فى البداية أود أن أعرب عن خالص امتنانى وتقديرى لدعوة د/ رشا راغب، المدير التنفيذى للأكاديمية الوطنية للتدريب، للمشاركة فى الحوار الوطنى، والذى يأتى تلبية لدعوة كريمة، من فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى إفطار الأسرة المصرية فى شهر رمضان الماضى. هذه الدعوة التى تأتى فى توقيت مهم، بعد أعوام من تحقيق المزيد من الاستقرار والإنجازات الكبيرة التى شهدتها البلاد فى طريق البناء والتنمية. خطوة أخرى على الطريق الصحيح، وإنجاز جديد يضاف إلى قائمة طويلة من الإنجازات، من أجل بناء حياة سياسية تتسع لمشاركة كل القوى الوطنية، الحريصة على إعلاء مصالح الوطن الذى «يتسع للجميع» كما صرح سيادة الرئيس. وإنى إذ أتشرف بالمشاركة فى تلبية الدعوة لهذا الحوار، أسأل الله تعالى أن يكلل جهود المشاركين فيه بالنجاح، لإيجاد أرضية مشتركة، يتفق عليها الجميع، للعمل من أجل ازدهار واستقرار وطننا الغالى مصر، فى الداخل والخارج. وبعد،،،، فلا شك أن طرح المشاركين فى الحوار، من القوى الوطنية الممثلة فى مؤسسات الدولة، والأحزاب السياسية، والمؤسسات الدينية، والتعليمية، والإعلامية، ومنظمات المجتمع المدنى، وممثلى المجتمع المصرى بكل فئاته وطوائفه، سيتضمن أولويات العمل الوطنى خلال المرحلة الراهنة، فى جميع المجالات، من خلال مناقشة تحديات ممارسة الحياة السياسية، والرؤية الاقتصادية، واستمرار تطوير الخدمات الصحية، والتعليمية، والاجتماعية، وضمان حياة كريمة للمواطن المصرى، على جميع الأصعدة وفى شتى المجالات. لذلك فسأركز حديثى عن الدور الوطنى والإيجابى، الذى يمكن تحقيقه من المصريين فى المهجر (الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا كمثال) للمشاركة فى خدمة الوطن ورفعته وازدهاره، والعمل المخلص للمساعدة فى اجتياز التحديات التى يمر بها. وسألخص الطرح فى النقاط التالية: - أهمية ومكانة المصريين فى المهجر. - مصالح واحتياجات المصريين بالمهجر - دور المصريين بالمهجر فى خدمة الوطن، وآليات تفعيل اتصالهم وربطهم بمؤسسات الدولة. - مقترحات عملية. أولاً: أهمية ومكانة المصريين فى المهجر وفقًا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وتصريحات وزيرة الهجرة المصرية، فإن عدد المصريين المقيمين بالخارج يمكن أن يصل إلى 14 مليونًا، وتأتى دول الأمريكتين فى المرتبة الثانية بعد الدول العربية، حيث سجل المصريون المقيمون فيها فى نهاية عام 2019 نحو 31.1 % من جملة المصريين المقيمين بالخارج. هذه النسبة الكبيرة، ليست مجرد رقم، حيث يتمتع معظم المصريين المقيمين فى دول الأمريكتين (وبالأخص أمريكا وكندا) بمكانة علمية، واجتماعية، واقتصادية مرموقة ومتميزة. فمن بينهم أفضل وأمهر الأطباء، الذين يترأسون أقسامًا مهمة وحساسة فى أفضل المراكز الطبية العالمية ومن بينهم المهندسون، الذين يعملون فى شركات عالمية، سواء حكومية أو خاصة، ويشرفون على تنفيذ مشروعات عملاقة. ومن بينهم المدرسون الباحثون فى الجامعات المرموقة فى مجالات العلوم، والهندسة، ونظم المعلومات، والطاقة، والفلسفة، والاقتصاد، وتطوير المناهج، ومقارنة الأديان.. إلخ، ومن بينهم رجال أعمال ومستثمرون، وأصحاب مشاريع كبيرة ومتوسطة وصغيرة ناجحة وواعدة. ومن بينهم رجال الدين «المسيحى والإسلامى» الذين يؤثرون فى صناعة الوعى المجتمعى، ويمثلون