تكونت في نفسي كلكيعة بحجم البطيخة.. وأنا أري نصف من أعرفهم وقد انضموا إلي لجان الحكماء.. والواحد منهم يظهر علي شاشة التليفزيون يؤكد بتواضع زائف.. أنه خارج لتوه من لقاء مع نائب الرئيس أو رئيس الوزراء.. ثم يتكلم في الموضوع.. ويفتي في الأزمة.. فإذا ما يقول يدخل في باب العجائب والطرائف! والموضة الآن هي الحديث باسم المعتصمين في ميدان التحرير.. والتفاوض نيابة عنهم.. مع أن المعتصمين أعلنوا بوضوح أنهم يعدون قائمة سوداء للأحزاب القافزة علي الثورة.. ولبعض النشطاء السياسيين.. لمحاولة تصوير أنفسهم علي اعتبار أنهم قادة للميدان.. مع أن ذلك يدخل بوضوح في باب الانتهازية والتوظيف السياسي المرفوض لثورة المصريين. هي محاولة لركوب الموجة إذن.. مع أن بعض من يتحدث باسم شباب ميدان التحرير الآن قد وصفهم بالأمس بأنهم «شوية» عيال.. لكن الرياح أتت بما لم يشته هؤلاء.. فقفزوا إلي مراكب الثوار.. وراحوا يدبجون البيانات تتحدث باسمهم!! نسمع الواحد منهم في التليفزيون.. فيؤكد لنا نحن المشاهدين أنه قادم لتوه من ميدان التحرير.. حيث نصح الشباب بكذا وكذا.. ولا ينسي أن يهتف بلوعة أمام الشاشة أنه يقبل الأرض تحت أقدام الشباب صناع الحرية.. ثم يختتم الوصلة بالهجوم علي البرادعي.. وكأنها الفقرة المقررة والموحدة في معظم البرامج المؤيدة والمعارضة.. والمسألة مفهومة طبعا.. لأن العديد من القوي السياسية علي الساحة تخشي البرادعي وتقلل من حجم إنجازه.. وللأمانة فإن البرادعي هو أول من دعا إلي العصيان المدني.. وأول من طالب بمسيرات الشوارع.. وأول من دعا للخروج في مظاهرات مليونية.. لكن القوي التي تريد خطف الثمرة تحاول إبعاد البرادعي عن الصورة.. بتجاهل دوره وتحجيم ما قام به!! وصاحبك الذي يتحمس بشدة للثورة والثوار.. فيدبج المقالات ويكتب الأشعار الحماسية وقصائد الغزل العفيف في وصف محاسن الثورة.. مع أنه ابن بار للنظام الذي يطالب الثوار بتغييره.. وقد استفاد في الماضي وكسب وتكسب وكتب المقالات والقصائد المزوقة.. لكنه أكل العيش والعياذ بالله.. الذي يحب الخفية واللعب علي الحبال والرقص في الموالد.. وفتح عينك تاكل مانجه..!! وفي الحقيقة إنني مغتاظ جدا من حكاية أن الثورة هي ثورة الشباب.. لأننا - العواجيز - شاركنا فيها ولم نكن مجرد كومبارس.. تحملنا الأذي والعنت وإذا كان الشباب قد خرجوا اليوم.. فإن العواجيز مهدوا لها بالأمس.. بالكتابات والحوارات والمظاهرات.. ولهذا من الظلم أن تستبعد العواجيز لمجرد أنهم عواجيز. صحيح أن الشباب هم الوقود والمحرك.. ولكن هكذا الثورات في كل الدنيا وعلي مر العصور.. الشاب يمسك المدفع ويواجه الرصاص.. والعجوز يمسك بالفأس ويدير المصانع والمحركات.. وفي النهاية الثورة تنسب للمجتمع كله.. مع تقديري للأبناء من الشباب. إن أجمل ما يمكن أن نفعله.. أن نقيم نصبا تذكاريا للثورة.. تمثال للمواطن المعلوم.. لا للجندي المجهول.. المواطن الذي استشهد في أحداث الثورة.. ولحسن الحظ لدينا أسماؤهم جميعا.. وما المانع من صنع نصب تذكاري نحفر عليه أسماء الأبناء الذين سقطوا في الميدان. أقول قولي هذا.. مشغوفا بطلب إلي أولي الأمر بإضافة اسمي إلي أسماء المعارف والأصحاب الذين تضمهم قوائم الحكماء.. لأنه من غير المعقول أن أصاب في آخر العمر بعقدة في حجم البطيخة وأنا أري جميع من أعرفهم في لجان الحكماء.. وعندما يتحدث الواحد منهم أو يفتي في الأزمة.. يقول كلاما ما أنزل الله به من سلطان!!