«العلاقات بين الولاياتالمتحدةوالصين ستشهد تحسنًا قريبًا جدًا».. جملة قصيرة قالها الرئيس الأمريكى جو بايدن، خلال مؤتمر صحفى فى مايو الماضى على هامش قمة السبع؛ لكن هل نصدقه، أو بالأحرى: هل تصدقه الصين؟! هذا الأمر ينطبق أيضًا على التصريحات والزيارات الأمريكية الأخيرة لفتح خطوط اتصالات مع بكين وآخرها الإعلان عن زيارة وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن إلى بكين والتى جاءت بالتزامن مع الحوادث البحرية والجوية الأخيرة بين الجانبين فى بحر الصين..
هذا السؤال وغيره طرحناه على الملحق الدفاعى الصينى السابق فى دول جنوب آسيا، د. تشينغ شى لونغ. ففى وقت تواجه فيه العلاقات الصينيةوالأمريكية مفترق الطرق مرة أخرى أكد د. تشينغ شى لونغ فى حواره لمجلة «روزاليوسف» أن بلاده تولى دائمًا أهمية لعلاقاتها مع الولاياتالمتحدة، مشيرًا إلى أن الصين مستعدة للعمل مع الجانب الأمريكى لاتباع المسار الصحيح وتعزيز الحوار والتعاون ونزع فتيل نقاط الاشتعال واتخاذ إجراءات ملموسة لتحقيق التفاهم المشترك، من أجل إعادة هذه العلاقات إلى المسار الصحيح فى وقت مبكر. ولكن فى الوقت نفسه ينبغى على واشنطن احترام سيادة الصين ومخاوفها الأمنية، وتصحيح الممارسات الخاطئة، وتهيئة المناخ والظروف اللازمة للحوار والتواصل بين الجانبين.. واليكم نص الحوار: برأيك إلى أى مدى يمكن أن تسهم زيارة بلينكن المرتقبة للصين فى «ذوبان الجليد» فى العلاقات بين أكبر اقتصادين فى العالم، وما هى أبرز القضايا على جدول أعمال الزيارة؟ - الأخبار حول زيارة بلينكن للصين لا تنشرها إلا وسائل الإعلام الأمريكية. ففى 8 يونيو، أفادت وسائل الإعلام الأمريكية أن بلينكن سيزور الصين الأسبوع المقبل، وفى اليوم التالى تم الإعلان عن الموعد المحدد للزيارة، وأنها ستكون فى الثامن عشر من الشهر الجارى وكانت هذه هى المرة الثانية للإعلان عنها فى الأيام الأخيرة، حيث نشرت وسائل الإعلام الأمريكية هذا الخبر من قبل. على حد علمى، ووفقًا للممارسات الدبلوماسية، يجب أن يتم الاتفاق على الزيارات المهمة بشكل كامل من قبل الطرفين، وبعد الاتفاق المتبادل، يتم نشر الأخبار الرسمية فى نفس الوقت من قبل الطرفين. ولكن يفعل الأمريكيون هذا دائمًا، فى محاولة لاستخدام وسائل الإعلام لاختبار رد فعل الجانب الصينى. كيف ترون ما تشهده العلاقات بين البلدين فى الوقت الحاضر وما هى انعكاسات الزيارات الدبلوماسية فى هذا التوقيت؟ - الآن، هناك اتصالات مهمة تجرى بين الصينوالولاياتالمتحدة حيث تواجه العلاقات الصينية - الأمريكية فى الوقت الحالى تحديات ليست بسبب الجانب الصينى ويجب على الولاياتالمتحدة أن تحترم بصدق المصالح الأساسية للصين ومخاوفها الرئيسية، وأن تتوقف عن التدخل فى الشئون الداخلية للصين، وتتوقف عن الإضرار بمصالح الصين، وتتوقف عن الدعوة إلى التواصل والتبادل مع الاستفزاز المتهور، والتوقف عن قول شيء ما وفعل شيء آخر. يجب على الولاياتالمتحدة أن تعمل مع الصين لتحقيق نفس الهدف، وهو تعزيز عودة العلاقات الصينية - الأمريكية إلى مسار تنمية صحى ومستقر. إن عودة العلاقات الصينية - الأمريكية إلى مسار التنمية الصحى والمستقر يصب فى مصلحة الجانبين ويؤدى إلى السلام العالمى، وهو أيضًا التطلع المشترك للمجتمع الدولى ككل. فى الآونة الأخيرة، تبدو واشنطن حريصة على فتح خطوط اتصال مع الصين.. كيف ترى ذلك وما الدور المتوقع من الجانب الصينى فى المقابل؟ ما هى الإجراءات التى ستتخذها الصين؟ - لقد أقامت الصينوالولاياتالمتحدة أكثر من 100 آلية للحوار والتبادل. فى السنوات الأخيرة، ولأسباب معروفة للجميع، بما فى ذلك الحرب التجارية الأمريكية وحظر الاستثمار، وأقوال وأفعال الولاياتالمتحدة المتناقضة بشأن قضية تايوان، تم قطع الزيارات رفيعة المستوى بين الصينوالولاياتالمتحدة تقريبًا. بعد الاجتماع بين رئيسى الدولتين فى بالى العام الماضى، ثم كانت خطط بلينكن لزيارة الصين فى وقت مبكر من هذا العام، ولكن تم تأجيل هذه الزيارة إلى أجل غير مسمى بسبب «حادث البالون». ومع ذلك، فإن الصين تولى أهمية كبيرة لجهود الولاياتالمتحدة الأخيرة لتيسير العلاقات الثنائية، وقد استجابت بشكل إيجابى وتعد الاتصالات المتكررة الأخيرة بين المسئولين من البلدين مثالاً على ذلك. وينبغى أن يقوم الحوار والتعاون على أساس الاحترام المتبادل وأن يتم الاسترشاد بذلك لتحقيق مخرجات الحوار، فمن غير المقبول أن يسعى أحد الطرفين للتواصل والتعاون مع الطرف الآخر وفى الوقت نفسه يقوم هذا الطرف بفرض عقوبات عليه، وإذا كان الحوار من أجل الحوار فقط ولم يحل أى مشكلة بين البلدين، فسوف يأتى بنتائج عكسية. أعتقد أنه قبل التبادلات رفيعة المستوى، يجب على البلدين خلق جو جيد من الحوار. وأثناء المباحثات وتبادل وجهات النظر، يجب على الجانبين محاولة التركيز على النتائج الإيجابية، وبعد ذلك، يجب على كل منهما تنفيذ نتائج هذا المباحثات بجدية من أجل تجنب أن يصبح التبادل واللقاءات مجرد كلام فارغ لا معنى له. فى الوقت الذى تشجع فيه الإدارة الأمريكية شركاتها بصوت عالٍ على «فك الارتباط» و«إزالة المخاطر» مع الصين، يتدفق مسئولو الشركات الأمريكية إلى الصين. كما وصف رجل الأعمال الأمريكى إيلون ماسك العلاقات الأمريكيةالصينية بأنها «التوأم السيامي» لتشابكهما ومصالحهما.. ما مدى تعقيد وتشابك العلاقات بين البلدين غير الخاضعة لفك الارتباط أو الانفصال؟ - حسنًا، لقد اندمجت العلاقات الاقتصادية بين الصينوالولاياتالمتحدة بشكل عميق. فالصين هى أكبر سوق لكنتاكى وفرايد تشيكن الأمريكية، وتدير ستاربكس أكثر من 6200 متجر فى الصين، وهناك أكثر من 70 ألف شركة أمريكية تستثمر وتعمل فى الصين. وقد نتج عن هذا التعاون تبادل المنفعة بين الطرفين وتحقيق أرباح سخية للشركات الأمريكية. فى الآونة الأخيرة، صرحت الولاياتالمتحدة بأنها لا تسعى إلى «فك الارتباط» بالصين، لكنها اقترحت «إزالة المخاطر». فى الواقع، لا يوجد فرق بين الاثنين. هذه ممارسة للفصل باسم «إزالة المخاطر»، وهى ليست فى مصلحة الشركات الأمريكية. لذلك، فإن رؤساء الشركات الأمريكية يدركون هذه المشكلة ولا يستمعون إلى حكومة الولاياتالمتحدة، وهم يأتون إلى الصين للبحث عن فرص استثمارية وزيادة توسيع استثماراتهم. وما هى برأيك الدوافع وراء زيارة مدير ال CIA مؤخرًا لبكين، وكيف تابعت تسريب تفاصيل هذه الزيارة التى وصفت بالسرية لوسائل الإعلام الأمريكية؟ - لا أعلم عن «زيارة مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلى الصين»، لكن من الواضح أن الولاياتالمتحدة ضخمت هذا الحدث، ربما للضغط على الصين، بما فى ذلك محاولة إقناع وزير الدفاع الصينى بعقد اجتماع ما مع وزير الدفاع الأمريكى على هامش قمة حوار «شانجرى-لا» فى سنغافورة. فى ظل حدثين أمنيين خطرين كادا أن يشعلا حربًا فى منطقة بحر الصينالجنوبى، برأيك، لماذا تجاوزت ضربات الجانبين حدود السياسة والاقتصاد، ووصلت إلى الجو والبحر؟ وما مدى مخاطر اندلاع الاشتباكات بين الصينوالولاياتالمتحدة فى تلك المنطقة؟ - كثيرًا ما أرسلت الولاياتالمتحدة سفنًا وطائرات لإجراء استطلاع عن كثب للصين لفترة طويلة، مما يعرض السيادة الوطنية للصين وأمنها للخطر بشكل خطير. هذا العمل الاستفزازى والخطير هو السبب الجذرى لقضايا الأمن البحرى يجب على الولاياتالمتحدة أن توقف على الفور مثل هذه الأعمال الاستفزازية الخطيرة، وستواصل الصين اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية سيادتها وأمنها بحزم. وكيف تنظرون إلى اتهامات البحرية الأمريكية لسفينة صينية بالقيام بتحركات «خطيرة» حول مدمرة أمريكية فى مضيق تايوان، وكذلك الاتهامات بشأن الحادث الجوى بين البلدين فى نفس المنطقة؟ - الولاياتالمتحدة تخلط بين الأسود والأبيض وتكذب. والوضع الفعلى هو أن الجانب الأمريكى هو من خلق المتاعب والاستفزاز أولاً، فيما عالجها الجانب الصينى وفق القانون واللوائح بعد ذلك. فالصين تحترم دائمًا حرية الملاحة والتحليق التى تتمتع بها مختلف الدول وفقًا للقانون الدولى والإجراءات التى يتخذها الجيش الصينى هى إجراءات ضرورية للرد على استفزازات الدول المعنية، وهى إجراءات معقولة وقانونية وآمنة ومهنية تمامًا. فالصين تعارض بشدة أى دولة تثير المشاكل فى مضيق تايوان وتدافع بحزم عن السيادة الوطنية والأمن والسلام والاستقرار الإقليميين. يعتقد البعض أن العلاقات «الصينية - الأمريكية» تتجه نحو مستقبل يكتنفه الغموض، خاصة بعد الأحداث الجوية والبحرية الأخيرة فى مياه بحر الصينالجنوبى برأيك ما فائدة هذه الزيارات الأمريكية للصين وهل ستؤدى إلى انفراجة فى العلاقات؟ - آمل أن تتمكن الولاياتالمتحدة من التعرف على أخطائها واتخاذ إجراءات عملية لتصحيحها، حتى يكون الحوار بين الصينوالولاياتالمتحدة مفيدًا ويمكن للعلاقات الثنائية أن تحقق اختراقات. لقد ذكر موقع «أكسيوس» الأمريكى أن مصطلح «الفصل» أصبح الأكثر شعبية فى الدوائر الجيوسياسية فى البلدين.. هل الصين وأمريكا «قادرتان على تعلم كيفية العيش بدون بعضهما البعض؟» - إن القضية بين الصينوالولاياتالمتحدة ليست ما إذا كان ينبغى الحفاظ على علاقات جيدة، ولكن كيفية الحفاظ على العلاقات الجيدة. الأرض كبيرة بما يكفى لاستيعاب التنمية المشتركة لكل من الصينوالولاياتالمتحدة. وقد اقترح الجانب الصينى المبادئ الثلاثة للاحترام المتبادل والتعايش السلمى والتعاون المربح للجانبين، مشيرًا إلى المسار الأساسى لتصحيح التعايش بين الصينوالولاياتالمتحدة فى العصر الجديد. الاحترام المتبادل شرط أساسى، والتعايش السلمى هو المحصلة، والتعاون المربح للجانبين هو الهدف. إن الصين، كعادتها، تقدر أهمية العلاقات الصينيةالأمريكية ومستعدة للعمل مع الولاياتالمتحدة لتحقيق المسار الصحيح، وتعزيز الحوار والتعاون، ونزع فتيل نقاط الاشتعال، وتنفيذ التوافق الهام الذى تم التوصل إليه فى اجتماع بالى بين رئيسى الدولتين من خلال الإجراءات العملية، والسعى من أجل العودة المبكرة للعلاقات الصينيةالأمريكية إلى طبيعتها. 1 3