كنائس ومراكز إسلامية كبيرة ونشطة وفاعلة، فى جاليات كبيرة تضم الآلاف من فئات المجتمع المختلفة. ثانياً: مصالح واحتياجات المصريين بالمهجر كما أن للمصريين المقيمين داخل مصر تطلعات واحتياجات ومصالح، فللمصريين المقيمين فى الخارج تطلعات واحتياجات ومصالح أيضًا، فهم مواطنون مصريون، رغم بعد المسافات، مرتبطون بوطنهم الأم، الذى ولدوا على أرضه، وأكلوا من خيره، وتكونت شخصياتهم العلمية والثقافية فى مدارسه ومعاهده وجامعاته. يحتاجون إلى سفارات وقنصليات فاعلة ونشطة، وعلى مستوى مشرف يليق بتاريخ ومكانة مصر العظيمة، وبجمهوريتها الجديدة، عن طريق تمثيل لائق لأطقم دبلوماسية وإدارية على أعلى مستوى من الكفاءة، وعلى قدر المسئولية. خبراء وعلى دراية تامة بطبيعة الجاليات المصرية، وحجمها، واحتياجاتها، وتطلعاتها. يعملون بكل الطرق على توفير الخدمات القنصلية المختلفة، باحترافية وكفاءة عالية، تضمن احترام وكرامة أبناء الجاليات المصرية. ويطيب لى هنا – ومن باب الأمانة فقط - أن أشيد بالدور الذى يقوم به سعادة السفير الدكتور سامح أبوالعينين، قُنصل مصر العام فى شيكاغو وولايات وسط الغرب الأمريكى، وما يقوم به من دور مشرف، ومشرق، ونشط، وفعال، للدبلوماسية المصرية القادرة على رعاية أبناء مصر فى المهجر، وفى الولاياتالمتحدةالأمريكية باعتبارها أحد أهم روافد القوى الناعمة المصرية. هذا الدور وذاك النشاط الذى افتقدناه كثيرًا لسنوات عديدة، فى منطقة كبيرة وحساسة، يسكن بها الآلاف من المصريين المتميزين فى شتى المجالات ومختلف القطاعات. وإنى إذ أشيد بالدور النشط والفعال للقنصلية المصرية فى شيكاغو، تحت قيادة سعادة السفير الدكتور أبوالعينين ومعاونيه، فإنى أتمنى أن يعمم هذا النموذج، ليشمل كل السفارات والقنصليات المصرية فى بلاد المهجر، وأذكر بعضًا من معالم هذا النموذج المشرف: - الحرص على الرد على جميع الاستفسارات القنصلية، وشرح المُعاملات والمستندات المطلوبة ذات الصلة. - العمل على الربط والتعاون فيما بين الجالية المصرية بعضها البعض، وكذلك مع الجاليات العربية، والأفريقية، بالولايات التابعة للقنصلية العامة. - الحضور البارز والمشاركة النشطة فى فعاليات واجتماعات الجا لية المصرية، سواءً كانت اجتماعية، أو دينية. - التواصل لدعوة الشخصيات البارزة فى الجالية المصرية لمقر إقامة سعادة السفير، والذى أصبح حقًا - بيتًا للمصريين، لتعزيز الروابط بين أبناء الجالية المصرية بعضها البعض، وبينها وبين الجاليات العربية، والأفريقية، لتعزيز التواجد المصرى العربى الأفريقى لتعزيز الروابط ومد جسور الثقة بين أبناء مصر المٌقيمين فى شيكاغو وولايات وسط وغرب الولاياتالمتحدةالأمريكية. - العمل على توثيق عرى المحبة والأخوة بين أعضاء البيت المصرى مسلمين وأقباطًا. هذا إلى جانب العديد من الجهود المخلصة للقنصلية العامة فى شيكاغو الأمر الذى لا يخفى على أحد يعيش هنا فى ولايات الوسط، والتى تأتى نتيجة عمل دؤوب لدبلوماسى من طراز فريد، وأكاديمى بارع، يحب مصر حتى النخاع. هذا النموذج الذى يجب إبرازه، وتشجيعه، ورعايته، وتطويره، حتى يعمم فى جميع السفارات والقنصليات المصرية. ثالثاً: دور المصريين بالمهجر فى خدمة الوطن وآليات تفعيل اتصالهم وربطهم بمؤسسات الدولة. المصريون فى المهجر جزء أصيل، لا يتجزأ من الوطن الكبير الغالى مصر، يحملون