الحرب ليست فى ساحات وميادين المعارك فقط، بل إن المفاوضات التى تدور فى الغرف المغلقة ربما تكون أشد وطيسا، ومستعرة أكثر بين الوفود التى تبحث بين ركام المعارك الضارية عن نتائج تحيلها إلى فرص لفرض السلام، ووقف آلات القتل والدمار والخراب، وأن تكتيك طاولة المفاوضات لا يقل أبدا عن تكتيكات خوض الحروب. لقد تصدرت مدينة جدة السعودية عناوين الأخبار العالمية طيلة الأسبوع الماضى بعدما نجحت جهود الوساطة التى بذلتها المملكة العربية السعودية بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوأوكرانيا فى محاولات جادة لإنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية المشتعلة منذ ثلاث سنوات بعدما أدت المفاوضات التى استمرت أكثر من ثمانى ساعات واستضافتها مدينة جدة الثلاثاء الماضى إلى موافقة أوكرانية على مقترح أمريكى بوقف إطلاق النار بين كييف وموسكو لمدة شهر، وإجراء مفاوضات فورية مع روسيا تمهيدا لوقف الحرب، لتستبق بذلك زيارة مرتقبة للرئيس الأمريكى دونالد ترمب، للسعودية بعد بضعة أسابيع. ورحّب مجلس الوزراء السعودى، فى اجتماعه الأخير بالمحادثات بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوأوكرانيا التى استضافتها المملكة ضمن مساعيها لإنهاء الأزمة؛ لا سيما فى ظل علاقاتها المتوازنة مع مختلف الأطراف، ودورها الريادى فى تعزيز الأمن والسلام العالمى، وترسيخ الحوار بوصفه الوسيلة الأنجح لحل النزاعات وتقريب وجهات النظر. جاء ذلك خلال جلسته التى عقدها برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، فى جدة، حيث تناول المجلس نتائج مباحثات الأمير محمد بن سلمان ولى العهد رئيس مجلس الوزراء مع الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينيسكى، وما اشتملت عليه من التأكيد على حرص المملكة ودعمها الجهود الدولية الرامية لإيجاد حل للأزمة فى أوكرانيا وصولاً للسلام الدائم، وإشادة البلدين بمتانة الروابط الاقتصادية، وترحيبهما بإعادة إنشاء مجلس الأعمال المشترك خلال العام الحالى 2025. وفى لقائه بالرئيس الأوكرانى أكد الأمير محمد بن سلمان ولى العهد رئيس مجلس الوزراء السعودى، الاثنين، حرص بلاده ودعمها جميع المساعى والجهود الدولية الرامية لحل الأزمة الأوكرانية، والوصول إلى السلام، جاء ذلك بعد استقباله فى الديوان الملكى بقصر السلام فى جدة، الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، حيث ناقشا خلال جلسة مباحثات رسمية آخر المستجدات وتطورات الأزمة الأوكرانية، وكان زيلينسكى زار الاثنين مدينة جدة حيث التقى وليّ العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان، لكنه ترك المحادثات مع الأمريكيين لثلاثة من كبار مساعديه، وقال بيان أوكرانى: إن الأمير محمد بن سلمان وزيلينسكى ناقشا الوساطة للمملكة العربية السعودية فى إطلاق سراح السجناء وإعادة الأطفال، وتبادلا وجهات النظر حول صيغ الضمانات الأمنية وما ينبغى أن تكون عليه بالنسبة إلى أوكرانيا حتى لا تندلع الحرب مرة أخرى. يشار إلى أن محادثات جدة جاءت عقب 3 أسابيع من محادثات أمريكية - روسية هى الأولى من نوعها منذ بدء الحرب فى أوكرانيا، والتى عُقدت فى محافظة الدرعية، وشارك فيها وفدان رفيعا المستوى من واشنطنوموسكو، أثمرت اتفاق الجانبين على عدد من الأمور شملت تشكيل فرق رفيعة المستوى للتفاوض على إنهاء الحرب فى أوكرانيا والعمل على إعادة فتح القنوات الدبلوماسية بين واشنطنوموسكو. وسبق لمدينة جدة أن استضافت مباحثات دولية حول أوكرانيا فى أغسطس 2023، تضمنت اجتماعا لمستشارى الأمن الوطنى وممثلين لأكثر من أربعين دولة ومنظمة دولية، بما فى ذلك الأممالمتحدة، برئاسة مساعد العيبان مستشار الأمن الوطنى السعودى، بشأن الأزمة الأوكرانية، واتفق المشاركون فى ذلك الاجتماع على مواصلة التشاور الدولى وتبادل الآراء بما يسهم فى بناء أرضية مشتركة تمهد الطريق للسلام، وثمّنت كييف استضافة السعودية هذا الاجتماع. وقبل الزيارة الأخيرة زار الرئيس الأوكرانى السعودية 3 مرات منذ اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية فى فبراير 2022، والتقى خلالها الأمير محمد بن سلمان ولى العهد رئيس مجلس الوزراء السعودى، الذى أكّد بدوره حرص بلاده ودعمها جميع المساعى والجهود الدولية الرامية لحل الأزمة، وبحث السبل الكفيلة لتخفيف الآثار الإنسانية الناجمة عنها، فيما أعرب زيلينسكى عن تقديره الجهود التى تبذلها السعودية فى هذا الصدد، لتأتى زيارة الاثنين الماضى، لتكون الزيارة الرابعة للرئيس الأوكرانى إلى السعودية منذ بدء الحرب. وفى أول اجتماع رفيع المستوى بين الولاياتالمتحدةوأوكرانيا منذ المشادة الكلامية الحادة فى البيت الأبيض بين الرئيسين ترامب وزيلينسكى، وافق الأمريكيون على استئناف المساعدات العسكرية وتعهد الجانبان توقيع اتفاق المعادن فى أقرب وقت ممكن، بحسب بيان مشترك. وفرضت الولاياتالمتحدة قرارها على أطراف الحرب فى أوكرانيا وتحول لقاء كان يفترض أن يكون مرحلة جس نبض، إلى ما يشبه مشروع هدنة تبدو الأطراف المعنية به أمام خيار المشاركة والموافقة عليه ضمن صيغة تلوح معدة سلفا من قبل واشنطن. ومهد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للاجتماع بلقاء شديد الوطأة على الأوكرانيين، عندما ضغط عليهم خلال اللقاء فى البيت الأبيض وجعل المقبول الوحيد هو هدنة أولية تعقبها ترتيبات حاسمة وفقا لصيغة أمريكية لا تقبل التصعيد، بل تحصر الموقف فى خطوات تبدو كما لو أنه تم الاتفاق عليها ولا مجال لمراجعتها.
