دائمًا كان الفضول للمغامرة دافعًا للوصول إلى طرُق لا نهاية لها.. ما جعل مصممى ألعاب ال«دارك ويب» يستخدمون تلك الطاقة لدى الشباب وتوظيفها بما يخدم أهدافهم.. ساعتها يصبح القتل مجرد مستوى.. يريد اللاعب تجاوزه للانتقال للمرحلة التالية.. ربما تكون وصفة تقليدية.. لكنها لم تفشل رُغم تكرارها. انتشر مؤخرًا على مواقع التواصل الاجتماعى، فيديو لمجموعة أصدقاء عثروا على جثة مقطعة، داخل شنطة، على أحد شواطئ مدينة سياتل الأمريكية، بعد أن قادهم تطبيق «راندونوتيكا» لتلك الحقيبة، وبَعد إبلاغهم للشرطة، تم العثور على عدة حقائب أخرى مشابهة. تلك الواقعة جعلت المتابعين على السوشيال ميديا يعقدون المقارنات بين التطبيق الجديد، الذى انتشر بسرعة فى أمريكا، ولعبة الفيل الأزرق، التى أودت بحياة الكثير من الشباب بدافع الفضول، ورُغم تشابه الفكرتين؛ فإن اللعبة الجديدة تختلف كثيرًا فى طرُق جذب رُوّادها، وحتى طريقة اللعب. الوهم الجميل تعتمد لعبة «راندونوتيكا» على استخدام إحداثيات نظام الملاحة GPS بدافع المغامرة، وتتحدد وجهة اللاعب من خلال نواياه ورغباته؛ إذْ يختار اللاعبُ فى البداية بين خوض مغامرة تخدم الخير أو الشر، فنجد أن هناك من يحكى كيف قاده التطبيق إلى كلب ودود فى الصحراء، بينما ذكر يوتيوبر يدعى «جوش يوزورا» أن التطبيق أرسله إلى مسرح جريمة قتل، فيما كان شخصٌ آخر يشعر بالاكتئاب ذهب إلى منزل مهجور به مشنقة مُعَلقة بالسقف، وفى حين يرى الكثيرون أن اللعبة تتحكم بمصائر البشر؛ يرى البعضُ أنه ربما أنت من ضغطت على الزر الخاطئ من البداية. المقامرة التى يخوضها المرءُ مع راندونوتيكا، تُدعى توجيه «نوايا» المستخدمين لإنتاج إحداثيات قريبة للاستكشاف.. أو كما يروج له موقع التطبيق أن هذا هو ما يحدث عندما يلتقى قانون الجذب بقانون ال«جيوكاشينج»، فيظن اللاعبُ أن رغبته هى التى تحدد الإحداثيات التى يحددها التطبيق. ومنذ انطلاق «راندونوتيكا» فى فبراير الماضى، تم إرسال المستخدمين للعديد من الأماكن المجهولة، كمواقف السيارات والمراعى، فضلًا عن المسطحات المائية، لكن تبقى القصص المثيرة والمخيفة- التى يشاركها المستخدمون على مواقع الاجتماعى- هى السبب وراء شهرة التطبيق؛ لأنها تثير فضول الشباب لاستخدام اللعبة.
كيف بدأت «راندونوتيكا»؟ ترجع البداية إلى مجموعة مطورين هدفهم ضمان عشوائية الأرقام فى عمليات الرهانات الإلكترونية، من خلال استخدام أكواد برمجة تُدعى «فاتوم»، إذْ عثر جوشوا لينجفيلدر، مؤسّس تطبيق «راندونوتيكا»، على تلك الأكواد، وقرر استخدامَها فى عمليات للاستكشاف العشوائى. ظن «لينجفيلدر» أنه من خلال المغامرات غير المعلوم وجهتها، سيحرر الناس من حقائقهم المحددة مسبقًا ويكسر الروتين اليومى، مستغلّا إمكانية تأثير الناس على النتائج العشوائية بعقولهم، ما دفعه لإطلاق بوت (لاعب وهمى) باسم «راندوناتس» على تطبيق تليجرام؛ لينتج إحداثيات عشوائية، لينشئ بَعد ذلك صفحة على موقع ريديت بها أكثر من 125 ألف مستخدمًا يحكون عن مغامراتهم. تعرفت السيدة أوبورن سالسيدو، الرئيس التنفيذى لشركة بريسلى ميديا، على «راندونوتس» من موقع ريديت، ما دفعها لعرض المساعدة على «لينجفيلدر» فى نشر التطبيق، وفى 24يناير الماضى تم تأسيس شركة راندونتس، فيما انطلقت النسخة التجريبية من التطبيق فى 22فبراير. تم تحميل «راندونوتيكا» أكثر من مليون مَرّة، بسرعة كبيرة، وفقًا لشركة الأبحاث سينسور تور، وفى مقابلة فى يوليو الماضى، وصفه «لينجفيلدر» بأنه «منصة لسرد