مقر صغير حافل بالديكورات التراثية، جمع أكثر من 100 فرد من ذوى القدرات الخاصة الموهوبين فى عالم موازٍ، جاءوا بصحبة أمهاتهم من كل حدب وصوب، جمعهم هدف واحد وحلم مشترك، ليثبتوا للعالم أنهم قادرون على فعل المستحيل، كل منهم يتفرد بموهبة خاصة فى العديد من المجالات. الدمج كان الهدف الأول لمبادرة «عالم موازى» التى انطلقت منذ شهرين، على يد 4 من المؤسسين من بينهم أصم، إضافة إلى تقديم أعمال فنية وكليبات تعبر عن حياتهم وتسرد قصصهم.. «روزاليوسف» زارت مقر «المبادرة» بمدينة نصر والتقت المؤسسين ومجموعة من ذوى القدرات الخاصة.
مؤسس المبادرة
«محمد الأنصارى» 31 عامًا، المؤسس الأول لمبادرة «عالم موازى» بعدما حصل على بكالوريوس هندسة معمارية، كان شغوفًا بالميديا والتمثيل، لذا أنشأ شركة للإنتاج الفنى منذ عامين بجانب عمله فى الهندسة، بدأ بالإنتاج الذاتى: «مدرستش إخراج كنت بنزل مساعد مخرج أو مخرج منفذ بس حبيت الإخراج وقررت أركز فيه، بس فى الأساس كان هدفى التمثيل وشاركت فى مسلسل سلسال الدم». فى عام 2016، أنتج الشاب الثلاثينى أول كليب دينى له فى رمضان على مواقع التواصل الاجتماعى وكانت مدته دقيقتين ونصف: «اسمه مكنتش صدفة، نزلته على فيس بوك، تانى يوم وصل ل 50 ألف مشاهدة، ونزل على كذا قناة، ودلوقت وصل ل 80 مليون مشاهدة، وإيطاليا خدته، واترجم بالإيطالى، وكان بينزل فى المساجد، مكنش فيه أى مقابل مادى بس الدعم النفسى كان أهم بالنسبالى». مسيرة «محمد» استمرت وأنتج العديد من الأعمال منها «فرصة» عام 2017، و«نقطة بداية» فى 2018، وفى 2019 اتجه لدعم المؤسسات الخيرية غير القادرة على عمل إعلانات خاصة بها من خلال «رسالة محبة»: «كانت مشاهد درامية وفى آخرها إعلان مجانى للمؤسسات نحط اسم الجمعية ورقم الحساب البنكى». مضت الأشهر إلى أن أنتج كليب «كلنا وياك» مع نجمة ذا فويس كيدز «أشرقت» و«الجوكر» مغنى الراب: «الكليب كان موجهًا لذوى القدرات الخاصة، ونزل إهداء قناة مزيكا وجاب نص مليون مشاهدة، ومكسبى منه كان الولاد». سر المبادرة فكرة «عالم موازى» جاءت إلى «محمد» من موقف تعرض له بعد انتهاء الكليب: «بنوتة داون اسمها نيرة قالتلى، إحنا خلصنا تصوير فين مرتبى، الكلمة كانت كبيرة أوى عندى، لإنهم تعبوا ومكنش فيه مقابل مادى، قولتلها والله فى يوم من الأيام مرتبك هيبقى من عندى، فضلت الفكرة ملازمانى، فى منهم مواهب كويسة جدًا، واللى مش موهوبين بيتأسسوا فى حاجات وبيثبتوا نفسهم فيها، إحنا 4 أسسنا الفكرة ورامز عباس أصم كان الوحيد فينا من ذوى القدرات، ومعايا إبراهيم محمود، وأحمد الدسوقى ممثل ومخرج مسرحى». سبب تسمية المبادرة ب«عالم موازى» هو أن الكثيرين لا يعرفون شيئًا عن عالم ذوى القدرات الخاصة، والهدف الأساسى منها تحقيق الدمج: «رامز صاحب الفكرة، قالى ليه متعملش فن للأولاد، لقيت الموضوع صح وحبيته، قولت لما هعمل فرصة لغيرى، فرصتى هتيجى، هنعمل برامج مواهب وأفلام عن حياتهم ومسلسلات فيها دمج، صديقى إبراهيم ومؤسس المبادرة معانا ساعدنى كتير».. انطلقت «عالم موازى» منذ شهرين، كمبادرة فنية لذوى القدرات الخاصة، دون أن تندرج تحت اسم أى مؤسسة أو جمعية خيرية: «بنحضر لأول إيفنت، هيتعرض فيه أول فيلم هما أبطاله، وفيديو كليب، اسمهم عالم موازى، والإيفنت فيه كل المواهب وكل واحد هيقدم فقرة، أعمار الموجودين فى المبادرة من 3 سنين ل40 سنة، همنا نسعدهم بدون أى ربح». بلغ عدد ذوى القدرات الخاصة المشاركين فى المبادرة 100 فرد، متعددى المواهب والإعاقات: «هنعمل كورسات رسم وتمثيل عشان نساعدهم يعرفوا مواهبهم، وهنعمل سلسلة فيديوهات توعية على السوشيال ميديا هيتكلم فيه دكاترة لتوعية الأمهات والأسر».
