كانت علاقة المُخرج الكبير «سمير سيف» بالممثلين من أكثر العلاقات خصوصية، ليس فقط لأنهم يظهرون معه بشكل مغاير عمّا يقدمونه فى أعمالهم الأخرى، فالممثل الجاد يتحول معه إلى كوميديان، والعكس، والممثلة الجميلة من الممكن أن تخفى تمامًا معالم جمالها فى أفلامه إذا كان الدور يتطلب ذلك. ليس هذا فقط، الغريب فى علاقة «سيف» بالممثلين أنهم كانوا لا يترددون فى الظهور فى أفلامه، فمن الممكن أن يقدم عملًا مع أحد الممثلين ونجده يلتقيه من جديد بعد مرور سنوات عديدة فى أعمال أخرى. كيف كانت شخصية المُخرج «سمير سيف» فى موقع التصوير؟.. هذا ما تحدثت عنه بعض النجمات اللائى عملن معه..
يسرا.. ساندنى كثيرًا على المستوى المهنى والشخصى الفنانة «يسرا» من أكثر الممثلات اللائى تميزن أمام كاميرا «سمير سيف»، وذلك من خلال مشاركتها فى أربعة أعمال من إخراجه، هى مسلسلا (أوان الورد وبالشمع الأحمر) وأفلام (المولد، عيش الغراب ومعالى الوزير) والأخير ظهرت به فى مشهد واحد فقط ولكنه ترك أثرًا كبيرًا.. الفنانة يسرا تحدثت عن علاقتها بالمُخرج الراحل قائلة: «صُدمتُ بشدة من خبر وفاة المُخرج الكبير سمير سيف، بتعبير أدق «اتخضيت» ولاأزال فى حالة ذهول، فقد اتصلت به تليفونيّا منذ عدة أسابيع لتهنئته بعيد ميلاده وكان طبيعيّا جدّا وسعيدًا بمعايدتى له واتصالى به، وكان بكامل صحته، فهو شخص غير مدخن، وكان مواظبًا على ممارسة الرياضة، ولكن للأسف نحن لا نملك شيئًا فى أنفسنا وإرادة الله فوق كل شىء.. علاقتى به كانت قوية، كان دائمًا ينادينى«يسراكس»، مكنش يُقُلّى يسرا غير قليل جدّا، لقد كان يتمتع بذكاء شديد ويملك قدرة على توجيه الممثلين، وبالنسبة لى كان يشعر بى وأنا أعمل معه إذا كنت حزينة، سعيدة، مستعدة للعمل أمْ لا من مجرد نظرة. وكان وقتها يتحدث معى لمعرفة ما بى وإخراجى من أى «مود» يؤثر علىّ داخل الاستوديو، وقدمت معه عملًا من أجمل أعمالى التليفزيونية، مسلسل (أوان الورد)، والسينمائية فيلم (المولد) الذى كسّر الدنيا ونجح نجاحًا كبيرًا، وكان دائم النصيحة، تعلمت منه احترام العمل وتقديسه، كان يقول لى «احترمى شغلك علشان يحترمك ويكبّر مكانتك عند الناس»، ولن أنسى أننى كثيرًا ما مررت بأزمات وأحداث على المستوى الشخصى والمهنى وساندنى فيها سمير سيف، ووقت ما كان يعجب بشغلى يقول لى «يسراكس عظيمة». «سيف» كان صاحب ابتسامة هادئة لا تنتهى تترك فى نفسك أثرًا وهدوءًا داخليّا وانطباعًا عن شخص بشوش ومهذب الخُلق، فهو على المستوى الشخصى إنسان عظيم، خَلوق حالم يتمتع بكبرياء عالٍ. وعلى المستوى المهنى أكبر من أن يوصف بكلمات تتحدث عن كونه مُخرجًا كبيرًا، فهو صاحب أفلام لها تاريخ فى السينما المصرية، وإذا وصفناه بكلمات بسيطة سنجمع على أنه أستاذ كبير فى عمله وصديق مخلص ومتفاهم جدّا، فهو حالة خاصة.. لقد فقدنا قيمة وقامة كبيرة ليس على مستوى السينما المصرية فقط ولكن على مستوى الإنسانية والأدب والأخلاق، والوسط الفنى تتساقط قاماته التى لا تُعَوَّض فى الفترة الأخيرة بشكل محزن.
