من المفترض أن يتعلم الأذكياء من الأزمات التى يتعرضون لها حتى لا يكرروا أخطاءهم مرة أخرى، من هنا جاءنا التساؤل: هل سيتعلم صناع الدراما شيئًا مفيدًا من أزمة «كورونا» التى أصابت العالم كله بشلل مؤقت لا نعرف متى سينتهى، وهذا ما أدى بالضرورة إلى إبادة الموسم الدرامى الرمضانى المنتظر بعد أيام؟. والسبب أن صناع المسلسلات - وفقًا لمنهجهم الخاص والمتبع منذ سنين - بدأوا التجهيز لأعمالهم فى وقت متأخر جدًا على اعتبار أن يستمر التصوير والمونتاج والعرض فى ذات التوقيت كما هو معتاد، فكانت النتيجة عدم اكتمال أى عمل كان من المنتظر عرضه فى ذاك الموسم. هل يتعلم صناع الدراما شيئًا من تلك الأزمة؟ توجهنا بهذا السؤال لبعض صناع الدراما فى محاولة لمعرفة ما من الممكن أن يحدث فى الأعوام المقبلة.
فى البداية تحدث إلينا المنتج «ريمون مقار» قائلًا: «معظم المسلسلات كانت تسير فى طريقها السليم بالنسبة للمدة الزمنية التى تسبق التصوير، ففيروس كورونا ظهر فى منتصف شهر فبراير أى قبل موسم رمضان بحوالى شهرين، وهى مدة كافية كان من المفترض أن ينتهى فيها التصوير، لأننا نتحدث عن حوالى ألف مشهد تتم كتابتها ثم مراجعتها لأن أهم فصل فى المنظومة هو «الورق» الذى يكون السبب الرئيسى فى التأخير لأن الكتابة تستغرق من ثلاثة إلى أربعة أشهر فإذا بدأ المؤلف فى الكتابة بعد العيد لن ينتهى المسلسل بكل تحضيراته إلا قبل رمضان مباشرة، لأننا نتحدث عن 20 ساعة دراما وكى نتلافى التأخير لا بد أن نجهز الكتابة قبل كل موسم بعام أى أن نبدأ التصوير بعد عيد الفطر».
وعن الفكرة المأخوذة حول كون المنتج هو الذى يعطل تصوير المسلسلات قال: «هذا الكلام غير صحيح، فعملية بيع المسلسل تتم أثناء التصوير حيث إن القنوات لا تشترى ورقًا، فالبيع أو الشراء يبدأ مع التصوير لأنه الدليل على جدية المشروع من عدمه، وإن كان يحدث أحيانًا أن يكون لبعض المنتجين مستحقات بالملايين من القنوات وهو ما يتسبب فى تعطيل البدء فى المشروع الجديد لأن المنتج فى النهاية رجل أعمال، لديه دورة رأس مال. وبشكل عام هناك مجموعة عوامل تؤدى لأزمة تعطيل التصوير منها تأخر المستحقات والكتابة واختيار فريق العمل بداية من الفنانين الذين من الممكن أن يعدلوا فى الأدوار ويقبلوا أو يرفضوا، ثم الفنيين والمخرج. حيث إن هناك ما بين 30 أو 40 فنانًا وتقريبًا 200 فنى وراء الكاميرا. ف«الشغلانة» نفسها كبيرة وإنتاج المسلسلات ليس بالشىء الهين. والمنظومة كانت تسير فى تناسق مع الوقت حتى جاء هذا الحدث غير المتوقع، ولا يوجد شخص فى المجال يستطيع أن ينتهى من مسلسله قبل العرض بشهرين. وبالمناسبة هذا الأمر ليس بالجديد ولا الغريب على الدراما المصرية كما يدعى البعض بأنه «زمان» كان أفضل وكان المسلسل يتم الانتهاء منه مبكرًا، فأعظم المسلسلات كانت تصور على الهواء مثل (دموع فى عيون وقحة ورأفت الهجان) وكان كل من الفنان «عادل إمام ومحمود عبدالعزيز» يتواجد فى الاستديوهات بالأيام وقد قال لى ذلك الفنان «محمود عبدالعزيز» نفسه، بأنهم كانوا يواصلون التصوير بالأسابيع، ينامون فيه ثلاث أو أربع ساعات يوميًا. وفى إحدى السنوات قدمت أول حلقتين من الفوازير من دون تيتر لأن المخرج الكبير «فهمى عبدالحميد» لم يكن قد انتهى منه بعد.. فى النهاية أظن أن أهم الدروس المستفادة من كورونا هى مراجعة الناس لأنفسهم وتقربهم إلى الله عز وجل».
