تعمل الحكومة المصرية جاهدة للنهوض بقطاع التعدين الذى يعانى من مشكلات كثيرة، على رأسها أن الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية هيئة عامة خدمية تتبع ماليا وزارتى التخطيط والمالية وفنيا وزارة البترول والثروة المعدنية، ما يؤدى لضعف مساهمة الهيئة وقطاع التعدين فى الناتج المحلى الإجمالى، الذى يقدر حاليا بنحو %1 فقط، وهو ما لا يحقق العائد المناسب من إمكانات مصر الجيولوجية. ونص مشروع القانون على أن تتحول الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية إلى هيئة عامة اقتصادية بموازنة مستقلة بغرض تحقيق استقلالية القرار المالى والإدارى وتعظيم العوائد الاقتصادية للقطاع ومراعاة حقوق الأجيال القادمة فى ثرواتهم الطبيعية وهذا من شأنه تدعيم وتطوير قطاع التعدين والاستغلال الأمثل له وتحفيز الاستثمار. اكتشاف ثروات جديدة من جانبه أكد دكتور أحمد الراجحى خبير التعدين أن هناك ثروات تعدينية هائلة غير معروفة (ليست مناجم) فى سيناء والصحراء الشرقية والغربية، وفى المياه الإقليمية المصرية فى البحر الأبيض والبحر الأحمر، موضحا أن اكتشاف تلك الثروات، سوف ينتج عنه بناء مناجم عالمية للذهب والفضة والنحاس والرصاص وغيرها من المعادن النادرة الأخرى وصناعات أخرى خدمية ومكملة لتلك المناجم، وكل ما هو مطلوب أن نجذب ونشجع المستثمر الخبير فى هذا المجال لاكتشاف تلك الثروات. وأضاف «الراجحي»: أن إثبات وجود منجم اقتصادى، يحتاج لسحب آلاف العينات للتأكد من وجود الخام من عدمه، ثم قياس مدى انتشار الخام فى الموقع وكميته وحساب الاحتياطى المؤكد يلى ذلك القيام بدراسات ميتاليرجية معقدة لتحديد الطريقة المثلى لاستخراج المعدن من الصخور وهو ما يختلف من معدن لآخر ومن موقع لآخر، حيث إنه من الوارد وجود المعدن بكميات اقتصادية لكن مع انعدام وجود طريقة فنية لاستخراجه فبالتالى لا وجود لمنجم من الأساس. دراسات الجدوى وتابع: «يلى ذلك القيام بدراسة الجدوى الاقتصادية والمالية وحساب تكاليف الإنشاء من مصنع استخلاص ومعدات ومرافق وتكاليف تشغيلية دورية ومقارنتها بالسعر العالمى لكمية الاحتياطى المؤكد من الخام، فلو كانت قيمة الاحتياطى أكبر من التكاليف، هنا فقط يمكن القول بوجود منجم، أما أن كان العكس فلا يمكن علميا أو اقتصاديا القول بوجود منجم ولكن هى فقط حالة تمعدن». وأوضح «الراجحي» أن البحث عن هذه الثروات فى حد ذاته - حتى قبل الوصول لمرحلة الاستغلال - سوف يخلق طفرة فى الاقتصاد وسوف يوطن تكنولوجيا جديدة فى مجالات مختلفة، وينشط ويمول الأبحاث المطلوبة فى الجامعات والمعاهد البحثية. ونوه خبير التعدين إلى أن بعض الدول فى أفريقيا وأمريكا الجنوبية وقد كانت فى السابق لا تثير اهتمام شركات التعدين العالمية أصبحت الآن مركز جذب استثمارى مهمًا لتلك الشركات بعد أن حدثت بها ثورات تشريعية مما أوصلها لمرحلة النضج جعلها تتجه لدعم سيطرة الشركات العالمية على عمليات الإنتاج داخلها والتحول الجوهرى نحو الملكية الخاصة، فهناك تنافس شديد بين دول العالم لجذب المستثمر التعدينى الجاد. دور الحكومات وأشار «الراجحي» إلى أن الدور الأساسى للحكومات