إلهام شاهين: أول مُخرج وثق بى وأعطانى البطولة عملان فقط قدمتهما الفنانة «إلهام شاهين» مع المُخرج الكبير «سمير سيف»، الذى منحها بطولة فيلم (الهلفوت) عام 1984م، ثم بطولة فيلم (سوق المتعة) عام 2000م. ومنذ عام 1984م حتى الآن لم تنسَ الفنانة الكبيرة فرصتها الأولى فى السينما وتحكى دائمًا عنها بمنتهى الفخر والحب، وهى ذات القصة التى بدأت حديثها معنا عنها؛ حيث قالت: «سمير سيف أول مُخرج وثق بى وأعطانى بطولة أمام نجم كبير هو«عادل إمام» فى فيلم (الهلفوت)، قبلها كنت شاركت بأدوار صغيرة فى أفلام كبيرة، مثل (أمهات فى المنفى، العار، لا تسألنى من أنا). ولم يثق بى فقط «سمير سيف» وإنما ساعدنى على الوصول إلى ذلك؛ لأنه لولا المجهود الكبير الذى بذله كمُخرج محترف وواعٍ ما كنت وصلت لهذا القدر من النجاح، فقد بذل معى مجهودًا كبيرًا فى فيلم (الهلفوت).. كما تعاونت معه لاحقًا فى أكثر فيلم جماهيرى لى فى حياتى وهو (سوق المتعة) مع الفنان الراحل «محمود عبدالعزيز»، والعملان كانا من تأليف الرائع «وحيد حامد»..وفى أول عمل تليفزيونى فى حياة الراحل «سمير سيف» فكّر بى ووثق فى مرّة أخرى وتعاونت معه مجددًا وكان العمل هو مسلسل (ألف ليلة وليلة)، ومن هنا منحتنى هذه الثقة دفعة كبيرة وفارقة فى حياتى الفنية والعملية، ولذلك أعتبره أستاذى وصديقى ومكتشفى.. لقد كان إنسانًا راقيًا إلى أبعد الحدود فى تعاملاته، هادئ الطباع، عقلانيّا، مهذبًا.. كان دائمًا ما يعطينى ثقة بنفسى ويقول لى «لا تفكرى وأنت تمثلى، واحرصى دائمًا على أن تكونى تلقائية، ولا تحسبى حسبات عقلية وأنت داخل الدور أو المشهد، اتركى تمثيلك للإحساس والبساطة».. وقد كان أيضًا من أكثر المُخرجين اهتمامًا بالمظهر الخارجى للممثل؛ حيث كان يعتبر الشكل الخارجى هو نصف النجاح، وكان يقصد به المصداقية فى التوافق بين الدور والشكل، لذلك قام بتغيير شكلى فى فيلم (الهلفوت) تمامًا، وكان يهتم بأصغر التفاصيل فى الملابس والمكياج، فكان يطلب من الماكييرأن يقوم بعمل شحوب فى بشرتى؛ لأنه من المفترض أنى أقدم دور فتاة تعانى من قلة الأكل ولديها أنيميا، وكان مهتمًا بشكل شَعرى ومدَى نظافتى، فكان يقول لى «عاوزك مُترَبَه»، وحتى شكل ملابسى هو مَن ساعدنى بها؛ لأنه فى ذلك الوقت لم يكن معنا «استايلست» مثل هذه الأيام، فهو مُخرج يدرس كل التفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة.. لقد كان يتمتع بهدوء غريب داخل موقع التصوير فنشعر كما لو أننا داخل مَعبد أو محراب له احترامه النابع من قدسية العمل بالنسبة له، وهذا للأسف لا نجده الآن، فهذا الجيل من المُخرجين المحترمين تعلمنا منهم الكثير؛ الصدق واحترام العمل.. وقد علمت أنه كان لا يتقاضى أجرًا عن الأفلام التى كان يقدمها عن القديسين، فهو ملىء بحب الفن وحب الخير والتديُّن الجميل المتمثل فى حب الله دون مقابل أو صوت عالٍ، فكان دائمًا ما يلعب على المشاعر الداخلية، وقد شاهدت آخر أعماله (أوغسطينوس) وهو فيلم غاية فى الروعة والجمال.. وفى النهاية لن أنسى أبدًا أنه كان دائم التشجيع لى لأنه كان يشعر أننى مِن صُنْعِه، فهو من صنع نجوميتى،فإذا قدمت عملًا جيدًا يهنئنى، وإذا أخفقت لا يتصل بى، فأفهم أنه غير راضٍ عن العمل. رُغم أنه لم يكن يُصرح لى أبدًا بذلك بسبب نُبل أخلاقه حتى لا يجرحنى».
نهى العمروسى: صاحب صفحة بيضاء وأخلاق ملائكية فى فيلم (شمس الزناتى) قدمت الفنانة «نهى العمروسى» شخصية من أجمل الشخصيات التى قدمتها على الشاشة، عن علاقتها ب «سمير سيف» تحدثت «نهى» قائلة: «رحمة الله على الأستاذ الكبير سمير سيف، لا شك أن عملى معه فى فيلم (شمس الزناتى) أفادنى كثيرًا فى بداياتى؛ خصوصًا أن هذا الفيلم له شعبية كبيرة لدى الجمهور ومجرد الوقوف مع مُخرج كبير بحجمه داخل الاستوديو شرف لى وعلامة فى مشوارى.. أستاذ سمير، كان دائم الابتسامة، خلوق جدّا، ولا توجد لديه عصبية معظم المُخرجين أثناء العمل.. كان قائدًا فى هدوء وليس لديه (الأنا) التى توجد لدى المُخرجين، فقد كان متواضعًا، أو كما يقال باللغة العامية «بَلسَم».. علاقتى به أيضًا كانت من خلال تدريسه لى فى معهد السينما، وكانت أخلاقه الأكاديمية لا تختلف عن الموجودة داخل موقع التصوير، هادئ لطيف يستوعب كل الطلبة والطالبات، أخلاق ملائكية. لم أسمع أبدًا أن أحدًا اشتكى منه على جميع المستويات.. لقد كان صاحب صفحة بيضاء وأخلاق ملائكية».