فى حين كان للمنتج «ممدوح شاهين» رأي آخر حيث قال: «هاتولنا الفلوس الموجودة عند القنوات، فأنا واحد من المنتجين الذين لديهم مستحقات أكثر من 100 مليون جنيه، والمنتجون لهم 480 مليون جنيه فكيف سينتجون؟ وهناك من خرج من المنظومة بأكملها لعدم توافر رأس مال للإنتاج، فالمنتج يعتمد على دورة رأس المال لكى يستعد لإنتاج الجديد فكيف ينتج المنتجون دون نقود؟ ومن هنا يكون المنتج دائمًا فى محك لأن عليه أن يبدأ من نقطة الصفر».
ويتابع: «عندما كان الإنتاج فى يد الدولة كانت تقوم بتكليف منتج منفذ مثلى أو مثل غيرى وكان الإنتاج يتم فى مواعيد محددة ومبكرًا لاكتمال رأس المال الإنتاجى لكن الآن معظم النقود «محبوسة» فى القنوات ولا يوجد منتجون غير منتج واحد، فأين المنتج «هشام شعبان وصفوت غطاس ومحمد فوزى وطارق الجناينى» وغيرهم كثيرون؟».
ومن جانبه قال المؤلف «أيمن سلامة»: «أتمنى من صناع الدراما والقنوات والمنتجين أن يضعوا خريطتهم الخاصة بموسم رمضان مبكرًا، وأن يتم الاتفاق على المسلسلات بشكل واضح منذ البداية وأن نستفيد من هذه الأزمة التى لا نعرف ما هى الحلول التى ستنتهى بها. وللأسف بعد شهر رمضان نجد جميع من فى الصناعة يسافرون فى إجازات ويطالبون بوقف العمل إلى ما بعد عيد الأضحى ثم بعدها يتم التأجيل إلى شهر أكتوبر وكالعادة نبدأ قبل رمضان بفترة قصيرة جدًا لأننا فى انتظار عودة النجوم من إجازتهم وموافقتهم أو اختيارهم للورق والقصة وبعدها نبدأ فى الكتابة وأثناء الكتابة يتم الاتفاق مع نجوم آخرين ثم نبدأ فى تغيير الورق من أجل النجم الجديد. لذلك أتمنى أن نستفيد من أزمة الكورونا أو غيرها فى أن نبدأ فى الوقت المناسب ويكون الاتفاق مع المؤلفين والنجوم وباقى فريق العمل مبكرًا، فنحن غير راضين عن فكرة العمل تحت ضغط وخروج المَشاهد «على الهواء» لأنه شىء غير صحى للصناعة فبعد أن يكتب المؤلف المشهد ويتم تصويره فى أحيان كثيرة يلوم نفسه لأنه كان فى استطاعته تقديمه بشكل أفضل. المشكلة ليست عند المؤلف، فهل كلفنا أحد ولم نكتب؟ فالمنتج يقوم بالاتفاق مع النجم أولًا ثم يختار هذا النجم الورق المتمثل فى المؤلف وبعدها باقى الخطوات».
وأكد «سلامة» أن المنظومة تبدأ من المنتج الذى يكون فى نفس الوقت هو الآخر مظلومًا لأنه ينتظر شركات الإعلانات والقنوات والتسويق والنجوم المترددين فى اختيار الأدوار التى سيقدمونها فى كل عام.
فى النهاية أضاف الناقد «نادر عدلى» رأيًا صادمًا حيث قال: «أنا متأكد من أن تصوير بعض المسلسلات لا يزال قائمًا ولم يتوقف. وبالتالى لن تحدث أزمة. وفكرة التصوير «على الهواء» متواجدة منذ سنين طويلة ربما تزيد على ثلاثين عامًا، لأن نفس المجموعة الموجودة فى سوق العمل لا تتغير فقط «يقلبوا الجلبية فستان والفستان بدلة» وهكذا، بنفس النظام ونفس التوقيتات السنوية. بالإضافة إلى ذلك أظن أن هناك رغبة من قبل الشركة المتحكمة فى السوق الآن، ألا يزيد عدد المسلسلات على عشرين على أقصى تقدير. وهى الأعمال التى تم الإعداد لها مبكرًا، وإذا تفاقمت الأزمة سيكون هناك حوالى سبعة أو ثمانية مسلسلات جاهزة للعرض. والسؤال المهم هنا هو كيفية توزيع هذه المسلسلات بين القنوات؟. أعتقد أن فكرة المسلسل الحصرى ستختفى وأعتقد أن الدروس المستفادة من هذه الأزمة هى أن الاحتكار نقمة لا بد من الخروج منها حتى تتزن السوق من جديد».