بينما تستعد محافظة القاهرة لتنفيذ مخطط تطوير منطقة «مجرى سور العين»، والذى بدأته بالفعل عبر هدم العديد من المنازل والورش والمدابغ فى المنطقة، ونقل سكانها وأصحابها إلى حى «الأسمرات 3» ومدينة «الروبيكى»، يشكو بقية أهالى المنطقة المتبقين من بط إجراءات نقلهم. وتزداد معاناة الأهالى مع تسبب هدم عدد كبير من المنازل والورش فى انتشار الكلاب الضالة والثعابين واللصوص، بجانب ما اعتبروه «تعنت» اللجنة المشكلة من محافظة القاهرة وحى مصر القديمة لحصر المستحقين لشقق فى «الأسمرات»، فبحسب الأهالى تسجل المنازل التى تضم 5 أسر كاملة باعتبارها عائلتين أو عائلة فقط. شقة أو تعويض 100 ألف جنيه أبلغ حى مصر القديمة أهالى منطقة سور مجرى العيون بقرار الهدم منذ 4 شهور كاملة، وبعد عيد الفطر الماضى مباشرة بدأت الأجهزة المعنية فى إزالة المنازل والورش فى المنطقة، وذلك بعد نقل أكثر من نصف السكان إلى «حى الأسمرات 3» فى المقطم، والذى لا يبعد سوى نصف ساعة عن السور. وبحسب رأفت عبدالمجيد، أحد سكان منطقة سور مجرى العيون، ينتظر بقية الأهالى الانتقال إلى «الأسمرات» قبل تنفيذ قرار إزالة منازلهم وورشهم فى المنطقة، بعد أن تقدموا بالأوراق التى تثبت أنهم من أهالى المنطقة، وهو الشرط الرئيسى للحصول على شقة فى «الأسمرات». وبالتجول فى المنطقة وبين وحداتها السكنية، تشاهد العديد من المنازل المُزالة بواسطة حى مصر القديمة ومحافظة القاهرة، وبين كل 3 منازل تمت إزالتها يوجد منزل الحاج «عامر» فى انتظار الإزالة.. الحى خَيّر أصحاب المنازل بين شقة فى «الأسمرات»، أو الحصول على تعويض يبلغ 100 ألف جنيه، لكن الغالبية رفضت التعويض المالى، ويقول الرجل الخمسيني: «ال100 ألف جنيه يعملوا إيه دلوقتي؟»، مشيرًا إلى أن عدد الأسر فى المنطقة يصل إلى 3 آلاف أسرة. وقال الحاج عامر الذى يعيش فى المنطقة منذ 22 عامًا، ولديه 3 أبناء جميعهم من مواليدها، إن الأهالى رفضوا فى بداية الأمر ترك منازلهم التى عاشوا فيها لمدد تصل إلى 60 عامًا، ولأن غالبيتهم تعمل فى المدابغ الموجودة فى المنطقة، وذلك قبل هدم هذه المدابغ ونقلها إلى مدينة «الروبيكى»، موضحًا أن محافظة القاهرة هدمت أكثر من 100 مدبغة وعوضت ملاكها بتعويض مادى، أو تجهيز مدبغة بديلة فى «الروبيكى». «أدينا مستنيين» «أدينا مستنيين نشوف الحى هيعمل معانا إيه».. بهذه العبارة بدأت الحاجة سامية عبدالحميد، البالغة من العمر 60 عامًا، حديثها بشأن الأوضاع فى سور مجرى العيون، معبرة عن مخاوفها من عدم الانتقال إلى «الأسمرات» على غرار من انتقلوا إلى هناك قبل ذلك. وتقول الحاجة «سامية»، من أمام منزل عائلى كبير: «تسكن فى المنزل 5 أسر كاملة، كل منها بداخل غرفتين فقط، لكن الحى رفض تسجيل أكثر من 3 أسر، وكنت أنا من ضمن غير المسجلين المخصص لهم شقق فى الأسمرات، بحاجة أننى سيدة كبيرة ويمكننى السكن مع أى من الأسر المنتقلة»، معقبة وهى تبكي: «مين يتحمل حد دلوقتي؟ قدمت تظلمات إلى حى مصر القديمة والمحافظة وما زلت أنتظر البت فيها». أما «منى محمد»، سيدة أخرى تسكن فى المنطقة، فتقول: «بعنا العفش كله بأقل من سعره الحقيقى خوفًا من قرار الإزالة المنتظر، خاصة أن أجهزة حى مصر القديمة تسمح بساعتين فقط لنقل العفش قبل تنفيذ الهدم». ولذلك «باع الأهالى العفش كله، وينام غالبيتهم على الأرض، منتظرين الإزالة والانتقال إلى الأسمرات»، وفق السيدة «منى»، مشيرة إلى أن بعض الأهالى باعوا «العفش» بهدف دفع مقدم شقق «الأسمرات» البالغ 4650 جنيهًا، مع العلم أن قيمة الإيجار الشهرى لتلك الشقق 350 جنيهًا للشقة، واشتراط عدم التوريث للأبناء. ولم تختلف حكاية مى عيد، والتى قالت: «نحن نسكن فى بيت عائلة يضم 4 أسر، لكن حى مصر القديمة قرر تخصيص شقق فى الأسمرات لأسرتين فقط منها، وهو ما دفع هاتين الأسرتين للتقدم بتظلم»، واصفة حى الأسمرات بأنه «جميل وهادئ»، لكن المواصلات إليه مرتفعة وتصل إلى 5 جنيهات، كما أن «ناسه كل واحد فيهم فى حاله، على عكس هنا الكل بيعرف بعضه». مسئولو الحي: «طلق مراتك»! تشكو