أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلًا جديدًا سلط من خلاله الضوء على العمل الحر، فى إطار سلسلة من التحليلات والتقارير التى أصدرها حول هذا الموضوع خلال الفترة الأخيرة، حيث أشار إلى أن سوق العمل التقليدية قد شهدت تحولًا كبيرًا على مستوى العالم، ودفعت عوامل مثل: الضغوط الاقتصادية المتزايدة، والرغبة فى تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة، والاتجاه نحو العمل عن بُعد، العديد من العمال إلى البحث عن فرص عمل أكثر مرونة؛ ونتيجة لذلك أصبح العمل الحر جزءًا أساسيًّا من القوى العاملة العالمية، وينمو بمعدل غير مسبوق. كما أنه يوفر العديد من المزايا ومن أهمها الاستقلالية، وهو ما يرجح اختيار العمال والشركات العمل الحر كحل بديل للعمل التقليدى. وأوضح التحليل أن اقتصاد العمل الحر يركز على مشاركة القوى العاملة وتوليد الدخل من قبل العمالة المستقلة المعروفين أيضًا باسم العاملين لحسابهم الخاص، وهو نموذج من نماذج اقتصاد المشاركة، ويرتبط أيضًا باقتصاد العمل المؤقت «Gig economy»؛ لكن غالبًا ما تكون مشاركات العمل الحر أطول أو أعمق من الوظائف المؤقتة. وعلى الرغم من تداخل مصطلحى «البدو الرقمي» «Digital nomad» و«العامل المستقل» «freelancer» فى بعض الأحيان؛ حيث يوفر كل منهما المرونة والتوازن بين الحياة والعمل على عكس الوظائف التقليدية، فإن هناك اختلافات رئيسية بينهما، وذلك على النحو التالى: - اختلافات فى استقلالية الموقع: فالبدو الرقمى يتميز باستقلال الموقع، ويمكنه العمل من أى مكان مع اتصال إنترنت جيد، وغالبًا ما يسافر كثيرًا ويتبنى أسلوب حياة بدويًّا. فى حين أن العامل المستقل يمكنه العمل عن بُعد، ولكن قد يكون موقعه أقل مرونة؛ إذ قد يعمل العاملون لحسابهم الخاص من مكتب منزلى، أو من مساحة عمل مشتركة، أو من مقهى، لكن موقعهم يظل ثابتًا نسبيًّا. - اختلافات فى مصادر الدخل: يمكن أن يأتى دخل البدو الرقميين من مصادر مختلفة، أما العامل المستقل فيكسب الدخل بشكل أساسى من خلال العمل فى مشروعات محددة لعملاء مختلفين. - اختلافات فى المهارات: غالبًا ما تكون مهارات البدو الرقمى مجموعة من المهارات المتنوعة، وتشمل مجالات مثل: الكتابة، والتسويق، وتطوير الويب، والتصميم الجرافيكى، أو المساعدة الافتراضية. أما العامل المستقل فيمتلك مهارات معينة بناءً على تخصصه فى مجال محدد، وغالبًا ما يركز المستقلون على صقل خبرتهم فى مجال معين لجذب العملاء ذوى الأجور المرتفعة. - اختلافات فى أسلوب الحياة: يتبنى البدو الرقمى أسلوب حياة متنقلًا ومغامرًا فى كثير من الأحيان، ويعطى الأولوية للسفر والتجارب الثقافية، فى حين يحرص العامل المستقل على أن يوازن بين العمل والحياة بأسلوب تقليدى، مع الحفاظ على روتين أكثر انتظامًا. ووجدت دراسة أجرتها شركة MBO Partners فى عام 2023، أن 65 ٪ من البدو الرقميين يحددون السفر كدافع أساسى لاختيار أسلوب حياتهم. وهذا يسلط الضوء على التباين الواضح بين البدو الرقميين الذين يحركهم شغف الترحال والعاملين المستقلين الذين يميلون أكثر نحو الروتين. وسلط مركز المعلومات الضوء على التقرير الصادر عن البنك الدولى فى سبتمبر عام 2023 بعنوان «عمل بلا حدود: وعود وأخطار العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت»، والذى يشير إلى أن الطلب على العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت ينمو بسرعة؛ إذ يشكل ما يقرب من 12% من حجم سوق العمل العالمية. ويعكس هذا التطور تحولات واسعة فى ثقافة العمل والتقدم التكنولوجى والاتجاهات الاقتصادية. وذكر التحليل أنه على الرغم من هيمنة البلدان المتقدمة حاليًّا على الطلب على العمالة المؤقتة عبر الإنترنت، فإن زيادة الطلب عليهم فى البلدان النامية ينمو بمعدل أسرع بكثير، فعلى سبيل