تعد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من أرقى الكنائس على مستوى العالم ولها دور فعَّال فى الكثير من المحافل الدينية والعالمية، وأصبح منصب بطريرك الكرسى المرقسى له دور مؤثر وفعال بل يعد فى بعض الأحيان سفيرًا لوطنه؛ حيث يُؤْخَذ بكلمته فى توضيح العديد من الأمور التى تحتاج لتوضيح خاصة لدى الغرب. وجذور الكنيسة القبطية نمت فى أرض مصر، فمهما امتدت الكنيسة فى العالم لا بُد أن تعود لجذورها فى مصر وعلى هذا الأساس بدأت فكرة ملتقى الشباب القبطى والذى حمل شعار «العودة إلى الجذور» فى نسخته الثالثة والذى تقيمه الكنيسة القبطية للشباب القبطى من جميع دول العالم.
وجاءت الفكرة للبابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية عندما كان فى زيارة رعوية لكندا ووجد أن هناك العديد من الشباب فى المهجر خصوصًا الجيل الثانى والثالث لا يعرفون شيئًا عن وطنهم الأم بل هناك من لم يقم بزيارتها نهائيًا وهو الأمر الذى أحزنه كثيرًا، إلا أنه قرر إقامة مؤتمر لهم يستضيفهم ببيته بدير الأنبا بيشوى بوادى النطرون حيث يقيمون طوال فترة الملتقى فى مبنى اللوجوس بالدير، رافضًا أن تكون إقامتهم فى أى فندق وذلك للتأكيد على فكرة الأبوة التى يحملها لجميع الأقباط سواء كانوا داخل مصر أو خارجها. ملتقى «العودة الى الجذور» هو الثالث منذ إعلان البابا تواضروس عن إقامته للملتقى فى عام 2018 ثم توقف فى 2019 و2020 بسبب فيروس كوفيد- 19، إلا أنه أقيم العام الماضى، واختُتمت أعمال الملتقى الثالث الأسبوع الماضى. وملتقى «العودة الى الجذور» لم يحظ فقط باهتمام الكنيسة القبطية فقط؛ بل حرصت الدولة بجميع أجهزتها على المشاركة الفعالة فى أنشطتة وذلك لإيمانها بأهمية دور أولادها بالخارج الذين يعدون سفراء لوطنهم فى بلادهم، وذلك عن طريق نقل ما يشاهدونه بأنفسهم والذى يساعد فى كثير من الأحيان على توضيح بعض الصور المغلوطة أو السيئة التى يتم ترويجها فى بعض الدول. وأكد البابا تواضروس الثانى أن الهدف الرئيسى من الملتقى أن تكون مصر حاضرة فى ذهن الشباب والأطفال والكبار فى أى مكان يذهبون إليه فى العالم، وذلك حتى لو حملوا جنسية البلد الذين يعيشون فيه أو حتى لو ولدوا فى بلد آخر، لكن تظل مصر أولًا. وأوضح البابا تواضروس أن من أهم أهداف الملتقى أن يرى الشباب صورة حقيقية لمصر، فالكثير منهم يأتى وهو يحمل صورة ذهنية عن مصر يستقيها من الإعلام الخارجي، فعندما يرى الحقيقة ينبهر، والانبهار فى حد ذاته فى هذه الحالة مطلوب لأن النتيجة الإيجابية للانبهار هو توضيح الصورة الحقيقية لمصر عندما يعود لبلده الآخر. وكشف البابا تواضروس أن برنامج الملتقى يستغرق حوالى عام كامل حيث تدور حوله نقاشات ويتم استبدال أماكن بأخرى حتى يخرج برنامج شامل يكون جرعة متكاملة عن مصر، مشيرًا الى أن هناك فريق إعداد كبيرًا وراء خروج الملتقى بالشكل النهائى ويتكون من أب كاهن يكون هو المنسق العام ومعه حوالى 40 خادمًا من جميع المحافظات يتم اختيارهم بعناية شديدة، ويقوم بعمل لقاءات شخصية منفردة مع كل واحد فيهم وذلك حتى يتم اختيار أكثر الخدام الذين يكون لهم دور فعال فى الملتقى؛ حيث يتم الاختيار وفقا لتحديد احتياجات الملتقى وأكثر الشخصيات التى تمتلك القدرة على سد هذه الاحتياجات. ويهتم القائمون على تنظيم الملتقى بأن يخرج بشكل يخدم جميع الأهداف