غير هادفة للربح
«إبراهيم محمود» 35 سنة، صاحب شركة استيراد وتصدير، المؤسس الثانى للمبادرة، يقول: «حبيت أخوض التجربة عشان الأولاد، بنعمل ده عشان خاطر ربنا مش هدفنا ربح، أنا مبسوط جدًا وأول مرة اتعامل معاهم، بيتعاملوا بقلبهم وطبيعتهم». أما «رامز عباس» 34 عامًا، فهو الوحيد من ذوى القدرات الخاصة من بين المؤسسين، ورغم أنه أصم فإنه يجيد لغة الشفايف، يعمل بإدارة الإعلام والعلاقات العامة بالمجلس القومى لذوى الإعاقة يقول: «دورى يتمحور فى الأفكار المختلفة وجمع داتا للإعلام والأشخاص ذوى القدرات الخاصة باعتبارى أحدهم». يؤكد «رامز» أن اختياره للنماذج التى تمثل «عالم موازى» جاء من معايشتهم فى بعض الفاعليات ومواقع التواصل الاجتماعى.
عازفة الفلوت ترتدى الزى الأزرق الخاص بمعهد «الكونسرفتوار» وتحمل «الفلوت»، تجلس فى أحد أركان مقر المبادرة ب«مدينة نصر» بصحبة والدتها، تبدو على وجهها علامات التحدى، فقد شاءت الأقدار أن تكون أول داون سندروم تعزف على آلة الفلوت، بعدما التحقت بالمعهد العالى للفنون الموسيقية، اكتشفت والدة «نيرة عصام» 16 عامًا، أن ابنتها لها أذن موسيقية منذ نعومة أظافرها، حينما وجدتها ترقص على صوت الأذان. تقول «عليا حامد» والدة «نيرة»: «لما كانت بترقص على صوت الأذان، عرفت إن ودنها لقطت مقام حجازى، استنيت لحد لما وصلت 6 سنوات وبدأت أتجه للموسيقى، هى فى مدارس تجريبى لغات، بدأت تاخد كورسات فى المزيكا، درست البدايات، راحت الأوبرا وخدت كورسات، قدمت لها فى المعهد واترفضنا أول وتانى سنة، تالت سنة دخلت والحمد لله». تدرس «نيرة» بقسم النفخ والإيقاع بالمعهد، ولأن آلة «الفلوت» تعتمد على النفس الطويل، طلبت أستاذتها بالمعهد من والدتها أن تدربها السباحة: «ومكنش فارق معايا إنها تدخل بطولات لأن تركيزى الأساسى على الموسيقى، ومع ذلك خدت بطولات فى السباحة والفروسية، سافرت بطولة العالم مرتين، البطولة الإقليمية فى الإمارات 2018، وبطولة العالم 2019». مضت 5 سنوات على مشوار «نيرة» فى الموسيقى و3 أعوام فى الرياضة: «بتلعب باسكيت وخدت بطولات فضة ودهب، وفى كأس مصر خدت المركز التانى، وبتشترك فى عروض مسرحية فى مسرح الشمس، نفسها تبقى عازفة مشهورة، وتسافر بطولة العالم 2023 فى الفروسية فى ألمانيا»، تعزف نيرة صولو دائمًا، وكانت أولى حفلاتها عام 2015، بحضور الوزراء، وشاركت فى 3 حفلات بالأوبرا، وحفل ذوى القدرات الخاصة التى حضرها الرئيس عبدالفتاح السيسى.