المثال، فى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ازدادت الإعلانات عن الوظائف على أكبر منصة رقمية بنسبة 130 % فى الفترة من (2016 - 2020)، بينما بلغ معدل النمو فى أمريكا الشمالية 14 % فقط. وتناول مركز المعلومات فى تحليله ما أظهره استطلاع الرأى الذى أجراه البنك الدولى على أكثر من 20 ألف شركة من خلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى والبريد الإلكترونى باستخدام قواعد بيانات الشركات، والذى أشار إلى أن ما يقرب من 60 % من الشركات فى البلدان ذات الدخل المتوسط المنخفض أو الدخل المنخفض تؤكد أن حصة العمال المؤقتين زادت بمرور الوقت، فى حين أن نسبة الشركات فى البلدان ذات الدخل المتوسط المرتفع أو الدخل المرتفع التى استعانت بهم من الخارج أقل من 50 %. كما وجد تقرير البنك الدولى أن هناك 545 منصة عمل مؤقتة عبر الإنترنت فى 186 دولة حول العالم، ومن الجدير بالذكر أن نحو 75 % من هذه المنصات تكون على المستوى الإقليمى أو المحلى، وكشفت البيانات أن العمالة المؤقتة للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل تمثل مجتمعة 40 % من الموجودين على منصات العمل المؤقت. واستعرض التحليل المواقع الأكثر شهرة للعمل على الإنترنت وهى: Fiver - Freelancer - Upwork، وهناك مواقع أكثر تميزًا مخصصة للمهنيين ذوى المهارات العالية، مثل: Toptal ،.Catalant Technologies وجدير بالذكر أن معظم العمالة المؤقتة عبر الإنترنت من فئة الشباب الذين يسعون إلى كسب الدخل، أو تعلم مهارات جديدة؛ نظرًا للمرونة التى يوفرها العمل المؤقت والتى تسمح لهم بالجمع بين العمل والدراسة، كما ركز التقرير بشكل خاص على مشاركة النساء فى سوق العمل المؤقت التى تُعَد أكبر من مشاركتهن فى سوق العمل التقليدى. كما حذر التقرير من المخاطر المحتملة لاقتصاد العمل الحر على البلدان ذات الدخل المنخفض؛ حيث يعمل أغلب الناس خارج نطاق لوائح العمل ويفتقرون إلى الوصول إلى التأمين الاجتماعى والمزايا. ولا تزال هناك فجوة كبيرة فى الأجور؛ حيث تكسب النساء 68 % فقط من أجور الرجال على المنصات عبر الإنترنت. وعلى الرغم من أن العمل الحر له العديد من المزايا، مثل: أن تكون رئيسًا لنفسك، وأن تعمل بشروطك الخاصة، وأن تحدد ساعات عملك بنفسك، فإن هناك تحديات قد تواجهك مثل أنه إذا كان لديك عميل لم يدفع لك فى الموعد المحدد، فسوف تحتاج إلى البدء فى اتخاذ خطوات للتأكد من قيامه بالدفع، وبحسب التقارير، يقول 54 % من العاملين فى اقتصاد العمل المؤقت إن الأمر يستغرق وقتًا طويلًا حتى يحصلوا على أجورهم، بينما يقول 44 % من العاملين المستقلين إنهم واجهوا تحدى عدم الحصول على أجر من العملاء. وقد استعرض التحليل أهم الأرقام التى يتناولها اقتصاد العمل الحر وهى: - 1.5 تريليون دولار: هى قيمة سوق العمل الحر المقدرة عالميًّا بمعدل نمو سنوى مركب (CAGR) بلغ 15 %. - شهد ما يقرب من 30 % من العاملين المستقلين انخفاضًا فى عدد المشروعات عام 2023، مقارنة بعام 2022؛ مما يعكس التأثير الواسع للتباطؤ الاقتصادى وتقلبات السوق، بينما ارتفع الطلب على العاملين المستقلين ذوى الخبرة فى مجال الذكاء الاصطناعى بنسبة 56 %؛ مما يشير إلى ارتفاع حاد فى متطلبات المهارات المتخصصة. - 27 % نسبة زيادة المشاركات المستقلة عبر الحدود خلال عام 2023؛ مما يشير إلى ارتفاع كبير فى النطاق العالمى للعاملين المستقلين. - 40 % من العاملين المستقلين على مستوى العالم تتراوح أعمارهم بين 25 و34 عامًا خلال عام 2023. - 48 % نسبة مشاركة النساء من القوى العاملة المستقلة العالمية خلال عام 2023؛ وهو ما يظهر تكافؤًا -تقريبًا- فى توزيع الجنسين فى العمل المستقل فى عام 2023. - أكثر من 35 % من العمالة المستقلة مقيمون فى آسيا؛ مما يعكس الأهمية المتزايدة للمنطقة فى سوق العمل المستقل