ثمة مقولة شهيرة بين عشاق السينما والتليفزيون فى جميع أنحاء العالم، وهى أن لعنة الفشل تطارد جميع الأعمال الفنية التى تُقتَبس عن ألعاب فيديو ناجحة.. هذه المقولة تحولت مع الوقت إلى قاعدة أجمع البعض على أنه ليس لها أى استثناء وأن هوليوود لن تستطيع أبدًا أن تجمع بين جمهور السينما والألعاب تحت مظلة واحدة؛ خصوصًا أن ألعاب الفيديو أصبحت على مدار العَقدين الماضيين تجربة انغماسية قائمة بذاتها تحاكى السينما. فى الوقت الذى أخفقت فيه هوليوود فى اقتباس أعمال فنية عن ألعاب شديدة الرواج مثل (عقيدة المغتالين Assassin's Creed أو شر مقيم Resident Evil أو لارا كروفت Lara Croft). دخلت صناعة ألعاب الفيديو عصرها الذهبى واستطاعت تحويل نفسها لفن ثامن سواء عبر استقطاب «عتاولة» المخرجين والمؤلفين فى هوليوود، أو ابتكار أساليب جديدة جمعت ما بين التجربة السينمائية والواقع الافتراضى. وظهر نوع جديد من الألعاب أحدث ثورة تكنولوجية هائلة، هذا النوع يُدعى «تقمُّص الأدوار» أو RPG، وفيها يتحكم اللاعبون فى تصرّفات الشخصية سواء من خلال سرد أفعالها، أو من خلال أفعال حقيقية، أو عبر نظام لاتخاذ القرارات وتطوير الشخصية، كما تحتوى تلك الألعاب على قواعد تحدّد الإطار العام للشخصيات والأفعال المتاحة ومتى تنجح هذه الأفعال أو تفشل والتفاعلات الممكنة بينها. وبينما يجادل البعض أن هوليوود تشهد فى الوقت الراهن أزمة حقيقة فى المحتوى بعد النجاح الساحق الذى حققته الدراما التليفزيونية مؤخرًا على أيدى شركات مثل «نتفليكس» و«أمازون» و«ديزنى بلس»، وظهور مدرسة جديدة من المسلسات حققت انتشارًا واسعًا وهى المسلسلات القصيرة Miniseries التى تكون عدد حلقاتها أقل من المسلسل العادى وعادةً لا تتجاوز 10 حلقات، وهو الاتجاه نفسه الذى ركنت إليه شركات عملاقة مثل «إتش. بى. أو» التى طرحت العام الجارى مسلسل «تشرنبول»، الذى حصد مشاهدات هائلة فى وقت قياسى. بعدما أثبتت «نتفليكس» نجاحها وراهنت بقوة على دخولها لعالم محتوى الإنتاج الشخصى الأصلى الجديد منذ عام 2016 مع مسلسل (أشياء غريبة Stranger (Things، نراها الآن تقامر باسمها وتهرول لاحتلال الفراغ الشديد الذى سببته «إتش. بى. أو» بعد نهاية تحفتها التليفزيونية «لعبة العروش»، الذى وإن جاء موسمه الأخير مخيبًا للآمال، إلّا أنه لا يظل حتى الآن تجربة فريدة قلما عهدها المشاهدون، سواء من الناحية السينمائية والإخراجية أو الدرامية. يعزو الفضل الأول والأخير لنجاح «لعبة العروش» إلى العمل الأصلى الذى اقتبس عنه المسلسل، وهى سلسلة روايات «أغنية الجليد والنار» ل«أبو الفانتازيا الواقعية» فى القرن الجارى «جورج آر. آر مارتن»، الذى يلومه البعض لفشل المسلسل، بَيْدَ أنّه لا يزال منذ 2011 منكبًا على تأليف آخر كتابين فى السلسلة، ما اضطر صُناع العمل إلى استكماله من دون المادة الأصلية، ومع ذلك فإن رهان «إتش. بى. أو» كان أصعب من رهان «نتفليكس». بَيْدَ أنَّ «إتش. بى. أو» قررت إنتاج عمل ضخم بميزانيات عملاقة اقتباسًا عن سلسلة فانتازيا لم تحقق سوى شهرة محدودة داخل الولاياتالمتحدة، على الجانب الآخر نرى أن «نتفليكس» اشترت حقوق عمل فانتازيا ناجح للغاية بين أوساط جمهور ألعاب الفيديو، هذا العمل وصفه البعض بأنه «لعبة عروش» صناعة الألعاب، لما أحدثه من ثورة على تقاليد وأعراف ألعاب «تقمص الأدوار». خرجت «نتفليكس» بمعادلة عبقرية لتحقيق أكبر قدر ممكن من نجاح «لعبة العروش»، وهى صناعة عمل درامى قصير بميزانية ضخمة مقتبس عن سلسلة ألعاب شديدة النجاح، مقتبسة بدورها عن سلسلة روايات فانتازيا لكاتب بولندى يُدعى «أندريه سابكوسكى» تحتفى به بلده الأم وتعتبره أحد عباقرتها وشبهه البعض بأنه «مارتن» البولندى، ذلك أنه منذ عام 1990 