يومًا بعد يوم، يؤكد الرئيس التركى رجب طيب إردوغان أنه رجل مريض لا يزال يعيش فى الحقبة العثمانية.. يريد إحياء الموتى وإعادة زمن السلاطين الغابر.. مصاب بجنون العظمة ومنفصل عن الواقع ويبنى مجدًا زائفًا قائمًا على شعارات وهمية ونهب ثروات الشعوب.. توجه شطر ليبيا بالأساس من أجل نهب بترولها وثرواتها كما فعل فى سوريا فضلًا عن هدفه الأكبر وهو غاز شرق المتوسط، وسعيه للضغط على مصر عبر تحويل حدودها الغربية لنقطة تمركز جديدة للميليشيات الإرهابية.. أبرم اتفاقًا بحريا باطلًا فى 27 نوفمبر من العام الماضى مع حكومة الوفاق الليبية تسيطر بموجبه تركيا على مناطق لا تخضع لها بموجب القانون الدولى.
هنا تجدر الإشارة إلى أن تركيا التى تستهلك كميات هائلة من الطاقة سنويا، وليس لديها موارد كافية، تستورد ما قيمته 50 مليار دولار فى العام الواحد من الطاقة، ورغم عمليات التنقيب التى تقوم بها أنقرة، إلا أن المناطق البحرية التابعة لها لا يوجد بها آبار غاز أو نفط.. فى الوقت نفسه تكتشف مصر حقل ظهر وهو أكبر حقل غاز تم اكتشافه فى البحر الأبيض المتوسط فى العام 2015 من قبل شركة إينى الإيطالية والاحتياطى المؤكد له 30 تريليون قدم مكعب، بجانب ما تنبأت به الأبحاث، وتجارب التنقيب فى شرق البحر المتوسط، من وجود احتياطيات ضخمة من الغاز.. كان ذلك محركًا أساسيًا ليسيل لعاب لصوص الأوطان وفى مقدمتهم اللص إردوغان الذى تحتل بلاده شمال جزيرة قبرص، بل ويحاول «شرعنة» سرقة غاز البحر المتوسط من خلال وضع غير شرعى بالأساس قائم على احتلال أجزاء من الجزيرة القبرصية.
معركة سرت
لا يزال الوضع على الأرض فى ليبيا غير مستقر بسبب مواصلة تركيا فى نقل «المرتزقة» والمقاتلين السوريين إلى ليبيا، من أجل القتال إلى جانب فصائل الوفاق فى وجه الجيش الوطنى الليبى، على الرغم من الإدانات الصادرة من عدة دول، وعلى الرغم من توقيع تركيا اتفاقًا دوليًا يقضى بعدم التدخل فى الشؤون الليبية فى برلين.
وصل الأمر بالغطرسة الأردوغانية إلى تصريح «مخبول إسطنبول» وإظهاره طمعه ورغبته فى السيطرة على مقدارت الشعب الليبى ونهب ثرواته، علنًا، قائلًا: «سندخل سرت ومنطقة الجفرة لوجود آبار النفط، وبعد ذلك ستكون العمليات أكثر سهولة، لكن وجود آبار النفط والغاز يجعل العمليات حساسة».
ورغم التزام الجيش الوطنى الليبى بتعهداته الدولية وقرار وقف إطلاق النار المنبثق عن «إعلان القاهرة»، الذى أكد على وحدة وسلامة الأراضى الليبية واستقلالها واحترام كافة الجهود والمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، والتزام كافة الأطراف بوقف إطلاق النار ابتداء من الثامن من يونيو الجاري، إلا أن الميليشيات الموالية لتركيا والمرتزقة السوريين لا يزالون يحشدون قواتهم للهجوم على تمركزات الجيش قرب مدينة سرت نظرًا للأهمية الاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية لمدينة سرت وموقعها على البحر المتوسط إضافة إلى امتلاكها قاعدتين هامتين جوية وبحرية، وكونها رأس مثلث الأقاليم الليبية الثلاث، حيث تبعد عن الجنوب بطريق 280 كيلومترا إلى ودان ثم الجفرة بوابة الجنوب، ومثلهم تقريبا مع مصراتة غربا وطولا وهى بوابة الهلال النفطى وإقليم برقة بمسافة 120 كيلومترًا فقط.
إذن، السيطرة على سرت تعنى التحكم بمداخل الجنوب والشرق والسيطرة على النفط والغاز حقولا وتصديرا، فضلًا عن كون سرت هى أهم مركز بحرى فى العالم لمبيض الأسماك، إضافة إلى امتلاكها أرض مستوية مسطحة صالحة للزراعة بمساحات شاسعة، ووجود منطقة خليج سرت وما حولها والتى تعتبر من أهم مصائد أسماك التونة فى العالم بسبب دفئ مياه الخليج ما يدفع الأسماك من معظم بحار العالم للهجرة إليه لتحط فيه بيضها، وهنا يجب التأكيد على أن القوى الدولية لن تسمع بإشعال تلك المدينة الليبية على يد «المخبول» أردوغان بسبب وجود العديد من شركات النفط العالمية الكبرى التى تعمل فيها، حيث إن اندلاع حرب شرسة فى هذه المنطقة يعنى وقوع خسائر فى إنتاج وتصدير النفط أو تأثر عملية صيد الأسماك كونها مصدر مهم للأمن الغذائى الأوروبى، خاصة أن كثيرا من السفن الأوروبية تأتى للاصطياد من أمام الشواطئ الليبية.
