شهد عام 2023 نشاطًا إفتائيًا ملحوظًا لدار الإفتاء المصرية، وإطلاق عدد من المبادرات المهمة التى تؤكد ريادة الإفتاء المصرية عالميًا وإقليميًّا، فعلى جانب الفتوى أكد الدكتور شوقى علام - مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم - أن العام 2023 قد شهد زيادة ملحوظة فى عدد الفتاوى التى استقبلتها الدار عبر روافدها المختلفة وقامت بالرد عليها، حيث بلغ إجمالى الفتاوى التى أصدرتها الدار ما يزيد على (1.607.246) فتوى ما بين فتاوى شفوية وهاتفية ومكتوبة وإلكترونية وردت لمقرها الرئيسى أو الفروع المنتشرة حول الجمهورية، وعبر تطبيق الدار والبث المباشر وصفحات التواصل الاجتماعى فى موضوعات مختلفة. وأضاف المفتى إن فتاوى العلاقات الزوجية والأسرية والطلاق والأحوال الشخصية قد احتلَّت رأس قائمة الفتاوى التى استقبلتها الدار خلال العام، تليها العبادات والمعاملات، حيث بلغت نسبة فتاوى الأسرة %65 من إجمالى الفتاوى، وهو ما حدا بدار الإفتاء أن تولى اهتمامًا كبيرًا بالأسرة المصرية وحمايتها والعمل على استقرارها ومواجهة جميع الظواهر التى من شأنها أن تعكِّر صفو الأسرة وتزعزع أركانها فخرجت فتاوى الدار محققة لاستقرار الأسرة ووضع البرامج العملية والتدريبية لحمايتها وتقوية أواصر الترابط داخل الأسرة المصرية من خلال إدارة الإرشاد الزواجى بالدار. وأشار إلى أن الدار كانت حريصة خلال العام 2023 على تعزيز التواصل المباشر مع الجمهور وذلك من خلال عقد المجالس الإفتائية، حيث عقدت الدار ما يزيد على 1000 مجلس إفتائى فى مختلف محافظات الجمهورية ومساجدها، فضلًا عن عشرات القوافل الإفتائية إلى سيناء، بالإضافة إلى عشرات المحاضرات فى عدد من الجامعات المصرية، إيمانًا بأهمية التواصل المباشر مع الشباب من أجل بناء الوعى وتصحيح المفاهيم. إدارة نبض الشارع واستجابة للمستجدات وحتى تكون دار الإفتاء أكثر الْتصاقًا بالواقع وقضايا المجتمع لَفَتَ مفتى الجمهورية إلى أنَّ دار الإفتاء استحدثت خلال العام 2023 إدارة جديدة باسم «نبض الشارع» تختص برصد وتحليل ما يشغل المجتمع فى مصر وخارجها من قضايا ومسائل تحتاج إلى بيان الرأى الشرعى فيها وفق خطاب إفتائى قائم على منهجية علمية منضبطة وإدراك للواقع بشكل كامل من أجل بناء الوعى وإرشاد الناس. كما عززت الدار خلال العام 2023 من تواصلها الدينى والإفتائى مع الخارج تنفيذًا لخطتها الاستراتيجية التى أعلنت عنها من قبلُ وقيامًا بدورها الريادى الإفتائى، حيث قام فضيلة المفتى وعلماء الدار بالعديد من الجولات والزيارات الخارجية، حيث ألقى فضيلة المفتى كلمة فى جلسة الأممالمتحدة بجنيف، وقام بزيارة تاريخية إلى الهند الْتقى فيها كبار المسئولين والشخصيات التنفيذية والدينية هناك، وزيارة إلى العاصمة الروسية موسكو، وصربيا وأوزبكستان، والمغرب والجزائر وغيرها من