المحددة فعلى سبيل المثال كانت الفكرة الأساسية ل«لوجو» هذا العام عبارة عن الصليب القبطى على شكل شجرة بأفرعها وأوراقها، حيث إن الصليب القبطى هو رمز للجذور القبطية فهو موجود إلى الآن على كثير من الآثار القبطية، ويمثل انتشار الكنيسة القبطية إلى كل أنحاء العالم فى أربع زوايا الأرض. وكانت الفكرة الأساسية له مبنية على الألوان المستخدمة؛ حيث تم استخدام الألوان الدالة على مصر وطبيعتها فاللون الأزرق السماوى يمثل السماء والبحرين الأحمر والمتوسط واللون الأصفر يمثل صحارى مصر ومبانيها القبطية المميزة من أديرة ومبانِ وأيضا المبانى الفرعونية، أما اللون النيلى فهو يمثل نهر النيل الذى يعبر مصر من المنتصف ويصل شمالها بجنوبها. وأوضح القس يوسف دواد منسق عام الملتقى، أنه كان هناك ثلاثة محاور رئيسية مصر القبطية والحضارة ومصر التاريخ، وبناء على هذه المحاور تم تحديد الأماكن الذين قاموا بزيارتها حيث قاموا بزيارة دير السيدة العذراء مريم بدرنكة ودير المحرق بمحافظة أسيوط، حيث صلوا صلاة التسبحة مع الأنبا يؤانس أسقف أسيوط فى أجواء روحية مختلفة. كذلك قاموا بزيارة أديرة وادى النطرون والكاتدرائية المرقسية بالإسكندرية وبالعباسية بالقاهرة حيث استقبلهم قداسة البابا تواضروس وشرح لهم حجم التطوير والتجديد الذى تم بها فى الفترة الماضية. كما قاموا بزيارة مدينة العلمين الجديدة حيث استقبلهم السيد رئيس الوزراء مصطفى مدبولى وكان له معهم حوار طويل وكبير أكد فيه خلاله على دورهم فى توضيح الصور الخاطئة التى تنشر عن مصر فى الخارج، حيث أكد لهم أنه خلال الثلاثة أشهر الماضية قام مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء برصد 150 مقالة تم نشرها فى صحف ومواقع عالمية أغلبها تحمل صورة سلبية عن مصر، وهى مقالات مدفوعة من جهات معينة. وأكد القس يوسف أن اهتمام الدولة بالملتقى انعكس بشكل واضح على برنامج الملتقى حيث كانت وزيرة الدولة لشئون الهجرة والمصريين بالخارج متواجدة بشكل كبير معنا، كذلك تم تنفيذ برنامج حافل لزيارات ميدانية أهمها الجولة البحرية التى قمنا بها بمدينة العلمين الجديدة، حيث أكد الكثيرون من الشباب أنه لا يوجد مياه فى الخارج بمثل هذا النقاء، كما أشاد الكثيرون منهم بالإنجازات التى تمت خلال فترة قصيرة، مؤكدين أن حجم هذا التطوير لم يشاهدوه من قبل فى أى من دولهم. وأضاف المنسق العام إنه كانت من أهم الزيارات التى تمت زيارة متحف عابدين والذى يمثل جزءًا تاريخيًا معماريًا مهمًا وذلك بعد تأجيل افتتاح المتحف الكبير والذى كان من ضمن البرنامج المعد. ويحرص القائمون على الملتقى أن يقدم نماذج مصرية ناجحة فى مجالاتها سواء داخل أو خارج مصر وكان من أبرز هذه النماذج الدكتور مجدى يعقوب جراح القلب العالمى والدكتور مجدى إسحق جراح العظام العالمى حيث شاركا تجربتهما الحياتية والمهنية بصفتهما من أكبر جراحى العالم، وكذلك مايكل قسيس الرئيس التنفيذى لشركة «منترا مصر» وكان اللقاء الأخير مع المحامية الدولية الدكتورة «مارى بقطر» والتى أجابت عن أسئلتهم وشاركتهم تجربتها الخاصة فى عالم المحاماة. وبذلك يكون ملتقى الشباب الثالث «العودة إلى الجذور» نموذجًا بارزًا وناجحًا يحمل بصمات التعاون الكبير بين أطياف المجتمع المصرى وجميع فئاته ليخرج للعالم بشكل مشرف يليق بمكانة مصر وعراقة الكنيسة القبطية. 2 3 5