جامعة المنوفية تتقدم في تصنيف CWUR لعام 2024    توريد 225 ألف طن منذ بدء القمح في المنيا    فودة يتفقد تطوير وتوسعة طريق كمين وادى فيران / كاترين    انطلاق القمة العربية في البحرين بمشاركة الرئيس السيسي    السعودية تعرب عن إدانتها لمحاولة اغتيال رئيس وزراء سلوفاكيا    أول رد من فيرنانديز على مزاملة رونالدو في النصر    بحجة تأديبهن.. التحقيق مع المتهمة بالتعدي على شقيقاتها بعين شمس    التحضيرات لعيد الأضحى 2024: مواعيد الإجازة ووقفة عرفات في مصر    "دار وسلامة".. قافلة طبية للكشف على المواطنين بقرية أولاد يحيى في سوهاج    «المشاط» تناقش مع «الأوروبي لإعادة الإعمار» آفاق الاستثمار الخاص ضمن برنامج «نُوَفّي»    تداول 10 آلاف طن و585 شاحنة بضائع بموانئ البحر الأحمر    «التربية والتعليم» تنظم فعاليات مسابقة المعلمة الفعالة    أمير عيد يؤجل انتحاره لإنقاذ جاره في «دواعي السفر»    الرئيس الصيني: موسكو وبكين تدعوان إلى «حل سياسي» في أوكرانيا    نقابة العاملين الأكاديميين بجامعة كاليفورنيا تجيز إضرابا ردا على قمع احتجاجات غزة    الرئيس الأوكراني يتوجه إلى جبهة "خاركيف" في ظل احتدام المعارك شمالي المنطقة مع القوات الروسية    قمة البحرين.. قائمة الزعماء العرب الحاضرون والغائبون    التعليم تنظم فعالية "دور معلمة رياض الأطفال في رفع وعي طفل"    هالاند يتصدر إعلان قميص مانشستر سيتي لموسم 2025    الدوري السعودي يستخدم "الغردقة" لجذب محمد صلاح.. ما التفاصيل؟    تراجع دور بيلينجهام في ريال مدريد بسبب مبابي    شوبير السبب.. كواليس إيقاف الحكم محمود عاشور من إدارة مباريات الدوري المصري    البحرية المصرية والبريطانية تنفذان التدريب البحري المشترك "مدافع الإسكندرية"    «الإسكان» تعتمد تخطيط أرض مشروع شركة مشارق للاستثمار العقارى بالقاهرة الجديدة    قرار قضائي جديد بشأن سائق أوبر المتهم بالاعتداء على سيدة التجمع    خلال 24 ساعة.. رفع 39 سيارة ودراجة نارية متهالكة من الميادين    وفاه الشيخ السيد الصواف قارئ الإذاعة المصرية.. وأسرة الراحل: الدفن والعزاء بمسقط رأسه    "العربة" عرض مسرحي لفرقة القنطرة شرق بالإسماعيلية    رئيس جامعة المنيا يبحث مع الجانب الإيطالي تطوير معامل ترميم الآثار بالجامعة لخدمة الباحثين    لهذا السبب.. ياسمين عبد العزيز تتصدر تريند "جوجل"    ممنوع الرضع.. تعرف على شروط دخول حفل شيرين عبد الوهاب في دبي    بدء التعاقد على الوصلات المنزلية لمشروع صرف صحي «الكولا» بسوهاج    محافظ أسيوط يستقبل مساعد وزير الصحة للمشروعات ويتفقدان مستشفى بني محمديات بمركز أبنوب    «الصحة» تقدم 5 إرشادات مهمة للوقاية من الإصابة بالعدوى خلال فترة الحج 2024    وزير الزراعة: صرف 139 مليون جنيه تمويلا جديدا للمشروع القومى للبتلو    وزير الخارجية اليمني: هجمات الحوثيين لم تضر سوى باليمن وشعبه وأشقائهم العرب    الأحد.. عمر الشناوي ضيف عمرو الليثي في "واحد من الناس"    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    «الداخلية»: ضبط 13 ألف قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    المشدد 6 سنوات لعامل ضبط بحوزته 72 لفافة هيروين في أسيوط    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العجوزة    "الرعاية الصحية": حل 100% من شكاوى المنتفعين لأول مرة    الولايات المتحدة.. تراجع الوفيات بجرعات المخدرات الزائدة لأول مرة منذ جائحة كورونا    محافظ أسيوط يستقبل مساعد وزير الصحة ويتفقدان مستشفى بني محمديات بأبنوب    مد فترة التقديم لوظائف القطار الكهربائي الخفيف.. اعرف آخر موعد    كولر يحاضر لاعبى الأهلي قبل خوض المران الأول فى تونس    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13166 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    صدام جديد مع ليفربول؟.. مفاجأة بشأن انضمام محمد صلاح لمعسكر منتخب مصر    يسرا رفيقة عادل إمام في مشوار الإبداع: بتباهى بالزعيم وسعيدة إني جزء من مسيرته    «الإفتاء» تحسم الجدل حول مشروعية المديح والابتهالات.. ماذا قالت؟    اليوم.. انطلاق الملتقى التوظيفي لزراعة عين شمس    حلم ليلة صيف.. بكرة هاييجي أحلى مهما كانت وحلة    توقعات الأبراج وحظك اليوم 16 مايو 2024: تحذيرات ل«الأسد» ومكاسب مالية ل«الحمل»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-5-2024    تنظيم 50 أمسية دينية في المساجد الكبرى بشمال سيناء    نجمة أراب أيدول برواس حسين تُعلن إصابتها بالسرطان    بوتين يصل إلى الصين في "زيارة دولة" تمتد ليومين    وزير الرياضة يطلب هذا الأمر من الجماهير بعد قرار العودة للمباريات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«سمر دويدار» مُؤسسة المبادرة ل«روزاليوسف»: «حكايات فلسطينية».. ذاكرة تقاوم النسيان وتُورث القضية للأجيال القادمة

كل حكايات الأجداد التى وصلتنا فقدت جُزءًا منها فى كل مرة تُليت فيها. لكننا هنا والآن وبأدوات عصرنا بإمكاننا التغلب على هذه العقبة وإنقاذ ذاكرتنا، بأن نتشارك لنجمع قطع البازل من حكايات كل الأجداد لنرسم صورة كبيرة لذاكرة تقاوم النسيان». هكذا تصف سمر دويدار رؤية مبادرة «حكايات فلسطينية» للأرشيف الرقمى للعائلات الفلسطينية.
«سمر دويدار» باحثة ومديرة مشروعات تنموية وثقافية، مؤسِسَة مبادرة «حكايات فلسطينية» للأرشيف العائلى، الذى بدأ منذ سبتمبر 2019 بعد اكتشافها لأكثر من 400 رسالة ووثيقة و600 صورة تخص جدها لأمها الفلسطينية ما بين الأعوام (1926 – 1966)، المبادرة التى تم تدشين موقعها رسميًا فى يونيو 2023، ليقدم متحفًا وطنيًا لأرشيفات الرسائل والصور والوثائق فى «ذاكرة تقاوم النسيان»، تؤرخ للوطن، وتورث القضية الفلسطينية للأجيال الجديدة منه، وتكون أداة فى النضال من خلال حفظ الذاكرة.
تحكى «دويدار» ل«روزاليوسف» فى مقابلة مُطولة عن رحلتها لتدشين هذا المشروع وأهمية التأريخ الشفهى والأرشيفات العائلية فى خدمة القضية وبقائها فى عقل الأجيال القادمة، والحفاظ على السردية الفلسطينية فى ظل محاولات الطمس والتعتيم وتزييف الحقائق من جانب الكيان المحتل، وكيف نصنع من ذكرياتنا الشخصية ذاكرة تقاوم النسيان.
فى البداية.. كيف جاءتك فكرة مشروعك «حكايات فلسطينية»؟
- المشروع أو الرحلة بدأت بسؤال عن الهوية وأسباب استمرار وجود فلسطين فى حياة أبناء الجيل الثالث من النكبة رغم عدم زيارتهم أو رؤيتهم لفلسطين؟ صحيح أصولى فلسطينية وأنا مصرية، ولكن طالما كانت فلسطين موجودة فى حياتى بشكل طبيعى بدون تفكير، ولم أفكر يومًا ماذا يُشكل الجانب الفلسطينى فى حياتى؟!