السيدة الخمسينية سميرة على من انتشار «الحرامية» فى المنطقة بعد إزالة غالبية منازلها، موضحة أنهم «يسرقون المنازل التى لم تزل بعد، بجانب سرقة الأسياخ الحديدية فى المنازل التى جرت إزالتها بالفعل، وهو ما دفعنا للتوجه إلى حى مصر القديمة لطلب سرعة الانتهاء من إجراءات الانتقال إلى الأسمرات» وكسابقيها تعيش «سميرة» مع زوجها، بجانب ابنها وزوجته وأبنائهما، ومع ذلك سجلت لجنة حصر الأسماء التابعة لحى مصر قديمة أسرة واحدة فقط، رغم أن المنزل يضم شقتين فى كل منهما أسرة، وهو ما دفعها لتقديم تظلم، متسائلة: «كيف أعيش أنا وزوجى وابنى وزوجته وأبناؤه فى شقة واحدة؟». وتكشف عن أن موظفى حى مصر القديمة رفضوا تسجيل أحد الأهالى فى سجل المستحقين، داعين إياه إلى تطليق زوجتها لتسجيله، بداعى امتلاكها شقة فى منشية ناصر! وناشدت «سميرة» الرئيس السيسى للتدخل ومراجعة عمليات الحصر التى أجراها حى مصر القديمة، والإسراع فى نقل باقى مواطنى «مجرى العيون» إلى «الأسمرات»، خاصة فى ظل انتشار الكلاب الضالة والثعابين السامة فى المنازل، جراء هدم المنازل المجاورة. وفى غرفة صغيرة تعيش سيدة عجوز يتجاوز عمرها 70 عامًا، ولا يسكن معها فى الغرفة سوى القطط، لديها ابن وحيد «على باب الله» يعيش مع زوجته فى مكان آخر، وتقتات على المساعدات التى يرسلها إليها الأهالى، بعدما أقعدها العجز وكبر السن. تقول السيدة بصعوبة بالغة: «نفسى الرئيس السيسى يأمر بإعفائى من دفع مقدم شقة الأسمرات، البالغ 4650 جنيهًا، أو يوفر لى حتى غرفة أعيش فيها فى أى مكان». صندوق تطوير العشوائيات من جهته، قال المهندس خالد صديق، مدير صندوق تطوير العشوائيات، إنه منذ وافق مجلس الوزراء على إعلان «سور مجرى العيون» منطقة سياحية، تم على الفور إعادة تخطيطها، والعمل بمساعدة محافظة القاهرة وحى مصر القديمة على حصر المتواجدين فيها ومعرفة ظروفهم الاجتماعية وشكل المبانى، من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال تعويضهم بالشكل المناسب. وكشف عن أن محافظة القاهرة انتهت من هدم 117 مدبغة تم تعويض أصحابها ماليًا أو بوحدة فى مدينة «الروبيكى» لصناعة الجلود، ليبلغ عدد المدابغ المتبقية والمفترض هدمها مع تقديم تعويض مالى لأصحابها المستحقين، وفق الضوابط والإجراءات التى وافق عليها مجلس الوزراء، 156 مدبغة. وبالنسبة لورش قطع غيار السيارات، فتم هدم العدد الأكبر منها، ولم يتبق سوى عدد بسيط من هذه الورش، وبحسب «صديق» تم التفاوض مع أصحاب تلك الورش وتخييرهم بين التعويض المالى ب50 ألف جنيه أو الانتقال إلى ورشة مجهزة فى مدينة «الروبيكى». وإلى جانب المدابغ والورش، أزالت محافظة القاهرة أطنان القمامة حول سور مجرى العيون والمناطق المجاورة له، حيث كانت تستخدم أجزاء من السور فى جمع وتخزين القمامة، وفيما يتعلق بالمبانى السكنية، قال «صديق»: «تم هدم أكثر من 300 وحدة سكنية بنسبة 75 % من إجمالى الوحدات فى المنطقة، ولا يزال العمل جاريًا لهدم باقى الوحدات السكنية، ونقل سكانها إلى حي الأسمرات 3». وأوضح مدير صندوق تطوير العشوائيات: «نقلنا 356 أسرة من منطقة أبوالسعود إلى حى الأسمرات3، فى وحدات جديدة مفروشة، وجار نقل المواطنين المستحقين إلى الوحدات السكنية المتاحة فى الحى، مع توقعات بنقل الجميع قبل عيد الأضحى المبارك». وعن عملية تطوير المنطقة بعد نقل الأهالى، قال المهندس خالد صديق: «سيتم إقامة مشروعات جديدة لتطوير المنطقة بشكل كامل، بداية من ترميم الأجزاء المتهدمة من السور، وترميم وإعادة إحياء السواقى، والإضاءة بالليزر، وإقامة حدائق واستراحات وكبارى معلقة، إلى جانب مرسى على النيل يربطها بالمناطق السياحية الأخرى». وتتضمن خطة التطوير كذلك إنشاء فنادق سياحية فى منطقة المدابغ بعد إخلائها، وإقامة منطقة ثقافة وفنون تضم مسرحًا مفتوحًا ودور سينما ومتحفًا ومعارض فنون تشكيلية ومكتبة عامة وقاعة للندوات والمؤتمرات، فضلًا عن أماكن مخصصة للعروض الفلكلورية، ومركز للفنون الحركية، ومنطقة للتسوق تضم مختلف المنتجات الحرفية والتراثية.