البلدان لمد جسور التواصل والحوار وتعزيز التعاون الإفتائى. مبادرات لحماية الأسرة ونتيجة استمرار ارتفاع نسب الطلاق التى تهدد استقرار مجتمعنا، أعلنت دار الافتاء المصرية فى عام 2023، عن ثلاث مبادرات لحماية الأسرة شملت دليلًا للأسرة، وبرنامجًا للتعافى من الخيانة الزوجية، وبرنامجًا إذاعيًا للأسرة. المبادرة الأولى كانت دليل الأسرة الذى أصدرته دار الإفتاء المصرية بالتعاون مع وزارة العدل، التى أصبحت بحكم تعاملها المباشر من خلال إجابتها على العديد من فتاوى الطلاق بيتًا للخبرة فى معالجة قضايا الأسرة، حيث تتلقى شهريًا وفق آخر إحصاء أعلنه فضيلة المفتى - ما يقرب من 5000 فتوى طلاق، وتتعامل معها بصورة تقلل من نسب الطلاق حيث يقع منها واحد فى الألف. الدليل تم توزيعه على المأذونين الشرعيين على مستوى الجمهورية لإهدائه إلى الأزواج عند عَقْدِ القران، حيث يستهدف تقديم رؤية إرشادية للمساهمة فى تأسيس أسرة مصرية متماسكة وأكثر استقرارًا، بجانب معالجة الخلافات داخل الأسرة، ومن ثَمَّ الحد من انتشار نِسَب الطلاق فى المجتمع وذلك بمعالجة أسباب هذه الظاهرة وآثارها السلبية، وإيراد جملة من النصائح والإرشادات التى تصلح أن تكون أساسًا متينًا لبناء علاقة قوية متماسكة بين كلا الزوجين، وذلك من خلال بناء الوعى اللازم للشباب المقبل على الزواج من خلال توزيع الأدوار فى الأسرة على وجه التكامل والانسجام، بما يحفظ للأسرة استقرارها، ويحصنها من الوقوع فى الأزمات والمشكلات، وتقديم الدعم المعرفى والمهنى للعمل على نجاح الأسر فى تحقيق أهدافها نحو السعادة والرفاهية، وتحصين بيت الزوجية ووقايته من التعرض للعواصف والمخاطر التى قد تهدد استقراره؛ وذلك بتقديم إجراءات عملية لمواجهة المشكلات وحلها. والدليل عبارة عن الكتالوج الموضح للأطر والنظم التى إذا التزمت بها الأسرة فى مسيرة حياتها، عاشت فى رحاب الأمن والاستقرار والرفاهية؛ حيث إنه يقدم تصورًا واضحًا لطبيعة الأسرة وما يستلزم لبنائها بناءً سليمًا؛ فيُقدِّم للأُسر مجموعة من النصائح والإرشادات والإجراءات العملية التى تساعد كلًّا من الزوجين فى بناء وعيٍ صحيح، يتضمن توزيع الأدوار فيها على وجهٍ من التكامل والانسجام، بما يحفظ البناء والاستقرار، ويوضِّح الحقوق والواجبات، ويجسد معانى المودة والرحمة. المبادرة الثانية والتى أطلقتها الإفتاء خلال 2023 لحماية الكيان الأسرة هى «برنامج التعافى من الخيانة الزوجية» بمشاركة بعض المعنيين والمهتمين بالمشاكل الأسرية والراغبين فى التثقيف الزواجى والأسري، والتى حاضر فيها كوكبة من المتخصصين فى المجال النفسي. ويُعد البرنامج امتدادًا لجلسات الدعم الزواجى للأسرة المصرية وهو أحد برامج مركز الإرشاد الزواجى بدار الإفتاء المصرية التى افتتحها فضيلة المفتى الفترة الماضية. أما المبادرة الثالثة التى أطلقتها دار