همه، ويتطلعون لرخائه وازدهاره، ويتشوقون لزيارته وخدمته كلما أتاحت الفرصة. ومن واقع خبرتى الطويلة التى تقترب من 15 عامًا كإمام ومدير لواحد من أكبر وأنشط المراكز الإسلامية فى ولايات الوسط الأمريكى، وربما فى أمريكا كلها، وأيضًا كأزهرى أشرف بانتسابى للأزهر الشريف، حاصل على درجة الماجيستير، وأعمل الآن على الانتهاء من المراحل النهائية لشهادة الدكتوراه فى مقارنة الأديان، وكمدرس مساعد فى أكثر من جامعة أمريكية، فى نفس المجال. فإنه يجدر بى هنا التركيز على الدور الكبير الذى يمكن للجاليات المصرية فى المهجر القيام به لنهضة الوطن، ورخائه واستقراره. فالمراكز الإسلامية هنا هى محور الجالية، يلتقى فيها المصريون مع بعضهم، ومع غيرهم من العرب وغير العرب، للصلاة، وحضور المؤتمرات والأنشطة التى لا تقتصر على المجال الدينى فقط. المركز الإسلامى هنا، هو صانع للوعى، ونقطة التقاء كل التيارات المجتمعية، والسياسية، والاقتصادية،والاجتماعية. حيث تتعدد الأنشطة بين التواصل التام والمستمر مع قيادات الأديان الأخرى: Interfaith Dialogue وعلى رأسها الكنيسة المصرية، لترسيخ مبدأ المواطنة والأخوة لطرفى النسيج المصرى الوطنى، والذى يمكن أن يتم تنميته وتحفيزه لمزيد من التعاون من أجل مصلحة الوطن. بالإضافة إلى الحوار الدائم مع قيادات وممثلى الأديان والطوائف الأخرى، على كل المستويات. فقد شرفت – على سبيل المثال - بتمثيل أكثر من نصف مليون مسلم من سكان ولاية إلينوى فى المحافل الرسمية للولاية، والمشاركة كمتحدث فى حفل تنصيب حاكم الولاية فى العاصمة Springfield والحديث فى المؤتمرات الصحفية والبرامج التليفزيونية والإذاعية، فى المناسبات الوطنية والدينية المختلفة، ووصولًا إلى مشاركتى فى حفل الإفطار الوطنى للصلاة أو ما يسمى National Prayer Breakfast فى البيت الأبيض مع الرئيس الأمريكى فى العاصمة واشنطن. أيضًا الأنشطة المجتمعية Civic Engagement والمشاركة السياسية Political Participation حيث نقوم بتواصل دائم مع أعضاء الكونجرس ومجلس الشيوخ الأمريكى، نلتقى بهم، ونجتمع معهم، وندعوهم إلى مناظرات ومناقشات فى المراكز الإسلامية، حيث كان لمركزنا السبق فى عقد أكبر مناظرة بين مرشحى الانتخابات النيابية الماضية. لذلك فالمراكز الإسلامية المتمثلة فى الأئمة والدعاة، تحظى باحترام وتقدير هذه الفئات، لما لها من عظيم الأثر فى تحفيز وحشد الناخبين، الأمر الذى يؤثر فى نتائج الانتخابات المحلية، والنيابية، وحتى الرئاسية، وقد شرفت بالإشراف «كقاض» فى الانتخابات الرئاسية الماضية، كما أشرف على الانتخابات المحلية والنيابية الحالية. هذا بالإضافة إلى الجهود الفعالة، التى نبذلها فى عملية التعداد الوطنى للولايات المتحدةالأمريكية، والتى تعقد كل 10 سنوات: United States Census هذا إلى جانب المشاركة فى المؤتمرات والندوات التى تعقدها الجامعات والمراكز البحثية، والتى تشكل عاملًا كبيرًا ورئيسيًا فى صناعة القرار السياسى هنا فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، علمًا بأن مؤسسة الأزهر الشريف - كانت ومازالت - تحظى باحترام وتقدير السواد الأعظم من المسلمين فى العالم، واحترام وتقدير معظم الجامعات والمؤسسات التعليمية العريقة، والتى تهتم بدراسة علوم الأديان، والفلسفة، والاجتماع. رابعًا: مقترحات عملية بناءً على كل ما سبق فإنى أتشرف باقتراح ما يلى: -1 إشراك المزيد من الشخصيات المصرية الوطنية بالمهجر فى عملية الحوار الوطنى، والإصلاحى الذى تتبناه الإدارة السياسية المصرية. 