تعود الأزمة الهندية-الباكستانية إلى الواجهة مجددًا بعد حادث تفجيرى مروّع وقع فى الجزء الهندى من إقليم كشمير أودى بحياة جنود هنود، وأعاد إشعال فتيل التوتر بين القوتين النوويتين. التوتر المتصاعد بين نيودلهى وإسلام آباد ليس جديدًا، لكن خصوصية هذه الجولة تكمن فى تزامنها مع تحولات داخلية لدى الطرفين، من تصاعد القومية الهندوسية بقيادة ناريندرا مودى، إلى تعقيدات الوضع الأمنى داخل باكستان، مرورًا بالتغيرات الإقليمية والدولية، من تطور العلاقات الباكستانية-الإيرانية إلى تمدد النفوذ الصينى فى المنطقة... من هنا، نستعرض فى هذا التقرير التسلسل الزمنى لتطور الأزمة الحالية منذ لحظة الانفجار وحتى تطورات اللحظة الراهنة.
الخط الزمنى لتطور الأزمة: 28 مارس 2025.. انفجار الأزمة فى مشهد مفجع أعاد إلى الأذهان مشاهد العنف القديمة، تعرضت حافلة تقل مدنيين لهجوم مسلح فى بلدة «باهالغام» السياحية، الواقعة فى جامو وكشمير تحت السيطرة الهندية، أسفر الهجوم عن مقتل 26 مدنيًا، بينهم أطفال ونساء، بينما سارعت الهند إلى اتهام «مجموعات إرهابية مدعومة من باكستان»، دون أن تقدم دليلًا قاطعًا. 29 مارس: أزمة دبلوماسية ردًا على الهجوم، أقدمت نيودلهى على خطوات تصعيدية خاطفة: أوقفت إصدار التأشيرات للباكستانيين، وطلبت من المقيمين مغادرة البلاد خلال 72 ساعة، كما صرح رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى بوضوح: «سيدفعون الثمن». 30 مارس: باكستان تقفل الأبواب إسلام آباد لم تقف متفرجة، فأعلنت غلق المجال الجوى أمام الطائرات الهندية، وتعليق التجارة حتى عبر دول وسيطة. ولم تكتفِ بذلك، بل جمّدت إسلام آباد جميع الاتفاقيات الثنائية، وعلى رأسها «اتفاقية شِملا»، لتغلق بذلك آخر نافذة دبلوماسية بين البلدين. 1 أبريل: تواصل التصعيد الهند تعلن تعزيز وجودها العسكرى فى المناطق الحدودية، مع تحرك قطاعات مدرعة إلى شمال الجزء الهندى من إقليم كشمير، ما أعاد الحديث عن شبح الحرب الرابعة بين الجارتين النوويتين. فى الوقت نفسه، بدأت الجيوش على الجانبين حالة استنفار قصوى. 13 أبريل: الرصاص يتكلم تبادل لإطلاق النار عبر خط الهدنة، سقط فيه أربعة باكستانيين جرحى، وجاءت الاتهامات متبادلة بين الطرفين. 25 أبريل: الهند تعلن تعليق اتفاقية نهر السند أعلنت الهند تعليق العمل بمعاهدة تقاسم مياه نهر السند، المبرمة منذ عقود مع جارتها باكستان، غداة هجوم إقليم كشمير الخاضعة للإدارة الهندية، فيما تشدد إسلام آباد على أن أى محاولة هندية لوقف أو تحويل تدفق المياه «ستعتبر سببًا للحرب». 27 أبريل: موسكووبكين على خط الأزمة فى تحول مفاجئ، أعلنت باكستان أنها تنوى إشراك روسياوالصين فى «تحقيق دولى مستقل» حول هجوم باهالغام. هذه الخطوة فتحت الباب لتدويل الأزمة، فى ظل صمت أمريكى وقلق أممى متصاعد. 