تتبعت فضولى للإجابة عن السؤال بمقابلة أكثر من 10 سيدات فلسطينيات يَعشِن فى ( مصر – تونسلبنانالأردن) تزوجن من غير فلسطينيين والحديث مع أبنائهن ناتج هذا الزواج المختلط وإلى أى مدى فلسطين موجودة فى حياتهم؟. بدأت بحثى على فرضية أن الأم هى مصدر الشعور بالانتماء وتنقله لأولادها بحكم وجودها فى حياتهم، ولكن مع البحث اكتشفت أن الفرضية مبنية على تجربة شخصية، لوجود أسباب أخرى منها المحيط الجغرافى، السياسيى والاجتماعى، ثم ذهبت بنتائج بحثى لتسجيله بمعهد دراسات اللاجئين بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ولكن فوجئت بطلب أستاذتى بكتابة قصتى go and write your story.
قصتك؟!
- نعم، لم أدرك أن انخراطى فى هذا البحث أجاب عن تساؤلاتى شخصيًا، ولم أكن أعلم أن بداية رحلتى لكتابة قصتى -كما نصحتنى أستاذتى- ستقودنى لأرشيف عائلتى وانطلاق «حكايات فلسطينية» فيما بعد، ذهبت أقرأ الروايات التاريخية، وانخرطت فى مناهج البحث التاريخى، وأصبح لدى هيكل للقصة وشخصياتها التى قابلتها من قبل فى البحث كخط رئيسى لروايتى، ولكن كان ينقصنى بناء الخلفية التاريخية والثقافية والاجتماعية للأحداث، وهذا لم يكن يحدث بدون معايشة معرفية وقراءات متنوعة فى التاريخ والاجتماع عن شكل حياة الفلسطينيين قبل النكبة ثقافيًا واجتماعيًا، مثل ماذا ترتدى النساء وماذا يزرعن فى المواسم المختلفة؟ بصراحة كانت هذه المصادر نادرة للغاية.
واستمرت رحلة البحث حتى ساعدتنى والدتى بخطاب بتاريخ 10 مايو 1948 قبل خمسة أيام من النكبة من ابن عمها لوالدها «على رشيد شعث» الذى انتقل هو وعائلته عام 1947 لمدينة الإسكندرية، وكان الخطاب زاخرًا بتفاصيل عديدة عن شكل الحياة قبل النزوح، وكان بوصلة آنذاك لمسار جديد يتشكل فى حياتى تجاه أرشيفى العائلى، ومن هذا الخطاب حصلت من والدتى على كنز مكون من 400 رسالة ووثيقة، مستند، برقية وألبوم يضم أكثر من 600 صورة، حافظت عليها أمى ونقلتها لى سبتمبر 2019، ودشنت أول معرض لخطابات جدى «رشيد شعث» وجدتى سميحة أحمد تنير فى ديسمبر 2019.
قبل الحديث عن حكايات فلسطينية.. ما الأرشيف العائلى؟
- هو المُسمى العلمى لذكرياتنا الشخصية والعائلية، أى ذكريات، لكنها موثقة مثل الخطابات القديمة – الصور – شهادات ميلاد – أوراق ثبوتية – وثيقة زواج – رسالة غرامية – مذكرات شخصية – الأرشيف العائلى هو مكون مادى يحكى تاريخ أو ذكريات أشخاص ما عاشوا فى مكان ما فى تاريخ ما. وكلنا نمتلك أرشيفاتنا العائلية، كما نمتلك ذكريات نقلها لنا أحد أفراد العائلة بالحكى فى أحد التجمعات العائلية. وتعود أهمية الحفاظ على هذه الذكريات بشكل عام لمساعدة الإنسان فى فهم نفسه أكثر ومعرفة من أين تأتى مميزاته ومشكلاته أيضًا.
