لم تعد السوشيال ميديا والعالم الافتراضى، وسيلة لقضاء الوقت والتواصل مع العالم المحيط بنا، بل باتت ساحة للمنافسة والصراع لكسب مزيد من «اللايك والشير والمشاهدات»، حتى إن كان ذلك على حساب آخرين، المهم الوصول إلى «التريند» من أجل تحقيق أعلى عائد فى أسرع وقت. الأمْرُ لم يَعُد مجرد وقت ترفيهى يقضيه الشباب لتمرير الوقت ومشاركة المواقف المضحكة مع الأصدقاء، إنما تحوَّل لما هو أقرب ب«البيزنس» اللازم بشكل يومى لتحقيق أرباح نهاية الشهر تعتبر مصدر الدخل سهلًا وبابًا سريعًا للشهرة والعالمية. خلال السنوات الماضية انتشرت ظاهرة «الفيديو بلوجر»، لشباب يقدمون محتويات مختلفة البعض منها ساخر عن الأحداث وآخرون يقدمون معلومات كلٌّ فى مجال تخصصه، وأمام التطور السريع فى عالم التكنولوجيا وانتشار الهواتف الحديثة ومحاولة العديد من الوسائط وفى مقدمتها «يوتيوب» لمواكبة ذلك، حتى أصبح ساحة للشباب للتنفيس عن أنفسهم وعرض ما لديهم على العالم أجمع، وجعلوا أنفسهم جزءًا من الصناعة ليحصلوا على نسبة من الأرباح تُقدر بحسب المشاهدات التى يحققونها. ومع التطور السريع وفى ظل التهافت أمام الثراء السريع والشهرة، بات الوصول إلى مليون مشاهدة حلمًا للمئات، بل آلاف من الشباب، الذين سارعوا بإنشاء قنوات خاصة على موقع «يوتيوب»؛ لتكون نافذة لهم على عالم الشهرة والمال، بعد أن لمع أمامهم العديد من الأسماء التى حققت أحلامها من خلال منصات التواصل الاجتماعى، تحت مسمى «يوتيوبر»، وأصبحت العديد من القنوات تعتمد على عناوين ومشاهد لا تمُتُّ للواقع بصِلة من أجل تحقيق أكبر عدد ممكن من المشاهدات، بل إن البعض اعتمد على الابتذال والفضائح من أجل تحقيق أكبر قدر من التفاعل حتى إن تضرر الآخرون، فرصيد نهاية الشهر ودرع «يوتيوب» هما الأهم. «اليوتيوبر» مصطلح بات متداولًا بين الألسُن لمواكبة عصر الشبكة العنكبوتية، وهو يشير إلى الأشخاص المشاهير المتواجدين على «اليوتيوب» و«الفيس بوك» مؤخرًا؛ لإنتاج فيديوهات ذات محتويات مختلفة لجذب ملايين المشاهدين حول العالم، وتحقيق نسب مشاهدة مرتفعة، وهو ما يساعدهم فى ربح الأموال بشكل كبير من خلال الإعلانات؛ حيث يحصلون على نسبة تتخطى ال60% من أرباح الإعلان عند عرضه على قناتهم الخاصة. تحقيق الكم المطلوب من المشاهدات يتطلب افتعال أمور خارج الإطار للفت الانتباه، قد تسىء للكثيرين بعض الأحيان، وقد تسىء لل «يوتيوبر» نفسه، لكن لا يهتم كثيرًا لطالما حصل على النسب المطلوبة هذا الشهر من ال«Veiw»، قد يحصل عليه من خلال فضح شخص، تصوير موقف، بغض النظر عمّا يترتب على ذلك فيما بعد. المتاجرة بالأطفال الأسبوع الماضى، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعى بسبب الزوجين «أحمد حسن وزينب»، بعد نشرهما فيديوهات أثناء ولادة الزوجة منذ نزولهما من المنزل للذهاب إلى المستشفى، ولم يتوقف تصوير الزوج داخل غرفة العمليات فقط من أجل الحصول على مشاهدات أكبر، لكن الأمر تجاوز ذلك بعدما صوَّر الزوجان مولودتهما الصغيرة التى لم تتجاوز عدة أيام وإجبارها على البكاء بعنف؛ حيث اتهمهم الكثيرون باستغلال الطفلة وتعريض حياتها للخطر من أجل التربح وتحقيق أعلى نسبة من المشاهدات. أحمد حسن كان قد أطلق قناته على موقع «يوتيوب» فى سبتمبر 2015، وصلت حاليًا إلى 3 ملايين مشترك، استطاع من خلال فيديوهاته الوصول إلى أكثر من 900 ألف متابع لحسابه على موقع «إنستجرام»، وتتضمن الفيديوهات المقدمة من الزوجين، عرضًا لحياتهم الشخصية بكل تفاصيلها على السوشيال ميديا، بعناوين فيديوهات مثل «بنتنا أول مرّة تأكل - طلّعنا شهادة ميلاد بنتنا - أول مرّة بنتنا تسمع قرآن- أخيرًا زينب جالها