عكف على كتابة سلسلة فانتازيا واقعية تُدعى «الويتشر» أو «المشعوذ»، تُعتبر هى الأخرى تيارًا فريدًا فى عالم الفانتازيا الواقعية. السلسلة تحكى قصة محارب وصائد وحوش ذى قدرات خارقة يُدعى «جيرالت من بلاد ريفيا»، وبدأت فى الانتشار منذ منتصف التسعينيات عبر عشرات من كُتُب الرسوم المصورة والروايات والقصص القصيرة، وأصبحت بعد ذلك جزءًا أصيلًا من الثقافة الشعبية لدول إسكندنافيا. فى 2017، قررتْ «نتفليكس» تحويل تلك السلسلة التى تتكون من ثمانى روايات إلى فيلم، وذلك تزامنًا مع المبيعات الهائلة التى حققتها الروايات فى العالم؛ خصوصًا بريطانياوالولاياتالمتحدة بفضل ثلاثية ألعاب «الويتشر» من إنتاج شركة صغيرة «سى دى بروجكت ريد؛ لتصبح اللعبة فى 2015 أكثر لعبة حائزة على جوائز فى التاريخ، بمبيعات وصلت إلى أكثر من 8 ملايين نسخة حول العالم. إلّا أن نائبة رئيس وحدة الأعمال الأصلية فى «نتفليكس»، «كيلى لوجينجيل»، أقنعت مجلس الإدارة بتحويل الروايات إلى مسلسل درامى، وبالفعل وفى العام نفسه، أعطت الشركة الضوء الأخضر لتنفيذ المشروع، وقررت أن تتولى المنتجة والسيناريست الأمريكية «لورين شميت هيسريش»، التى كانت ضمن فريق إنتاج «ديرديفل»، مهمة الإخراج والتأليف والإنتاج. وفى مطلع العام الماضى، أعلنت «هيسريش» أنها انتهت من تأليف سيناريو الحلقة الأولى من المسلسل، وكشفت لاحقًا أن الموسم الأول منه سيتكون من ثمانى حلقات فقط، فيما نشرت عبر حسابها الشخصى على موقع «تويتر» صورة أثناء لقائها مع «سابكوسكى»، الذى أُشيع لاحقًا أنه انضم لفريق إنتاج المسلسل، إلّا أنه نفى تلك الشائعة، لتخرج «هيسريش» بعد ذلك وتؤكد أن «سابكوسكى» يعمل ضمن فريق التأليف. بعد ذلك، ظل جمهور الروايات والألعاب مترقبًا لهذا المسلسل، وكثرت التساؤلات عمّن سيفوز بدور البطولة، وفى سبتمبر 2018 أعلنت «نتفليكس» أن النجم البريطانى «هنرى كافيل» سيجسّد دور البطل «جيرالت»، وهو ما اعتبره أغلب الجمهور اختيارًا غير موفق، فإن كان «كافيل» يحظى بشهرةٍ كبيرة بسبب دور «سوبرمان» فى عالم «دى سى» السينمائى، فقد اعتبره العديد من النقاد ممثلًا ذا موهبة متواضعة، وساور البعض الشك من نجاح المسلسل الجديد؛ خصوصًا عقب أن طرحت «نتفليكس» أول إعلان تشويقى للمسلسل فى أكتوبر 2018، وشاهد الجمهور أول إطلالة ل«كافيل» فى دور «جيرالت» لتندلع عاصفة عاتية من الانتقادات للشركة، إذ كان هناك شبه إجماع أن «كافيل» لن يكون مناسبًا للدور سواء من الناحية الشكلية، أو حتى فى السياق الدرامى. ما زاد الطين بلة، هو إعلان «نتفليكس» قائمة باقى أبطال العمل، ففضلًا عن أنهم ليسوا مشهورين، لم يرَ فيهم الجمهور أى تشابه مع شخصيات الألعاب، وهو ما جعل البعض يروّج أن المسلسل مقتبس عن الروايات وليس سلسلة الألعاب. فى 18 يوليو، انطلقت فعاليات المؤتمر الأكثر انتظارًا لدى عشاق السينما والتليفزيون والألعاب فى مدينة سان دييجو بولاية كاليفورنيا الأمريكية، وهو مؤتمر «كوميك كون»، وذلك بمشاركة «إتش. بى. أو» التى عرضت إعلانًا تشويقيّا لمسلسلها المنتظر «ووتش مين» Watch men والموسم الثالث من رائعة «جونثان نولان» (ويست وورلد Westworld)، إلّا أن الحدث الاستثنائى كان طرح «نتفليكس» لإعلان «الويتشر» الذى حقق أكثر من 14 مليون مشاهدة فى أربعة أيام فقط. أعلنت «نتفليكس» أن المسلسل سيبدأ عرضه فى وقت لاحق من العام الجارى، وحصلت على إشادات نقدية واسعة بعد عرض الإعلان، الذى كان بمثابة مفاجأة كبيرة للجمهور، إذ إنه التزم بالروايات الأصلية سواء من ناحية تصميم الأزياء والديكورات والدروع الحربية والقلاع والمنازل، هذا فضلًا عن ظهور معارك حربية ضخمة والتصوير الفوتوجرافى الذى اتسم بظلامية شديدة حملت روح سلسلة الروايات والألعاب.