إذن رسائل جدك هى نقطة الانطلاق لمبادرة «حكايات فلسطينية»؟
- نعم، بعدما تسلمت هذا الكنز من أرشيفنا العائلى شعرت بمسئولية كبيرة تجاهه وانقلبت حياتى وتمحورت حول هذه الرسائل، وبعد إقامة أول معرض لخطابات جدى بالقاهرة ديسمبر 2019، تحركت ببعض الخطابات التى ترجمتها للإنجليزية وأقمت لها معارض فى أمريكا ولندن وبعد عودتى فبراير 2020 العالم أغلق أبوابه تمامًا بسبب كورونا، وكانت فرصة جيدة للتفكير وبلورة هذا المشروع، شعرت أن ذلك الوقت المناسب ليجتمع شتات عائلتى الممتدة فى بلدان عديدة حول العالم من خلال هذه المنصة الإلكترونية تكون نواتها أرشيف عائلة «رشيد شعث»، وفرصة لتحفيز عائلات أخرى للبحث والتنقيب فى خزانتهم القديمة ومكتبتهم عن صناديق أخرى مليئة بالصور والذكريات القديمة من القدس، صفد، الخليل، يافا لنؤرشفها على « حكايات فلسطينية».
فمبادرة حكايات فلسطينية للأرشيف العائلى هدفها توثيق الحياة الشخصية والعائلية، الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لسكان فلسطين ما قبل عام 1967، بالتواصل مع الجيل الثالث من الفلسطينيين المقيمين داخل فلسطين وفى الشتات، للحفاظ على الذاكرة والرواية الشفهية الفلسطينية، من خلال بناء أرشيف رقمى تفاعلى ومنصة على الإنترنت، لتصبح المنصة بمثابة متحف تفاعلى للإنسان الفلسطينى، والأرشيف مصدر أولى للباحثين.
وكيف بدأت العمل لإطلاق المنصة ؟
- قرأت ما فى الصندوق رسالة رسالة، ووثيقة وثيقة، وعملت مع صديقات على تصنيفها وتوثيقها وتصويرها، وأرشفتها، شعرت بواجب تجاه الحفاظ على هذه الرسائل وإتاحتها لعائلتى والأجيال القادمة، نجحت حتى الآن فى أرشفة 250 وثيقة، ولا أعمل بمفردى، بل يُشاركنى فريق عمل متطوع مؤمن بالفكرة ويدعم المبادرة بكل حب. «حكايات فلسطينية» هى منصة إلكترونية تتيح لكل الفلسطينيين مشاركة ذكرياتهم الشخصية العائلية على الانترنت، ومن خلال هذا الأرشيف الإنسانى الشخصى للأسر الفلسطينية ندحض المقولة الخاطئة بأن فلسطين كانت أرضًا بلا شعب لشعب بلا أرض، بل على العكس من خلال الوثائق التى تركها جدى وتمت أرشفتها عثرت على شهادات تخرج فى المدرسة وقرارات ترقيته من وزارة المعارف الفلسطينية للدرجتين الثانية والثالثة، وتلك الأوراق التى تعكس شراءه لأسهم فى شركة كبريت الفلسطينية عام 1931، وغيرها من الوثائق والمستندات التى تثبت أن فلسطين كانت بها حياة كاملة وليس كما يدعى الجانب المحتل.
هل تحدثينا أكثر عن جدك؟
- جدى «على رشيد شعث» من مواليد غزة عام 1908، وأنهى دراسته الثانوية فى القدس عام 1925، وحصل لتفوقه على منحة للدراسة بالجامعة الأمريكية فى بيروت، ثم عاد لغزة وعمل بالتعليم لمدة 18 عامًا وتدرج من معلم ثم مدير لمدرسة عكا، ثم مديرًا لمدرسة صفد، ثم مديرًا لمدرسة الخليل، ثم مديرًا لمدرسة العامرية، والتى استقال من إدارتها عام 1947 احتجاجًا على فصل سلطات الاحتلال لبعض الطلاب ومعاقبة عدد من المعلمين نتيجة مشاركاتهم فى التظاهر ضد الاحتلال، وهو القرار الذى حاول «على» أن يمنعه، ولما فشل، قدم استقالته احتجاجًا عليه.
وسافر جدى وأسرته لمدينة الإسكندرية فى نفس عام استقالته، عندما عرض عليه رجل الأعمال الفلسطينى عبدالحميد شومان أن يقوم بتأسيس أول فرع للبنك العربى فى الإسكندرية، والذى أسسه شومان فى فلسطين عام 1930، حيث قام بتأسيس وإدارة أول فرع للبنك العربى خارج فلسطين، ومن هناك بدأ الفصل الثانى من حياته فى العمل المصرفى والذى استمر حتى وفاته فى سبتمبر من عام 1967 حزنًا على الهزيمة العربية فى حرب يونيو 1967.