العالمية. - 50 % نسبة قطاعات تكنولوجيا المعلومات والتسويق الرقمى فى جميع المشاركات المستقلة فى عام 2023. - بلغ متوسط الدخل السنوى للعمالة المستقلة على مستوى العالم نحو 41 ألف دولار فى عام 2023، وأفاد العاملون المستقلون الذين يتمتعون بخبرة فى مجال الذكاء الاصطناعى والتعلم الآلى أن متوسط الأرباح بلغ نحو 88 ألف دولار فى عام 2023، وهو أعلى بكثير من المتوسط العام، فيما أعرب العاملون المستقلون فى المجالات الإبداعية مثل: التصميم الجرافيكى، وكتابة المحتوى، عن متوسط أرباح بلغ نحو 37 ألف دولار فى عام 2023، فى حين قال المتخصصون فى التسويق الرقمى وتحسين محركات البحث فى قطاع العمل المستقل إن متوسط الأرباح السنوى بلغ نحو 52 ألف دولار فى عام 2023. وقد أبرز التحليل أهم التخصصات الجديدة والمطلوبة التى تشكل مشهد العمل الحر، وهى: - مجال الذكاء الاصطناعى والتعلم الآلى: شهد الطلب على العمالة المستقلة زيادة بنسبة 45 % فى عام 2023؛ مما يسلط الضوء على التوسع السريع لصناعة التكنولوجيا فى هذه المجالات. - قطاع الرعاية الصحية عن بُعد: شهد القطاع زيادة بنسبة 40 % فى المشاركات المستقلة فى عام 2023، مدفوعًا بالتغييرات المستمرة فى تقديم الرعاية الصحية. - استشارات الأمن السيبرانى: ارتفع الطلب على العمالة المستقلة المتخصصين فى الأمن السيبرانى بنسبة 50 % فى عام 2023؛ مما يعكس المخاوف المتزايدة بشأن الأمن الرقمي. وأوضح التحليل أن التكنولوجيا، وخاصة ظهور الذكاء الاصطناعى وأدوات التعاون الرقمى، قد أثرت بشكل كبير على اقتصاد العمل الحر؛ وذلك من خلال: - 70 % من العمالة المستقلة من المتوقع أن تستخدم الذكاء الاصطناعى للقيام بالمهام الإدارية فى عام 2025 مقارنة بنحو 50 % فى عام 2023. - من المتوقع أن يتضاعف عدد العاملين المستقلين باستخدام الذكاء الاصطناعى لجهود التسويق الشخصية بحلول عام 2025، مقارنة بنحو 30 % عام 2023. - من المتوقع أن تكون أدوات الذكاء الاصطناعى المتقدمة جزءًا لا يتجزأ من العملية الإبداعية لأكثر من 80% من العاملين المستقلين فى التصميم وإنشاء المحتوى بحلول عام 2028. - نحو 60 % من العمالة المستقلة ستستخدم منصات تعتمد على الذكاء الاصطناعى لتطوير المهارات بحلول عام 2025، مقارنة ب 35 % فى عام 2023. - يتوقع أن يُقدَّر حجم سوق منصات العمل الحر بنحو 9,57 مليار دولار بحلول نهاية عام 2030، مقارنة بنحو 3.39 ملياردولار خلال عام 2023. أشار التحليل إلى أن تصنيف أفضل البلدان لتوظيف العاملين المستقلين الصادر عن مجلة Ceoworld»» خلال عام 2024، يُحدِّد المزايا التى تقدمها أفضل 30 دولة حول العالم تجعلها وجهة مثالية للحصول على مواهب مستقلة عالية الجودة، من خلال السياسات الداعمة وطرق الدفع السهلة. وتُعَد كل من الولاياتالمتحدةالأمريكيةوالهند من بين أفضل الوجهات للعاملين المستقلين؛ حيث توفر أسواقهما الكبيرة والمتنوعة فرصًا واسعة عبر مختلف الصناعات، تليهما المملكة المتحدة والفلبين وأوكرانيا. هذا، وتتمتع الولاياتالمتحدةالأمريكية بمجموعة واسعة من العمالة المستقلة المهرة عبر مختلف الصناعات؛ حيث يقوم أكثر من ثلث القوى العاملة فى الولاياتالمتحدةالأمريكية بأعمال مستقلة. وعلى الجانب الآخر، تتمتع الهند بمجموعة كبيرة من المواهب، وهى معروفة بأسعارها التنافسية؛ إذ إنها واحدة من أسرع دول العمل المستقل نموًّا ولديها نحو 15 مليون عامل مستقل يعملون مع أصحاب أعمال من الأمريكتين وأوروبا وأستراليا وآسيا. وأوضح التحليل فى ختامه إنه من المتوقع أن يزداد نمو العمل الحر مع استمرار تطوير أدوات الذكاء الاصطناعى والمنصات الرقمية؛ وهو ما سيُسهم فى إعادة تعريف كيفية عمل العمالة المستقلة وازدهار سوقها، وسيعكس هذا التطور اتجاهًا واسعًا نحو قوى عاملة أكثر مرونة وتنوعًا وتكاملًا من الناحية التكنولوجية.