الإفتاء المصرية فهى برنامج إذاعى عبر أثير إذاعة راديو مصر؛ لتحقيق التواصل اليومى مع جميع البيوت المصرية، ويأتى فى سياق عناية الدار بتنمية الأسرة ورفع الوعى بأهمية الاستقرار الأسرى وحلِّ المشكلات بين أفراد الأسرة الواحدة، وخاصة مشكلة الطلاق، وكذلك توعية الشباب غير المتزوج ومساعدتهم على الاختيارات المناسبة وكيفية الارتباط للزواج وإقامة أسرة ناجحة. أول امرأة بأمانة الفتوى دار الإفتاء شهدت خلال العام المنصرم وبالتحديد فى مارس 2023 تعيين أول امرأة كعضو فى الأمانة العامة بالإفتاء، وكان لافتًا لكثير من المتابعين لمجال الفتوى تكريم د. شوقى علام مفتى الجمهورية للباحثة «زينب محمد» كأول عضوة فى لجنة أمانة الفتوى وأول سيدة تتولى هذا المنصب الرفيع، عقب اجتيازها فترة تدريب بالإفتاء ليتم تعيينها كأول عضوة بأمانة الفتوى بعد أن أثبتت جدارتها. وكان مفتى الجمهورية د. شوقى علام قام بتكريم الباحثة الشرعية زينب محمد، واختيارها كأول عضوة فى لجنة أمانة الفتوى، وأول سيدة تتولى هذا المنصب الرفيع فى دار الإفتاء المصرية، حيث جاء التكريم، وفق بيان الافتاء، تأكيدًا على أهمية دور المرأة والعمل على تمكينها ومنحها الفرص وفقًا لكفاءتها. مؤتمر الفتوى وكان من أبرز نشاطات دار الإفتاء فى عام 2023 مؤتمرها السنوى الذى عقدته الأمانة العامة لدور الإفتاء بعنوان «الفتوى وتحدِّيات الألفية الثالثة» والذى تم من خلاله إطلاق عدد من المبادرات المهمة والمخرجات المتميزة أولها إطلاق (IFatwa) أول منصة رقمية لعلوم الفتوى، إعلامية وتحليلية وبحثية، تتعلق بالفتوى وتمثِّل بوصلة تحدد المعايير الصحيحة التى تحكم مجال «صنعة» الإفتاء. وكذلك إعلان أول ميثاق شرف لدور الفتوى فى مواجهة تحديات الألفية الثالثة، والإعلان عن منتدى العلماء المختصين بقضايا فقه المجتمعات المسلمة التى تعيش كأقليات.
مؤتمر الفتوى 2023 واكب أحداث فلسطين والعدوان على غزة فكان بمثابة أول انتفاضة إسلامية عالمية ضد العدوان الإسرائيلى على غزة، وأعلن فى توصياته أصالةَ القضية الفلسطينية والأقصى الشريف وتَرسُّخها فى وجدان الأمة الإسلامية شعوبًا وحُكامًا، وأن قضية فلسطين كانت -ولا تزال- حيةً تلتفُّ حولها قلوب الأمة العربية والإسلامية جميعها، ولا تموت بالتقادم، بل تظل حيةً حتى يأذن الله تعالى ويعود الحق إلى أصحابه ويندحر العدوان الغاشم إلى الأبد. وشدد على أَنَّ مَا يَحدُثُ مِنْ عُدوانٍ على الشَّعْبِ الفِلَسْطِينيِّ الحُرِّ أَمرٌ يَتَعَارَضُ مَعَ جَميعِ الأديانِ وَالضَّمِيرِ الإنسانِيِّ وَالقانونِ الدَّوْلِيِّ وكُلِّ الأعرافِ والتقاليدِ الإنسانيةِ؛ لأنَّ ما يحدثُ بوضوحٍ هو تَطهِيرٌ عِرْقِيٌّ مُمَنْهَجٌ وَقَضَاءٌ نِهَائِيٌّ مُبْرَمٌ على الحقِّ الفِلسطينيِّ وَإِمَاتَةٌ تَامَّةٌ لِلقضيةِ الأُمِّ وَهِيَ قضيةُ الأقصَى المُبَارَكِ.