وكيف بدا لك من رسائله؟
- صِرنا أصدقاء بعد قراءة رسائله، رغم أنىِ ولدت بعد عامين من وفاته، إلا أنه أصبح يجمعنا رابط من نوع خاص صنعته خطاباته الطويلة التى تتراوح من 2: 18 صفحة، كانت لديه قدرة مميزة فى الحكى، قارئ نهم جدًا، متذوق للفنون والأدب والموسيقى والسينما، كانت رسائله تحكى تاريخ فلسطين بشكل إنسانى بديع، طُفت مع جدى فى خطاباته ذات الأسلوب الأدبى الشيق فى المدن الفلسطينية المختلفة فى الثلاثينيات والأربعينيات قبل النكبة بالقدس، صفد، يافا والخليل، كان دائم السفر وقادرًا على توثيق أحداث يومه وتفاصيل حياته المختلفة، فسافرت معه الأردن، السعودية، إيطاليا، الولايات المتحدة أثناء عمله المصرفى ومصر وخاصة الإسكندرية التى دفن فيها. عشت مع جدى أفراحه وأحزانه خاصة انفطار قلبه على فلسطين بعد النكبة، من يقرأ خطابات جدى كان بالضرورة يقع فى غرامها، خاصة هذه الخطابات العاطفية البديعة لجدتى خطيبته آنذاك «سميحة».
ما أقرب الرسائل لقلبك؟
- كان هناك شيئان بقيا دائمًا حاضرين فى رسائل جدى، الأول ذكرياته عن فلسطين وحنينه إليها، والثانى حنينه إلى العمل التربوى والتعليمى، ولكن من أقرب الرسائل خطاباته الغرامية لجدتى «سميحة تنير» عام 1937، كانت المرأة الرئيسية فى رسائله وحياته، يشكو لها، يشاركها تفاصيل حياته، يغازلها، يعتذر لها، كانت جدتى تعلم أنها لاتمتلك مهارته فى السرد والحكى، وعبرت له عن ذلك، ولكنها كانت امرأة استثنائية تزوجت فى 24 وهى سن متقدمة فى ذلك الوقت، كان يناقشها فى الأدب والسينما وحريصًا على تثقيفها، وكان يرسل لها كتبًا عربية وإنجليزية. هناك جانب مهم فى خطابات جدى وبرقياته ووثائقه هو التأريخ الاجتماعى والثقافى لفلسطين، نحن فقط لا نعرف الجانب السياسى، ولكن حياة الناس كانت واضحة فى هذه المراسلات.
فى رأيك أهمية الأرشيف العائلى والتأريخ الشفوى فى ظل واقع ترصده الكاميرات ومع ذلك يزور أمام أعيننا لقضية فلسطين؟
- التأريخ الشفهى نوع من مصادر المعرفة غير متوافر ويتم إخفاؤه دائمًا، لأن التاريخ المكتوب والمسجل يظل يعبر عن وجهة نظر من كتبه الذى تتحكم فيه أيديولوجيته وتجربته الشخصية ومكانه بعده الزمانى عن الحدث وقت وقوعه، فالتأريخ ليس هو الماضى ولكن ما نكتبه عن الماضى وليس الأحداث فى حد ذاتها.
ولكن الأرشيفات العائلية والرواية الشفهية يظل موقعًا مهمًا فى القضية الفلسطينية، لأنها تحكى عن جانب آخر من الحكاية ومن هذا الماضى، نسمع صوت الناس العادية فى الحكاية، ترصد الأرشيفات جانبًا آخر يُكمل الرواية الرسمية المكتوبة، ترصد تاريخًا غير مرصود، بل يتم التعتيم عليه بأشكال مختلفة قديمًا وحديثًا باختلاف الأوضاع والأسباب والاتجاهات السياسية.

فالأرشيف العائلى والتاريخ الشفهى أصبح مصدرًا آخر من مصادر التاريخ لمعرفة ما حدث فى الماضى وببساطة الذكريات مهمة ومليئة بالتفاصيل الحياتية للناس، فمثًلا خضت بحثًا مضنيًا لمعرفة شكل الحياة فى فلسطين قبل النكبة، لم أسمع صوت الناس، عثرت فقط على دراسات تاريخية وسياسية وعسكرية، لكن أين الناس لم أجد؟!