مغنية الأوبرا «مها ندا» أستاذ مساعد مخ وأعصاب بجامعة عين شمس جلست بجوار صغيرتها «فرح محمد»، 16 عامًا، فبعد أن أنهت يومها الدراسى اتجهت صوب مقر مبادرة «عالم موازى»، فقد التحقت فرح هذا العام بقسم «الفويس» بمعهد «الكونسرفتوار»، وكانت الأولى على مدرستها فى الإعدادية وهى الآن طالبة بالصف الأولى الثانوى، تقول والدتها: «هى متعددة الإعاقة، عندها رعشة فى الأطراف وصعوبة فى الاتزان، وسمات توحد، وتأخر فى الكلام، لاحظت أنها كانت حافظة الإعلانات بالترتيب وبتغنى معاهم، وبتغنى الإعلان قبل ما ييجى، لاحظت إن ودنها موسيقية، اتعلمت الكلام بالغناء، كل حاجة بالغناء، بغنى ليها كل حاجة بتذاكرها لو سألتها على حاجة ذاكرتها من سنتين بتكون فكراها». تؤكد والدتها أنها التحقت بكورال الأوبرا وأصبح لها فقرة تغنى فيها فى الحفلات: «الدكتورة قالت طبقة صوتها حلوة، وودنها موسيقية صح، بتغنى أغنية أو 2 فى الحفلات»، لم تقتصر اهتمامات «فرح» على الموسيقى والغناء فقط، فقد اتجهت إلى السباحة وحصلت على العديد من الميداليات فيها: «دخلت سنتين بطولة جمهورية جابت مركز تالت، إعاقة مركبة السنة دى جابت مركز تانى، خدت ميدالية فضية فى كأس مصر». ومشيرة إلى أنها تتميز فى الغناء الغربى، حيث تغنى باللغة الإنجليزية والإيطالية، وتهتم بالغناء العربى أيضًا لاسيما أغانى ليلى مراد، وشادية، وعبدالحليم حافظ وفيروز، وتضيف: «غنت «فيها حاجة حلوة وأنا قلبى دليلى» فى الأوبرا، احتفالية وزارة الثقافة فى 23 يوليو غنت: «يا أغلى اسم فى الوجود». صاحب ال 5 لغات يرتدى زيًا أبيض ونظارة، هيئته أكبر من عمره، طويل القامة وعريض، يبدو للوهلة الأولى طفلاً طبيعيًا، يقضى معظم أوقاته على الإنترنت ليتعلم، إنه «مصطفى سيد» 14 عامًا، مصاب بالتوحد، لكنه تميز فى عدة مجالات كانت اللغات أبرزها، تقول والدته «هيام عبدالخالق»: «وهو عنده 6 شهور وديته مستشفى السمع والكلام قالوا لى إن عنده أوتيزم، بيحب الرسم والرقص والاستعراض، عمل استعراض «صغيرة على الحب» و«الأقصر بلدنا».. اكتشفت والدة «مصطفى» موهبته فى الرسم وعمره 10 أعوام، وحصل على شهادات تقدير لتميزه فى أعماله: «مرة قولتله يلا نرسم، قالى نرسم مصطفى، قولت له آه لقيته رسم نفسه بالنضارة بالظبط، وفى مسابقة المواهب الذهبية غنى أغنية «أنا ابن مصر»، عاملين فرقة الأقصر وأسوان مع أصحابه وبيقدم فيها عروض، بيلعب كرة سلة، وخد فيها ميداليات، وبيلعب ألعاب قوى وجرى». يقضى «مصطفى» وقته أمام الإنترنت، فى تعلم اللغات، حيث تعلم الإنجليزية واليابانية والألمانية والفرنسية والصينية: «لما كنت بكلمه كان بيرد عليَّ بالإنجليزى، بعدها اكتشفت إنه عنده خلفيات عن 5 لغات وقدر يتعلمهم، وبيروح المدرسة على الامتحانات بس لأن عنده فرط حركة».
