فوز نادى بيراميدز حديث الولادة ببطولة أفريقيا، يبوح بأسرار تجربة ملهمة فى مجال صناعة الرياضة فى مصر، تستحق التوقف أمامها لعلنا نخرج منها بروشتة ناجعة لأمراض الرياضة المصرية. خصخصة الأندية فى مصر باتت أمرًا مطلوبًا، بعدما أصبحت الرياضة وفى مقدمتها كرة القدم صناعة واستثمارًا، بينما لا نزال فى مصر أسرى منظومة كروية لم تعد تواكب العصر، فلم يعد مقبولًا استمرار النهج الحالى المشوه الحائر بين كون الأندية ملكية عامة وفى ذات الوقت مطلوب منها أن تتحرر من مجالس إدارات تحكم فيما لا تملك. لماذا إذن نجح الاستثمار الرياضى فى هذه الدول بينما لا يزال لدينا استثمارًا مشوهًا، الرابح الوحيد فيه تقريبًا هم اللاعبون أنفسهم بينما نجد أن ميزانيات معظم الأندية تعانى العجز المالى وتعتمد على تبرعات كبار المشجعين، وفى بعض الأحيان كنا نرى أن الأندية تدفع جزءًا ليس بالقليل من قيمة عقود اللاعبين عبر أبواب خلفية من خلال عقود إعلانية لهذا اللاعب أو ذاك، بل إن هذا كان يأتى من وكالات إعلان ضمن الملكيات العامة بما يعد تحايلًا على المال العام نفسه. الإجابة على السؤال السابق تكمن فى أمر جوهرى وهو نظرتنا وفلسفتنا فى الهدف من النشاط الرياضى نفسه، وهو ما تعبر عنه القوانين المنظمة للأندية التى تعد فى معظمها ملكية عامة، فلدينا فى مصر أكثر من نوع لملكية الأندية الرياضية، فالقانون لا يسمح ببيع الأندية الأهلية مثل الأهلى أو الزمالك، لكنه يسمح بالاستثمار فيها أى أنه تظل الإدارة فى يد مجالس إدارات هذه الأندية دون أى تدخل من قبل المستثمرين، وإذا كان القانون يسمح ببيع وشراء الأندية الخاصة مثل بيراميدز أو وادى دجلة أو زد، فإنه يحظر ذلك على الأندية الأهلية. هناك أيضًا باب خلفى للاستثمار فى الأندية الأهلية عبر السماح لها بتأسيس شركات مساهمة مع شرط ألا تزيد نسبة القطاع الخاص فيها على 49 %، وهنا تكمن المعضلة، فمن سيدفع ملايين الدولارات أو الجنيهات فى استثمار لا قرار له فى إدارته؟ ومن يضمن للمستثمر أن هناك أرباحًا ستعود عليه؟ خصوصًا أن هذه الأندية تحصل على دعم من الدولة بمئات الملايين من الجنيهات فى حين أن إيراداتها تكاد تكون معدومة ما لم تكن تعانى عجزًا. لذلك، ومن وجهة نظرى المتواضعة لن يستقيم وضع الأندية الرياضية فى مصر إلا بتطوير المنظومة بالكامل وتغيير فلسفة واستراتيجية عملها، بحيث تصبح منظومة استثمارية حقيقية، من خلال خصخصتها وهذا لن يتأتى إلا بتعديل القوانين المنظمة لها بعيدًا عن أى عواطف تعيق ذلك. أيضًا من وجهة نظرى التى ربما لا يتفق معها كثيرون، فإن الخصخصة لها فوائد عدة، أبرزها أنها ستدخل خزينة الدولة ملايين ما لم يكن مليارات الدولارات، فالخصخصة ليست مجرد بيع ناد ومنشآت وهى بالمناسبة أصول ضخمة، بل أيضًا بيع لعلامات تجارية وأسماء لأندية تستحق الاستثمار فيها. من الفوائد أيضًا، أن الخصخصة ستحد تمامًا من الفساد الرياضى، فالمستثمر لن يبرم أى صفقة لا تستحق كما هو الحال الآن حيث تحولت الرياضة وبشكل خاص فى كرة القدم إلى عملية توريث ووساطات، فلا أحد من أعضاء مجلس الإدارة أو المسئولين عن هذه الأندية يدفع من جيبه، فكله ليس على حساب صاحب المحل، بل على حساب المحل نفسه. ومن الفوائد أيضًا، أن كل مستثمر سيحرص على أن تكون مدرسة الكرة فى ناديه مصدرًا للربح، وهو ما يعنى مصدرًا للنقد الأجنبى فى حال بيع لاعبين لأندية أجنبية أو عربية. أيضًا سيتم تحويل الملايين من الدعم المقدم من الدولة إلى من يستحق من مراكز الشباب والساحات الشعبية لخدمة الفئات الأولى بها. أعلم تمامًا أن قرار الخصخصة بالغ الحساسية، لكن إذا نظرنا إلى تجربة الأندية الأوروبية لعلمنا أنها أحد أهم عوامل نجاح تلك الأندية على المستوى الرياضى والاستثمارى أيضًا.