أظن هذا ماتسعى له «حكايات فلسطينية»؟
- نعم، نرى أهمية كبرى لتسجيل الرواية الفلسطينية من خلال هذه الأشياء الثمينة جدًا، الشخصية والمباشرة التى تخص كل شخص فى حياته، هدفنا «دمقرطة الثقافة» و«دمقرطة كتابة التاريخ» وأن يكتب الناس تاريخهم، لذا نحن لا نهتم بجودة عالية للصور والرسائل التى تصل لنا من عائلات فلسطينية، أو تكون وثائق لشخصيات مشهورة، ولكن هدفنا عامة الشعب، أى إنسان عاش فى فلسطين أو خارجها ولديه ذكرى تربطه بفلسطين موثقة بصورة أو ورقة أو خطاب، يقوم بتصويرها بتليفونه ويضعها على موقع «حكايات فلسطينية» باسم عائلته.
هل استقبلت أرشيفات عائلات فلسطينية أخرى تفاعلت مع فكرة «حكايات فلسطينية»؟
- نعم، قابلت أربع سيدات أثناء المؤتمر الذى نظمه اتحاد المرأة الفلسطينية بالقاهرة للحديث عن مبادرة «حكايات فلسطينية»، أحضرن معهن جزءًا من أرشيفاتهن العائلية مثل سيدة أحضرت مذكرات أمها عن حياتها فى غزة، وأخرى أحضرت بطاقة الهوية وصورة شخصية لأمها وأبيها ومفتاح البيت بفلسطين، وأرسل صديق مقيم فى أمريكا تسجيلاً صوتيًا مع أمه قبل موتها مدته 3 ساعات، وهى تحكى عن ذكرياتها فى فلسطين قبل النكبة وتهجيرهم من قريتهم.
أخيرًا .. فى ظل الحرب على غزة.. شاهدنا يوميًا تزييف الحقائق ونشر المعلومات المُضللة من مؤسسات رسمية وإعلامية كبرى عالمية.. فى رأيك أهمية وجود سرديتنا العربية مثل أرشيف «حكايات فلسطينية» للأجيال القادمة؟
- منذ اندلاع الحرب فى ال7 من أكتوبر، لدىّ شعور أن «غزة» سيتم محوها تمامًا، ومن ثم أعيش فى دائرة مُغلقة من الألم والمعاناة النفسية وأخبار متلاحقة عما فقدته عائلتنا حتى الآن من 6 أشخاص، كل هذا المناخ الثقيل يواجهنى بسؤال يائس: «ماذا تفعلين؟ من مهتم لمتابعة حكايات فلسطينية؟ ما أهمية توثيق الخطابات والأرشفة العائلية؟»، ولكن قررت عدم الاستسلام لأننى أدركت أن ما يحدث الآن ونشاهده من تزييف يؤكد أهمية مشروع أرشيف حكايات فلسطينية أكثر من أى وقت مضى، وأن روايتنا الفلسطينية يجب أن تظل قائمة.
وهذا واجبنا، أهالى غزة يعافرون لآخر نفس ولم يُحطموا،وما نفعله سيظل متواضعًا بالمقارنة بما يبذلونه من دمائهم يوميًا، ولا يليق أن أكون يائسة مُستسلمة وأنا التى تعيش فى منزل آمن له باب ولدى طعام وشراب وأقول: «تعبت ومش هقدر أكمل»؟!
«أنا هكمل ما بدأت» وبالفعل أقوم بتوثيق الآن أسماء كل الشهداء وعائلاتهم، وأبحث عن وسيلة للتواصل مع أقاربهم، فالشهداء ليسوا أرقامًا فقط، ولكن يجب توثيقهم بشكل إنسانى ومحترم، ما يحدث الآن لأهالى غزة «هولكست جديد»، محرقة جديدة، ولا يجب أن ننساها وواجبنا تذكير العالم بها كل يوم، وهذا لن يحدث إلا بالتوثيق والأرشفة الدقيقة لضحايا هذه الإبادة الجماعية حتى تأتى اللحظة المناسبة لعرضها بصورة إنسانية.
2
3
4
5
6
7


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.