بطلة التنس اتخذت «لوجين محمد»، 20 عامًا، اتجاهًا آخر، فكانت الدراسة هدفها الأول، فكانت أول طالبة دمج من متلازمة داون فى حلوان، تقول والدتها: «قدمت ليها فى كل مدارس مصر ومفيش مدرسة رضيت تقبلها، لحد ما اتقبلت فى مدرسة جنب البيت فى حلوان، خدت كل مراحل التعليم دمج». تدرس «لوجين» بقسم المكتبات، كلية الآداب جامعة حلوان، وهى ضمن كورال ذوى الاحتياجات الخاصة بكلية التربية الموسيقية، جامعة حلوان: «بتحب الغنا والرقص وبدأت فيه من شهرين ونص»، وتؤكد والدتها أنها التحقت بالتنس منذ 4 أعوام، ثم رياضة البولينج وتلعب على آلتى الرق والمراكش: «خدت بطولات فى التنس، تانى جمهورية، وتانى جمهورية فضة للبولينج، وبتلعب عشان تعيش مش عشان البطولات لأنها كانت مركزة على المذاكرة، وكمان بتلعب سباحة وبتروح الجيم مع أصحابها». درست والدة «لوجين» الطب البيطرى، لكنها اختارت أن تكرس اهتمامها للتربية الخاصة منذ أن كانت ابنتها بعمر 3 أشهر: «خدت كورسات ودرست فى مراكز، كنت باخد الكورسات الخاصة بكل مرحلة هى بتمر بيها وكنت بدربها تخاطب وتنمية مهارات وعلاج طبيعى، خدت دورة موسيقى وتصنيع الألعاب لذوى الاحتياجات الخاصة، ووصلت لمستوى كويس، وفتحت مركز لذوى الاحتياجات الخاصة عشان أساعد الأمهات للتعامل مع أولادهم».
مدرب كاراتيه هناء عبدالله اكتشفت أن طفلها يعانى من ضعف السمع وعمره عامان ونصف العام، صدمت فى بادئ الأمر، لكنها تعايشت مع الوضع وألحقته بجلسات التخاطب، ف«مروان عبده» 16 عامًا، واجه صعوبة فى تحديد هدفه: «جربته فى رياضات كتير، أقصى لعبة 3 شهور وكنت بقعده، مروان مدخلش بطولة فى الكاراتيه إلا وخد مركز أول خد جمهورية 4 سنين، لقى نفسه فى الكاراتيه، الناس حبوه وهو حبهم وحب الرياضة، وحلمه يدخل فى مجال التحكيم»، مشيرة إلى أنه حصل على دورة تدريبية وصار من خلالها أول مساعد مدرب كاراتيه من ذوى الإعاقة السمعية».
شبيهة السندريلا «حلا أشرف» 13 سنة، تنتمى لأسرة جميعها من ضعاف السمع باستثناء شقيقها الأصغر«أحمد» الذى يتحدث بطلاقة ويتولى ترجمة لغة الإشارة أثناء حديثهم دائمًا، يقول: «هى فى 2 إعدادى، بدأت تمثيل وعندها 9 سنين، المدرسة اختارتها عشان تطلع فى حفلة قدام الرئيس فى مؤتمر شرم الشيخ فى 2018»، مؤكدًا أن الجميع يشبهها بالراحلة «سعاد حسنى»: «هى بتمثل وبتغنى بالإشارة، غنت أغنية «تحيا مصر، وأيوه أقدر» قدام الرئيس، ونفسها تمثل فى أفلام قصيرة وطويلة، وتكون زى سعاد حسنى وعلى ربيع لأنها بتحب الكوميديا».