جرائم حرب
من جهته، أكد المتحدث باسم الجيش الليبى اللواء أحمد المسمارى، أن الميليشيات المدعومة من تركيا ارتكبت جرائم حرب بحق المدنيين، مشيرًا إلى أن تركيا تستغل عضويتها فى حلف الناتو لانتهاك سيادة ليبيا.. كما أكد أن الميليشيات انتهكت حرمة المواطنين، مشيدًا بجهود الليبيين فى مساعدة النازحين فى البلاد.
وطالبت الأممالمتحدة حكومة طرابلس ب«إجراء تحقيق سريع ونزيه» فى جرائم حرب يعتقد أن ميليشيات ليبية ومرتزقة سوريين موالين لأنقرة ارتكبوها فى مدينتى الأصابعة وترهونة غرب البلاد.
تنسيق مع مصر
ومع هذه التطورات السريعة والمتلاحقة على الأرض فى ليبيا يتلقى الرئيس عبد الفتاح السيسى الأحد الماضى اتصالًا هاتفيًا من رئيس الوزراء الإيطالى جوزيبى كونتى.. وصرح المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية بأن الاتصال تناول التباحث حول تطورات القضية الليبية فى ضوء المستجدات الأخيرة، حيث أكد رئيس الوزراء الإيطالى حرصه على تبادل وجهات النظر والرؤى مع الرئيس فى هذا الصدد، خاصةً عقب إطلاق مبادرة «إعلان القاهرة» تحت الرعاية المصرية لحل الأزمة فى ليبيا، والتى تتسق مع الجهود الدولية المتعددة ذات الصلة، وكذلك لما يمثله الدور المصرى من عامل محورى فى هذا الإطار.
وأكد الرئيس السيسى موقف مصر الاستراتيجى الثابت تجاه الأزمة الليبية والمتمثل فى استعادة أركان ومؤسسات الدولة الوطنية الليبية، وإنهاء فوضى انتشار الجماعات الإجرامية والميليشيات الإرهابية، ومنح الأولوية القصوى لتحقيق الاستقرار والأمن للشعب الليبى الشقيق، ووضع حد لحجم التدخلات الخارجية غير المشروعة فى الشأن الليبى التى من شأنها استمرار تفاقم الوضع الحالى الذى يشكل تهديدًا لأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط بأسرها.
وتوافق الجانبان بشأن ضرورة تكثيف التنسيق فى هذا الصدد، مع تأكيد الحرص الكامل على إنهاء الأزمة الليبية عبر التوصل لحل سياسى يمهد الطريق لعودة الأمن والاستقرار فى هذا البلد الشقيق، لا سيما من خلال دعم المساعى الأممية ذات الصلة وكذا تنفيذ مخرجات عملية برلين، إلى جانب رفض أى تدخل خارجى فى هذا الخصوص.
وبعد هذا الاتصال بيومين فقط، وبالتحديد يوم الثلاثاء 9 يونيو الجارى يوقع وزير الخارجية اليونانى نيكوس دندياس ونظيره الإيطالى لويجى دى مايو، على اتفاق حول الحدود البحرية لتعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين البلدين، وأشاد المتحدث باسم الحكومة اليونانية ستيليوس بيتساس، خلال مؤتمر صحفي، بالاتفاقية، ووصفها بأنها تطور له أهمية تاريخية.
تطويق إردوغان
يشمل الاتفاق بين إيطاليا واليونان أن يكون للجزر اليونانية فى البحر المتوسط مناطق اقتصادية خالصة، وهذا يعنى قطع الطريق على الرئيس التركى رجب طيب إردوغان الذى حاول ابتلاع مناطق هذه الجزر فى الاتفاق الذى أبرمه مع رئيس حكومة الوفاق فى طرابلس الليبية، لإنشاء منطقة اقتصادية خالصة تمتد من ساحل تركيا الجنوبى على المتوسط إلى الساحل الشمالى الشرقى الليبى.. أى أن هذه الاتفاقية تؤكد يونانية الجزر فى المناطق البحرية التى تخضع لسيادة اليونان كما يكتسب هذا الأمر أهمية بالنسبة إلى أثينا التى تواجه أنقرة الطامعة فى حقول النفط بالمنطقة، خصوصًا حق قبرص فى القيام بأى عملية استكشاف للموارد النفطية فى المنطقة الاقتصادية الخالصة القبرصية.
وقال وزير الخارجية اليونانى، عقب التوقيع، إن الاتفاقية المبرمة مع إيطاليا التزمت بمبادئ القانون الدولى للبحار واتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار التى أبرمت عام 1982. وأوضح أن الاتفاقية تظهر أن أثينا تبنى علاقات تعاون بين دول البحر المتوسط التى تحترم الوضع الراهن والقانون الدولي، كما تبنى علاقات مع الدول التى تدين السلوك التركى فى شرق المتوسط، مثل مصر وقبرص وفرنسا.
ولفت إلى أن «الاتفاقية تسعى لكبح جماح أنقرة، التى أصبحت عدوانية فى عهد إردوغان المتغطرس بشكل متزايد»، مشيرا إلى سلوك تركيا التى تحاول فى السنوات الأخيرة إلغاء معاهدات دولية وتوسعت بشكل علنى فى تدخلاتها العسكرية، ودعمت جماعات إرهابية.
وبطول ساحل شرق المتوسط تمتد عملية تطويق اللص إردوغان التى رسمت القاهرة ملامحها، حيث أعلنت وكالة «نوفا» الإيطالية، إن وزير الخارجية اليونانى نيكوس دندياس، يزور القاهرة فى 18 يونيو الجاري، لتوقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع مصر.