الطلق».. وغيرها. بعد الجدل حول الإتجار بالطفلة على السوشيال ميديا، قدّم المجلس القومى للأمومة والطفولة، بلاغًا إلى النائب العام المستشار نبيل صادق؛ للتحقيق مع أحمد حسن وزينب، وأعلن المجلس، استجابة النائب العام السريعة لبلاغ المجلس بفتح التحقيقات العاجلة فى واقعة استغلال الزوجين لطفلتهما، ونشر فيديوهات مسيئة لها عبر مواقع التواصل الاجتماعى بغرض الشهرة. أحمد حسن قال عبر صفحته على «الفيس بوك» بعد الأزمة، إنه لا يهتم بأقاويل الآخرين، فنجاحه هو الأهم بالنسبة له، ودليل نجاحه يكمُن فى حصوله على ثلاثين ألف دولار شهريّا من مشاهدات «يوتيوب».. وهو مبلغ ضخم مقارنة بعمره الصغير الذى لم يتجاوز ال23 عامًا هو وزوجته، إضافة لعدد المتابعين له على قناته على ال«يوتيوب» التى تجاوز عدد مشتركيها ال3 ملايين. الإعلامى حسام حداد، عرض خلال برنامجه «أونلاين» الذى يقدمه على قناة «إكسترا نيوز» مجموعة إحصائيات تؤكد أن أرباح الزوجين أحمد حسن وزينب من موقع ال«يوتيوب» تصل إلى 5.2 مليون دولار سنويّا؛ حيث إن عدد المشتركين فى القناة تخطى 3 ملايين شخص، وإجمالى عدد المشاهدات للقناة أكثر من 380 مليون مشاهدة، ومتوسط الأرباح الشهرية تبدأ من 27 ألف دولار وتصل إلى 5 ملايين دولار سنويّا فى الحالة القصوى من المشاهدة. موضحًا إن المتوسط اليومى كان بين 455 دولارًا إلى 11 ألف دولار، وذلك قبل ولادة ابنتهما ثم تحوَّل إلى 700 دولار ويصل إلى 19 ألف دولار كحد أقصى. فضائح النساء حالة أحمد وزوجته لم تكن الوحيدة، فمنذ عامَين، انتشر فيديو على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» تظهر به فتاة تُدعى «لبنى عبدالعزيز» أظهرت خلال مقطع تجاوز ال3 دقائق مظاهر الاستعداد لحضور حفل زفاف من خلال وضع مجموعة من مستحضرات التجميل بشكل عشوائى على وجهها، وبدت نهاية المقطع كما وصفها رواد السوشيال ميديا ب «عروسة المولد»، فى إشارة منها إلى أن الفتيات يبالغن فى وضع المستحضرات أثناء حضور حفلات الزفاف للحصول على شريك العمر بسهولة، وهو ما أوضحته فى جُملتها الأشهر «كل ما تكترى ميك أب.. كل ما تصطادى عريس أسهل». تفاعل الكثيرون مع طبيعة الفيديو فى البداية وتداولوه نظرًا للكوميديا الجاذبة المقدم بها محتوى الفيديو، لكن مع مرور الوقت والتركيز أكثر بالمحتوى، انتقدت بعض الفتيات الشكل المقدَّم به الفيديو؛ لتظهر الفيديو بحفلات الزفاف ك«الأرجوز»- على حد تعبيرهن-، لا سيما بعد أن تداوله الفتيان وبدأوا فى التنظير على الفتيات والعيب فى وجوههن، وحتى إن كانت الفتاة تضع بعض المستحضرات الخفيفة، لكن طالها الأمْرُ كغيرها لا مَفر. لم تفكر ال«يوتيوبر» فى المحتوى المقدَّم بالفيديو ولم تعتبره نوعًا من أنواع الفضيحة لمجتمع النساء المعروفات بالحساسية الكبيرة تجاه الأمور المتعلقة بجمالهن فى أعين الجميع بغض النظر عن الرغبة فى الحصول على شريك حياة من عدمه، لكن المظهر الطيب هدفهن بالنهاية، واستمرت بالنوع نفسه من المضمون المقدَّم من خلال قناتها الخاصة على ال«يوتيوب» فى حلقات مثل «الحل السحرى لمشاكل البشرة - الفرق بين الست الأجنبية والمصرية بعد الولادة - كيف تجذبين رجل إليكِ»، وتخطت بعض الفيديوهات ال10 ملايين مشاهدة، واشترك بالقناة الخاصة بها ما يقرب من مليون مشترك حتى الآن. أحمد ولبنى ومثلهما العشرات والمئات من الشباب الذين لم يجدوا أمامهم سوى نشر الفضائح والاعتماد على الصور الخادشة للحياء من أجل التربح السريع من «يوتيوب»، بل إن هناك العديد من الفنانين الذين باتت مواقع التواصل الاجتماعى مصدر دخل لهم بعد أن دشنوا العديد القنوات على «يوتيوب» وفى مقدمة هؤلاء سما المصرى ورانيا يوسف وغيرهما الكثيرون.