يجب أن يكون التنظيم والإشراف القانونى وتنمية المناخ الإيجابى لخلق قطاع تعدينى فعال وتطوير الصناعات التكميلية والأنشطة ذات القيمة المضافة، موضحا أن الحكومات لا تمتلك المعرفة أو الخبرة العملية بأعمال وفنيات صناعة التعدين ولا تملك مؤسساتها القدرة التمويلية على أخذ مخاطر التنقيب المالية بافتراض توافر المخصصات من ميزانية الدولة أساسا، فلقد حسم الجدل الخاص بقدرة تلك المؤسسات على استثمار رؤوس أموالها - أموال دافعى الضرائب - لغير صالحها. ورأى خبير التعدين أنه من الضرورى أن يكون هناك نظام مالى وقانونى صحى حتى تتسنى تنمية تلك المشروعات، ويجب أن نعترف أنه لن ينمو قطاع التعدين فى مصر بدون جذب المستثمر التعدينى ذى الخبرة والإمكانيات المادية والعلمية، لافتا إلى أن الشركات الجادة تبحث عن المشروعات فى الدول الجادة، التى تمتلك نظاما شفافا وثابتا، الأمر الذى يحتم ضرورة العمل على أن تكون مصر من هذه الدول. ونبه «الراجحي» إلى أن هناك خرائط استثمارية للعالم موضح بها الدول الآمنة للاستثمار، مستثمرو التعدين لهم خريطة خاصة من ثلاثة ألوان، اللون الأحمر وهى البلاد التى لا يجب عليك أن تفكر فى الاستثمار بها تحت أى ظروف، اللون الأصفر وهى البلاد من الممكن الاستثمار بها، بعد دراسة عميقة وحذر واللون الأخضر وهى البلاد التى يستثمر بها بدون حذر، مصر كانت فى المنطقة الحمراء قبل بدء أعمال الشركة الفرعونية، واكتشاف السكرى، نقلها لفترة إلى المنطقة الصفراء قبل أن تعود مجددا لنقطة البداية بعد أحداث يناير 2011. إلغاء المزايدات وأوضح خبير التعدين أنه لا العائد المباشر من المشروع سواء كان إتاوة أو ضرائب أو حتى حصة المشاركة فى الإنتاج والأرباح هو المهم، فكثير من دول العالم يمنح إعفاء للمشروعات التى ينطبق عليها المواصفات الأربعة المذكورة من الضرائب لعدة سنوات بل إن بعضها تمنح إعفاءات أبدية كدبى وسنغافورة. وحذر «الراجحى» من أن مصر تقوم بتقييم المشروع حسب العائد المالى المباشر وحده، لذلك فهى تفشل فى جذب الاستثمارات طويلة الأجل، والتى هى ركيزة الاقتصاد القوى كما أن نظام المزايدات يمثل تجسيدا للفشل ويفتقد للعلمية، وليس فى صالح مصر على الإطلاق، فهو قائم على اعتقاد الهيئة أنها تعى أين تتواجد التمعدنات للمعادن المختلفة فى جميع أرجاء مصر، وهو اعتقاد خاطئ تماما، فالتمعدنات التى تم اكتشافها هى بعض التمعدنات السطحية والتى تم التعرف على معالمها، لكن هناك تمعدنات سطحية لم يتم التعارف عليها وهناك تمعدنات مدفونة قد تكون على بعد سنتيمترات قليلة أو آلاف الأمتار بعضها له علامات سطحية غير معروفة وبعضها ليس لها أى علامات سطحية على الإطلاق، واكتشاف تلك التمعدنات يتطلب وجود مستثمرين على علم وذوى خبرة، ولن يتحقق ذلك سوى بالتخلى عن نظام تحديد الأراضى بالمزايدات وترك الأمر اختياريا للمستثمرين. ونوه خبير التعدين إلى أن المزايدات تعتبر إحدى الطرق الشائعة لمنح حقوق التعدين واستغلال الثروات المعدنية، ومع ذلك، يثار جدل متزايد حول مدى فعاليتها وضرورة الاستمرار فى تطبيقها فى قطاع التعدين، خاصة فى ظل التحديات والمخاطر التى قد تنطوى عليها.