وقالت الولاياتالمتحدةوأوكرانيا الثلاثاء فى بيان مشترك إن كييف وافقت على اقتراح أمريكى يقضى بوقف فورى لإطلاق النار لمدة 30 يوما واتخاذ خطوات نحو استعادة السلام. كما أورد البيان أن الجانبين اتفقا خلال اجتماعهما فى السعودية على إبرام اتفاق شامل فى أقرب وقت ممكن لتطوير الموارد المعدنية الحيوية فى أوكرانيا. وأظهرت المشادة الكلامية مع ترامب، والتى غادر على إثرها الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى البيت الأبيض، أن إدارة ترامب تنظر إلى الصراع بمنظار مغاير لما يريده الرئيس الأوكراني؛ ما يريده زيلينسكى هو أن تستمر الولاياتالمتحدة فى ضخ الأموال والسلاح لصالحه من أجل الاستمرار فى حرب لا أفق لها. لكن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لا يريد الاستمرار فى ضخ الأموال فى حرب خاسرة، ويبذل كل ما فى وسعه لتقليص التزام الولاياتالمتحدة بتقديم المساعدات عالميا وحتى داخليا. وبات زيلينسكى على دراية بأن الحرب دون الولاياتالمتحدة لا أفق لها، وأن حماس الأوروبيين ليس ضمانة للاستمرار فى حرب مكلفة ماليا وبشريا. وتأمل كييف أن يؤدى عرض الهدنة الجزئية إلى إقناع واشنطن باستئناف مساعداتها العسكرية لها وتبادل المعلومات الاستخباراتية والوصول إلى صور الأقمار الصناعية، والتى أوقفتها واشنطن بعد المشادة بين ترامب وزيلينسكى. ويحاول الأوكرانيون أن ينقلوا الضغط على الروس، والتشكيك فى مدة التزامهم بالهدنة المؤقتة لإحراجهم أمام ترامب. وفى أول رد روسى على موافقة أوكرانيا على المقترح الأمريكى قال رئيس لجنة الشئون الدولية فى مجلس الاتحاد الروسى، المجلس الأعلى فى البرلمان الروسى، الأربعاء، إن أى اتفاق سيكون بشروط موسكو وليس واشنطن، فيما أفادت المتحدثة باسم الخارجية الروسية بأن أخبارنا الرئيسية بشأن أوكرانيا ستأتى من موسكو وليس من واشنطن أو كييف. وكتب قسطنطين كوساتشيف، رئيس لجنة الشئون الدولية فى مجلس الاتحاد الروسى، المجلس الأعلى فى البرلمان أن أى اتفاقات، مع التفهم الكامل لضرورة التنازل، ستكون بشروطنا وليس بالشروط الأمريكية. وهذا ليس تفاخرا، ولكن لإدراك أن الاتفاقات الحقيقية لا تزال قيد الإعداد وعليهم فى واشنطن أن يفهموا ذلك أيضا. فى الوقت الذى دعا فيه الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى الإدارة الأمريكية إلى إقناع روسيا بالمقترح الأمريكى لوقف إطلاق النار لمدة 30 يوما، وأضاف زيلينسكى فى كلمته اليومية عبر وسائل التواصل الاجتماعي: «يتعين على الولاياتالمتحدة إقناع روسيا بالقيام بذلك، مردفا أن أوكرانيا تنظر إلى اقتراح الهدنة بشكل إيجابى». بدوره، قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، تعليقا على اتفاق وقف إطلاق النار عقب اجتماع الوفدين الأمريكى والأوكرانى فى السعودية إن الفرق كبير فى محادثات جدة مقارنة بزيارة الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى الأخيرة. وأعلن ترامب أنه سيتحدث على الأرجح مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين هذا الأسبوع بعدما أيدت أوكرانيا مقترحا أمريكيا لوقف إطلاق النار وإجراء محادثات مع روسيا لإنهاء الحرب.