1 مايو: باكستان تلوح بغصن زيتون وسط العواصف، خرج رئيس الوزراء شهباز شريف مخاطبًا الهند: «نحن مستعدون للحوار، وفق قرارات الأممالمتحدة، لإيجاد حل دائم لكشمير». لكن نيودلهى رفضت العرض، واعتبرته «مناورة دبلوماسية». 5 مايو: سلاح المياه حكومة نيودلهى تعلن وقف تدفق المياه من سد باغليهار على نهر تشيناب إلى باكستان، كما أعلنت وسائل إعلام هندية، أن حكومة البلاد تخطط أيضا لقطع تدفق المياه من سد كيشانغانغا على نهر غيلوم. فى حين شدد وزير الخارجية الباكستانى محمد إسحاق دار على أن بلاده لن تتخلى عن نقطة من مياهها. 6 مايو: إطلاق عملية «سندور» فى رد على هجوم باهالغام، أعلنت نيودلهى إطلاق عملية أطلقت عليها «سندور»، حيث شنت غارات جوية استهدفت تسعة مواقع فى باكستان وكشمير الخاضعة لإدارتها، مدعية أنها بنية تحتية إرهابية. أسفرت الغارات عن مقتل 31 شخصًا، بينهم مدنيون، وتدمير مواقع منها مساجد ومنشآت تعليمية. 7 مايو: إسلام آباد تتوعد بالرد فى المقابل، أعلنت باكستان أنها أسقطت عدة طائرات هندية، وتبادلت إطلاق النار عبر خط السيطرة، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من الجانبين. ووصف رئيس الوزراء الباكستانى الضربات الهندية بأنها «أعمال حربية جبانة» وتوعد بالرد. 8 مايو: الهند تستخدم طائرات هجومية أطلقت الهند طائرات مسيرة هجومية من طراز «هاروب» على مواقع فى باكستان، مما أدى إلى إصابة أربعة جنود باكستانيين وتدمير موقع قرب لاهور. كما أعلنت باكستان أنها أسقطت 25 طائرة مسيرة، وأن حطام إحداها تسبب فى مقتل مدنى فى إقليم السند. الردع ليس الهدف لا يبدو أن الردع بحد ذاته كان الهدف من ضربات الهند المتوالية وقطع العلاقات الدبلوماسية مع وقف المعاهدات السابقة مع الجارة الباكستانية، لكن توضح التوجهات الهندية أنه لم يُعِدّ صناع القرار الهنود قواتهم العسكرية للرد بهجمات مصممة لتكون عقابية موجعة بما يكفى لتحقيق الردع. إذا استغرق الأمر أسبوعين لشن أقل من اثنى عشر هجومًا صاروخيًا، فهذا يُضعف استعداد الهند للرد على الهجمات الإرهابية. علاوة على ذلك، تواجه الهند الآن خطر ردّ الصين أيضًا. ففى نهاية المطاف، هذا يُعطى الصين مبررًا لبناء سد على نهر براهمابوترا كالعادة، لن يكون للدبلوماسية سوى تأثير محدود. ومن السذاجة توقع موافقة الدول الأخرى على هجمات الهند الانتقامية أو قدرتها على كبح جماح باكستان. قد يُجدى الخطاب القاسى فى الأممالمتحدة نفعًا لدى الباكستانيين، لكنه لن يؤثر عليهم. إن الاستعداد لتحمل الألم هو ما يدل على الجدية والعزيمة. تُشير الهند، من خلال عدم استعدادها وخوفها من التصعيد، إلى أن الردع ليس هدفها. فى المقابل، نرى سنوات الاستعداد التى تقوم بها الصين لغزو تايوان - استعدادات واسعة النطاق لدرجة أن بكين قد تتمكن الآن على الأرجح من الاستيلاء على البلاد دون حرب فعلية. قد يكون التحرك لتقليص معاهدة مياه نهر السند بعض التأثير، لكن ذلك سيستغرق وقتًا طويلًا قبل أن يبدأ مفعوله. ومرة أخرى يتضح جليًا