القصص متعددة الوسائط.. وأن الاستجابة الساحقة لم تفاجئه». طريقة الاستخدام عند الاستخدام الأول، يقدم راندونوتيكا مقدمة موجزة، وبعض النصائح قبل مطالبتك بمشاركة موقعك، بعد ذلك يطلب منك اختيار نوع النقطة التى ترغب فى إنشائها مثل السلام أو الحب والراحة أو الموت وغيرها من تلك الكلمات المطاطة من دون تفسير دقيق لأى شىء آخر، وذلك قبل جلب الإحداثيات بشكل عشوائى، بعد ذلك يفتح المستخدم تلك الإحداثيات على موقع خرائط جوجل لبدء الرحلة. قال «لينجفيلدر» فى فيديو على تطبيق تيك توك فى يونيو، مدافعًا عن تلك اللعبة: «إذا كنت تبحث عن أى نوع من الإجماع العلمى الذى تمت مراجعته من قِبَل المتخصصين، فهذا غير موجود». مشيرًا إلى بحث «دين رادين»، أحد الشخصيات البارزة فى مجال التخاطر، التى تدعم فكرة أن الناس يمكنهم التحكم فى توليد الأرقام العشوائية بأفكارهم، رُغم أن الباحثين فى ذلك المجال أكدوا أن التجربة كانت بعيدة كل البُعد عن كونها قاطعة. اللعبة فى عيون المتخصصين قالت كيسى شوارتز، عالمة الفيزياء التجريبية والأستاذ المساعد فى كلية Ursinus التى راجعت الادعاءات حول «راندونوتيكا»: «يبدو أنهم رأوا نوعًا من الارتباط، لكنهم يعترفون بأنه ضعيف ويحتاج إلى مزيد من البحث المرتبط به». لافتة؛ لأنها تعرف أى نظام كمّى يمكن أن يتأثر بالأفكار البشرية. وفى السياق نفسه، أوضحت ليزا فازيو، الأستاذة المساعدة فى علم النفس فى جامعة فاندربيلت، أن التجارب على صحة تلك الفرضيات تزامنت مع المَيل للبحث عن المعلومات التى تؤكد تلك المعتقدات. ويقول الدكتور دانيل جى روجرز، صاحب مؤشر التضليل العالمى: «لا توجد فيزياء كم هنا، هؤلاء مجرد أشخاص يستخدمون كلمات علمية كبيرة لتبدو وكأنها سحرية، لا يوجد علم حقيقى هنا». أصبح «راندونوتيكا» شائعًا بين شباب الولاياتالمتحدة خلال شهور قليلة، كما ساعد هاشتاج «لا تذهب راندونايتينج» على الترويج بشكل أكبر للعبة بين فئات عمرية مختلفة، انطلاقًا من مبدأ «الممنوع مرغوب دائمًا». ويقول العديد من الأشخاص الذين شاركوا قصصًا حول التطبيق، إنهم حذفوه مباشرة بعد استخدامه؛ حيث نشر «أدريان شافيز» البالغ من العمر 21 عامًا، رحلته إلى شاطئ مشئوم بالقرب من منزله بولاية كاليفورنيا، فى مقطع فيديو على تطبيق تيك توك، قائلًا: «حذفت التطبيق بعد ذلك مباشرة ولم أستخدمه مَرّة أخرى منذ ذلك الحين». أعرب بعض أولياء الأمور عن مخاوفهم بشأن افتقار اللعبة إلى احتياطات السلامة للأطفال، ورُغم أن شروط التطبيق تحدد ضرورة حصول الأطفال على موافقة الوالدين لاستخدامه؛ فإن هذه الموافقة يتم تلقيها عن طريق البريد الإلكترونى، ما يسهل على الصغار تجاوزها. من جانبها، قالت جنى السيد، مديرة مشروع التوعية فى Granite State Children's Alliance: «من الواضح أن المراهقين والصغار يخرجون إلى مناطق غير معلنة فى منتصف الليل من خلال ذلك التطبيق ما يوفر الظروف لأى معتدى يرغب فى إيذائهم». وعلى الجانب الآخر، يقول المسئولون التنفيذيون فى «راندونوتيكا» إنهم لا يفهمون سبب استخدام الأشخاص للتطبيق للبحث عن المخاطر أو الأذى، حيث قالت السيدة سالسيدو فى مقابلة: «لن تخرج فى نزهة وتقول دعنى أفكر فى رؤية الموت ومن ثم نلقى اللوم على راندونوتيكا.. التطبيق لن يكون مسئولًا عن أى سوء سلوك من قِبَل المستخدم». مشيرة لمقطع فيديو منتشر على تيك توك، ادعت فيه مستخدمة عمرها 18 عامًا، أنها اختارت كلمة «الموت»، وعندما وصلت للنقطة التى حددها التطبيق، شاهدت جريمة قتل.