مشاكل الفقر والغلاء وتدهور الإنتاج ووقف الحال.. وسوف تغرق فى نعيم ما بعده نعيم.. والمواطن صابر ومحتسب يتفرج ويتابع.. ثم ينام سعيدا مبسوطاً.. يحلم بالفلوس المستردة.. يصلح بها أحواله.. وينسف حمامه القديم.. ويحول شقته قصرا.. يفرشه بالموكيت من الحيط للحيط.. ويشترى المطبخ ضد الميه ضد النار. المواطن ينتظر انفراج الأحوال إذن.. صابر على حواديت الهم والغم.. يتسلى يوميا بمتابعة حكايات الفساد والزفارة التى تزكم الأنوف.. وهروب المليارات.. والتى هى فلوسه شخصياً.. دون أن يفقد عقله وإيمانه بالله.. وقد تسللت كلمة المليار إلى قاموسه الشخصى.. وقد حسبها بالورقة والقلم.. فاكتشف أن نصيبه منها يتعدى مئات الألوف للفرد الواحد.. ولهذا هو ينتظر. هو قنبلة موقوتة إذن. والحكومة مشغولة عنه فى محاولة لإرضاء جميع الفئات والطوائف المتخاصمة وإرضاء جميع الأطراف.. لن ترضى أحداً.. ورئيس الوزراء ليس فى حالة انتخابية ليلبى مطالب الجميع.. ومن المؤكد أن المصالح تتعارض.. من الطبيعى أن تكون هناك فلسفة ورؤية لرئيس الوزراء تسعى الحكومة لتنفيذها.. ومن غير المعقول أن تتقدم الدولة خطوة للأمام تتلوها خمس خطوات للخلف.. ومن المستحيل أن يتراجع رئيس الوزراء فى كل مرة يعترض فيها بضع مئات.. وعلى رئيس الوزراء أن يصر على أفكاره حتى وإن أغضب البعض.. ورسالة الحكومة الرئيسية يجب أن تكون موجهة للمواطن الذى يتلهف على وضع كلمة النهاية لجميع مشاكله المتراكمة. أخشى أن أستخدم كلمة الانفلات للتعبير عن حال الشارع المصرى الآن.. وانظر حولك.. ولاحظ تراكم القمامة بشكل غير مسبوق.. وارتباك المرور.. والغلاء المتوحش فى أسعار كل شىء.. ثم نتحدث عن دعم الاقتصاد المصرى.. وكيف تستطيع سعادتك جذب المستثمرين إذا كانت حركة الشارع منفلتة.. وإذا كان العصيان المدنى هو القانون؟! ما يغيظنى حقاً.. هو ذلك الأداء الهادئ المتريث لحضرة رئيس الوزراء.. الذى يتصرف بأسلوب شيخ العرب.. وقد زار سيناء لمصالحة أهلها.. وأكل معهم «عيش وملح».. وبعد يومين بالضبط من الزيارة.. قام بدو رأس سدر بقطع الطريق الدولى المؤدى إلى شرم الشيخ للمطالبة بالإفراج عن ذويهم من المساجين.. بعدها قام «البعض» لثالث مرة بتفجير محطة التحكم بخط الغاز العربى الموصل لإسرائيل والأردن والعراق وسوريا.. فلماذا كانت الزيارة أصلاً.. ولماذا مواصلة العصيان المدنى لو كانت الزيارة قد قامت بالمطلوب منها. وإذا كان عصام شرف قد أكل «عيش وملح» مع بدو سيناء الغاضبين.. فهل يفعلها مع سائقى الميكروباص وأصحاب البوتيكات والباعة الجائلين.. وهم أحدث الطوائف المحتجة والغاضبة..! الحكومة فى مأزق والله.. والمواطن صابر محتسب.. يتحمل شظف العيش والانفلات الأمنى والعصيان المدنى المتكرر والمستمر.. ويتسلى بمتابعة حواديت الفساد.. وينتظر بلهفة كلمة النهاية لجميع مشاكله المتراكمة.