2- إشراك مؤسسة الأزهر الشريف والكنيسة المصرية، فى عملية التواصل، خصوصًا مع المراكز الإسلامية والكنائس، فكما أن الكنيسة المصرية بإداراتها ومؤسساتها، ومرجعياتها الدينية فى مصر ترتبط ارتباطًا وثيقًا بكل الكنائس القبطية فى المهجر بنجاح كبير، يجب أن يقوم الأزهر بدوره فى الارتباط بالمراكز الإسلامية والمعاهد، والجامعات الإسلامية، التى يشرف عليها خريجو الأزهر من أئمة وعلماء من خريجى الأزهر، مما سيكون له عظيم الأثر على الوطن ومصالحه بشكل عام. 3- ربط الأئمة ومديرى المراكز الإسلامية من خريجى الأزهر بإدارة الأزهر الشريف، للتعاون والتواصل، ونشر تعاليم الدين الإسلامى الوسطى الذى ينبذ العنف ويدعو للمحبة والتعاون على الخير، عن طريق إنشاء أفرع ل«رواق الأزهر والمرصد العالمى للأزهر» فى المهجر، لتدريس ونشر المنهج الإسلامى الأزهرى الوسطى، لمواجهة الأفكار المتطرفة للجماعات الإرهابية، والمساهمة بشكل قوى فى استعادة مصر لدورها القيادى الفريد بين أبناء الجاليات الإسلامية، سواءً العربية أو غير العربية، لإبراز القوى الناعمة لمصر من هذا الجانب. 4 -المناقشة الجادة لأوضاع المصريين فى الخارج والعمل على توفير الحلول المناسبة لمشكلاتهم وتحدياتهم. 5 -تفعيل ومراقبة دور السفارات والقنصليات المصرية، للقيام بدورها اللازم فى لم الشمل، وتوطيد أواصل التعاون والأخوة بين أبناء الجالية «القنصلية العامة فى شيكاغو مثالًا» 6 -العمل على إنشاء قواعد بيانات للشخصيات المصرية الوطنية الناجحة، والتواصل معهم، للاستفادة من خبراتهم العالمية الطويلة فى شتى المجالات بما يعود بالنفع المباشر على الوطن واستكمال مشاريعه الواعدة بأيد مصرية تتوق شوقًا إلى خدمة الوطن، حتى لا نكون «كالعيس فى البيداء يهلكها الظمأ.. والماء فوق ظهورها محمول» 7 -فتح قنوات الحوار مع المستثمرين ورجال الأعمال المصريين، لتقريب وجهات النظر، وتقوية الثقة، لجذب المزيد من الاستثمارات لداخل مصر، بما يعود بالنفع على الوضع الاقتصادى ومواجهة التحديات الاقتصادية التى يمر بها العالم كله ومن ثم مصر. 8 -دعوة الكوادر المصرية فى المهجر للمشاركة فى المؤتمرات والفعاليات التى تدعو لها القيادة السياسية، وتسليط الضوء على النماذج الناجحة منهم فى الإعلام المصرى. 9 -المزيد من الشفافية فى طرح القضايا والتحديات التى تواجه الوطن، والتعاون مع مواطنى المهجر من أجل توضيح وجهات النظر، ونقل الحقيقة، للمجتمع الأمريكى بكل فئاته، الأمر الذى سيكون له عظيم الأثر فى صناعة القرارات الخاص بمصر. 10- نقل التجارب الناجحة فى أمريكا، والمناسبة للمجتمع المصرى، فى مختلف المجالات والخدمات، لتنفيذها فى مصر، بما يحقق المزيد من التقدم الذى سيلمسه المواطن فى فترة قصيرة. وختامًا فإنى أسأل الله تعالى أن يجعل هذه المبادرة لهذا الحوار الوطنى، فاتحة خير لمزيد من المبادرات المخلصة لمشاركة وطنية فاعلة من أجل رفعة وازدهار واستقرار وطننا الغالى مصر. داعيًا المولى سبحانه وتعالى، أن يجمع صفنا، وأن يوحد شملنا، وأن يوفق السيد الرئيس ومن معه من أبناء الوطن البارين لما فيه خير البلاد والعباد، ولمصرنا الغالية الحفظ والرعاية والنماء.