ما كان ليتخيل حتى فى أسوأ كوابيسه أن تنتهى ولايته الأولى ب 6 أشهر متواصلة من المظاهرات المشتعلة فى معظم الولاياتالأمريكية.. وما كان ليتخيل أن يعيش ليلة سوداء حالكة كليلة الأربعاء الماضى إثر اندلاع المظاهرات - بعد حكم محكمة خرج عنصريًا ومعيبًا - تلك الاحتجاجات التى تفجرت فى أكثر من عشر ولايات أبرزها ليس فقط كنتاكى منبع الحدث الحزين، بل فى واشنطن العاصمة وحول البيت الأبيض، حيث علا فيها الصوت واضحًا برحيل الرئيس ومعاقبة الشرطة وإنهاء العنصرية الجاثمة على قلوب السود. وما كان ترامب ليتخيل أن تحدث مثل هذه المظاهرات فى عهده هو وليس فى عهد أوباما حيث كان قتل السود «على ودنه».. وأكبر حتى من هذا العدد الذى تنامى منذ حادثة جورج فلويد على يد وقدم وركبة «ديريك شوفين» أحد أفراد الضباط الجناة الأربعة.. بالطبع ثمة تاريخ من العنصرية قبل ترامب وأوباما، العنصرية التى تحوى وتغلف وتعنى فى مصطلحها الحقيقى: حربًا أهليةً دفينة مختبئة كانت منذ عشرات العقود فى شقوق الحجر وبطون الجبال وفى جزع أشجار الغابات الكثيفة.. وفى قلب كل كاوبوى أبيض حتى الآن.. حتى إن خلع حذاءه الشهير والقبعة واستبدل الحصان بالجيب والشيفروليه.. حربًا أهلية لم ينهها دستور عظيم ولا قتل مارتن لوثر كينج. حادثتان دالتان كانتا إحداهما فى ليلة 4 سبتمبر فى «يوتا» والثانية فى «لويسفيل» بولاية كنتاكى بالأمس، ستَدُلّانك وستُدَلّلِان لك عن حقائق ومعايير وبنود مغايرة فى العرف الأمريكى القادم.. فى الوثيقة العرفية الجديدة التى ستكتبها (كامالا هاريس) نائبة الرئيس القادم.. لو فاز بايدن منذ 6 أشهر وعقب وفاة جورج فلويد خنقا على يد شرطى عنصرى همجى، وأرضُ أمريكا قد أخرجت ما فى جوفها من عفن كان قد أفسد معدتها وجهازها الهضمى والعصبى معًا عقودًا طوال، حتى كانت حادثة موت «ليندين كاميرون» الصبى الأسود المتوحد والمصاب بمرض عقلى نادر: ليندين كاميرون - احفظوا الاسم - ذو ال 13 عامًا قتله 4 من ضباط الشرطة بوابل من رصاص مسدساتهم تم إطلاقه بلا رحمة على غلام أعزل لم يفهم ولم يدرك أوامرهم له بالتوقف وأن يجثو على ركبتيه أرضًا.. 10 رصاصات استقرت فى الكتف والمعدة وأنكل القدم، هكذا، وفى عرض الطريق بالقرب من منزله وبلا سبب وأمام كاميرات المراقبة التى سجلت الحادثة التراجيدية (بكل وجع القلب اللى فيها).. قال الغلام للشرطى الذى قتله قبل أن يموت: (لا أشعر أننى بخير.. أرجوك أخبر أمى أننى أحبها).. عند هذه الكلمات الموجعة خرجت الناس ومعهم عمدة المدينة ومعه رئيس إدارة شرطة المدينة ينددون معًا بالحدث ويقدمون المواساة والندم والاعتذار لوالدة الغلام ولوالده فى مؤتمر صحفى كبير نقلته كل وسائل الإعلام هناك، وبعده يقوم رئيس الشرطة بطرد الضباط الأربعة من وظائفهم نهائيًا وتقديمهم للمحاكمة.. لكن الحادثة هذه خرجت مغايرة تمامًا لنسق القتل الشرطى الإجرامى للمواطنين السود، لذا ستسحب البلد إلى منعطفٍ آخر فى التغيير القادم.. منعطف أكثر إنسانيةً ورحمة.. فقد كانت الحادثة التى أدمت القلوب والمآقى، الحادثة المخجلة لكل جهاز الشرطة والأكثر وجعًا وتراجيدية.. الحادثة التى أجبرت إدارات الشرطة فى ولايات عدة على استخدام مصطلح reform أى إعادة هيكلة السلوك الهمجى. .. الأربعاء الماضى أيضًا كان يوما أمريكيًا دراماتيكيًا عظيمًا متميزًا فى عدد المتظاهرين وفى عدد الولايات المشتعلة بالغصب إثر حكم محكمة لويسفيل بعدم إدانة ثلاثة ضباط من الأربعة - رغم فصلهم جميعًا من الخدمة - الذين قتلوا المواطنة السوداء «برونا تايلور» فى مساء 15 سبتمبر الماضى وهى نائمة فى بيتها بوابل من الرصاص.. ورغم أن مجلس المدينة قد دفع لأهلها ديةً مقدارها 12مليون دولار، إلا أن حكم المحكمة أغضب وأخرج الناس من جديد للشوارع «فى أنصاص الليالى» فكان أن تم إعلان حالة الطوارئ لمدة 72 ساعة منذ التاسعة مساء الأربعاء وتم إغلاق المدينة ومنع السيارات من السير وتم زرع حواجز حديدية خوفًا من المتظاهرين الذين أطلقوا النار على أفراد الشرطة وأصابوا منهم عددًا ليس قليلا وأحرقوا سياراتهم.. وما زالوا فى الشوارع لم يبرحوها فى كل الولايات حتى نيويورك بالقرب من مبنى الأممالمتحدة الذى يشهد انعقاد دورته السنوية الجديدة والذى يصدر قرارات تدين أمم الدنيا كلها إلا الأمة التى تأويه فى أرقى أحيائها وشوارعها بمانهاتن. و«ألو يا أمم متحدة» ملحوظة: ولا تنسى أن ثمة مصطلح غريب - منذ مقتل جورج فلويد - صار صاخبًا صارخًا فى الأذن الأمريكية ذات السمات الرأسمالية الهوتدوجية والهامبورجية.. مصطلح الأنتيفا - وهى جماعة ضد اليمين العنصرى - التى انطلق أفرادها فى الشوارع الأمريكية وكانوا قد أزعجوا الرئيس الحالى ونائبه العام ويليام بار.. الأنتيفا الشيوعية فى الإمبراطورية الرأسمالية المتوحشة؟؟ إيشى خيال!! - لكنهم جميعًا أمريكان المواطنة والهوى - المناهضون للرأسمالية والنازية والرأسمالية والنيوليبرالية كمان.