عدم الجدية لعدم وجود أى استعداد مسبق. كان بإمكان الهند الاستعداد لإيقاف تدفق المياه لسنوات عديدة، حتى إن التهديد بإلغاء المعاهدة أصبح تهديدًا جديًا أما من الناحية الاستراتيجية، فلا تستفيد باكستان كثيرًا من هذه الهجمات التى أدت إلى اشتعال الأزمة مرة أخرى أيضًا. فهى لا تحل نزاع كشمير، ولا حتى تُحدث تغييرًا إيجابيًا فى مسار تعتبره باكستان إيجابيًا. كما أنها لا تُقلل من النمو الاقتصادى الهندى البطىء والمطرد، أو من اتساع فجوة القوة بينهما. بل على العكس، فإن هوس كشمير والإرهاب قد أضرّ بباكستان أكثر بكثير من الهند بطرق لا تُحصى - بما فى ذلك سمعتها الدولية، والتكاليف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المحلية الباهظة لهذه الاستراتيجية. ويرتبط تراجع باكستان البطيء ارتباطًا وثيقًا بهذه الخيارات، لكن الجيش الباكستانى يُصرّ على أن مصالحه المؤسسية أهم من المصلحة الوطنية، ويخلط بين الأمرين. مع ذلك، ستواصل باكستان شنّ مثل هذه الهجمات، لأن التكاليف المباشرة للردّ والانتقام الهندى محدودة للغاية. ولن تُقيّد روالبندى بأيّ حسابات يكون فيها الردّ الهندى عاملًا مؤثرًا. وما دامت الهند تخشى التصعيد، وهو ما أشارت إليه بوضوح، فبإمكانها أن تتجاهل ردع الهجمات الإرهابية التى ترعاها باكستان. بل إنّ هذه الهجمات الانتقامية قد تُصبح قريبًا مشكلةً، لأن ردّ الصين سيصبح عاملًا مؤثرًا أيضًا. بعد ربع قرن من بدء باكستان هجماتها الإرهابية البارزة بهجومها على البرلمان الهندى فى نيودلهى، لم تتعلم الهند بعد كيفية الرد على استراتيجيتها الإرهابية. ومن المستبعد أن يحقق هذا الهجوم أى شيء يفوق ما حققته الهجمات الهندية السابقة، مثل هجوم بالاكوت. وهذا يعنى أن عملية سيندور لن تمنع المزيد من الهجمات الإرهابية التى يرعاها الجيش الباكستانى على الهند. تشمل عملية سيندور أهدافًا إرهابية أكثر بكثير مما فى بالاكوت، لكن هذا لا يُعطى أى عزاء. فالمهم ليس عدد الأهداف المُستهدفة، بل التأثير المُراد، ومن هو هدف هذه الإشارة. البنية التحتية للإرهاب محدودة نسبيًا، ويسهل إعادة بنائه، حتى مع افتراض وقوع أضرار جسيمة. وسيُصبح مستوى الضرر نفسه محل جدل، على حساب السؤال الأهم، وهو: هل تم تحقيق أى تأثير رادع؟ العودة إلى دوائر الصراع وفى الخاتمة، لا بد أن نضع فى الاعتبار أن المواجهة الحالية بين بلدين لديهما رؤوس نووية هى الأكثر جدية وخطورة كأعنف مواجهة عسكرية منذ حرب كارجيل عام 1999، كما أن التصعيد المستمر من قبل الطرفين يعيد تكرار سيناريو 2019، حيث لجأت الهند إلى تصعيد محدود من أجل إرسال رسالة ردع. لكن هذه الاستراتيجية تبدو غير فعالة فى ظل متغيرات جديدة فى النهاية، رغم أن كلا الطرفين يدرك خطورة الانزلاق إلى حرب شاملة،فإن استمرار الهجمات الإرهابية والمزايدات السياسية الداخلية يفتح الباب أمام مزيد من التصعيد، فى منطقة تختزن كل عناصر الانفجار.