كتب: نور علي «إنه الخطأ التاريخى الأكبر فى مسيرته السياسية».. بهذه العبارة وصف خبراء ومراقبون قرار الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بإعادة الانتخابات فى إسطنبول، التى أجريت فى 31 مارس الماضى، وفاز بها مرشح المعارضة، أكرم إمام أوغلو، على مرشح الحزب الحاكم، بن على يلدريم، قبل أن يعود ويربحها مرة أخرى، الأحد الماضى، لكن بفارق أصوات أكبر هذه المرة. ففارق الأصوات بين «أوغلو» و«يلدريم» ارتفع من 13 ألف صوت فى الجولة الأولى إلى قرابة 800 ألف صوت فى الانتخابات المعادة، قبل نحو أسبوع، وهو ما يشير إلى تملك الأتراك حالة من «العند» ضد «أردوغان» ولصالح «أوغلو»، ربما تمتد إلى انتخابات الرئاسة فى 2023. فى السطور التالية، نرصد أبرز الرابحين والخاسرين من «انتخابات بلدية اسطنبول» فى تركيا. الخاسرون رجب طيب أردوغان الخاسر الأكبر فى «انتخابات بلدية اسطنبول» هو الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، الذى صُدم بهزيمة قاسية ثانية فى أقل من 3 أشهر، رغم سيطرته على كل مؤسسات الدولة، وتسخيرها لخدمته، وإجبارها على إعادة انتخابات 31 مارس. عاش «أردوغان» سيناريو الهزيمة مجددا، لكن هذه المرة أشد قسوة، لأنها فضحت انهيار شعبية حزبه الحاكم «العدالة والتنمية» فى إسطنبول، التى تعد النموذج المصغر من تركيا، وبينت ما ينتظره فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، نتيجة لزيادة سلطته وقمعه، طوال السنوات الماضية. وبعد «زلزال إسطنبول»، يواجه «أردوغان» خيارين أساسيين: إما التقارب مع حزب «الشعب الجمهورى»، والحوار مع زملائه السابقين فى حزب «العدالة والتنمية»، فى محاولة لإعادة الحزب إلى روحه التأسيسية، أو مضاعفة رهانه على تحالفه الاستبدادى مع حزب «الحركة القومية» والقوى القومية الظلامية. يجب عليه أيضا أن يقرر- ربما فى أقرب وقت من هذا الأسبوع- ما إذا كان سيعود إلى أحضان الولاياتالمتحدة ويتراجع عن صفقة منظومة «إس- 400» الدفاعية، أو يعمق علاقة أنقرة مع روسيا. بن على يلدريم بعد أن تولى إحدى الوزارات، وصولًا إلى رئاسة الوزراء، ثم رئاسة البرلمان، لم يتمكن «يلدريم» من الفوز برئاسة بلدية إسطنبول. وفشل «يلدريم» فى تجاوز وإصلاح الأخطاء التى ارتكبها «أردوغان»، فى خطاباته بانتخابات مارس الماضى، كما أنه لم يرغب فى إعادة الانتخابات مرة أخرى، واعترف بأنه «الضحية الأكبر» لتلك الأحداث. على إحسان يافوز نائب رئيس حزب «العدالة والتنمية»، على إحسان يافوز، واحد من أكبر الخاسرين، فهو من تحدث عن وجود «مخالفات» فى الانتخابات الأولى، التى عقدت فى مارس الماضى، وكان سببا وراء زيادة فارق الأصوات بين «يلدريم» و«أوغلو» من 13 ألف فى هذه الانتخابات إلى 800 ألف صوت فى الانتخابات الأخيرة. دولت بهتشلى رئيس حزب «الحركة القومية» يعد من أبرز الخاسرين فى انتخابات إسطنبول، بعدما تحالف مع حزب «العدالة والتنمية»، ودعم قرار إلغاء الانتخابات الأولى فى إسطنبول. و«بهتشلى»، الذى أعلن دعمه ل«بن على يلدريم»، مرشح «أردوغان» فى انتخابات إسطنبول، لم يتحمل البقاء فى المدينة سوى يومين بعد الخسارة، وفر إلى أنقرة. دوغو بارينتشاك رفيق رحلة «أردوغان»، رئيس حزب «الوطن»، دوغو بارينتشاك، دخل هو الآخر إلى قائمة الخاسرين فى انتخابات إسطنبول، فالرجل قال، فى 22 يونيو الماضى، قبل يوم واحد من الانتخابات، إنه و«أردوغان» فى نفس السفينة، وسخر أحاديثه لانتقاد مرشح المعارضة، أكرم إمام أوغلو. سادار بافوز انضم سادار بافوز هو الآخر إلى قائمة الخاسرين فى انتخابات إسطنبول، بعدما لعب دورا فى محاولة تشويه صورة إمام أوغلو أمام الرأى العام. منع «بافوز» إمام أوغلو من العبور من بوابة كبار الزوار فى مطار «أوردو»، ونشب خلاف بينه ومرشح المعارضة، حتى أن تقارير إعلامية كشفت عن أن «أوغلو» قال له بشكل مباشر «يا كلب»، وهى الواقعة التى ظلت حديث وسائل الإعلام لفترة طويلة، لكنها لم تؤثر على أصوات «أوغلو»، ولم تكن كافية لتشويه صورته أمام الرأى العام. الرابحون إمام أوغلو ولد زعيم جديد فى تركيا، فحتى وقت قريب لم يكن «أردوغان» يواجه أى منافسين قادرين على تحدى كاريزمته وانتصاراته المتوالية، لكن منافسًا له قد ظهر الآن، بل وهزمه مرتين، هو أكرم إمام أوغلو. ألحق «أوغلو» هزيمتين ب«أردوغان» خلال شهرين ونصف الشهر فقط، ولو سُمح له بتولى المنصب عقب انتخابات 31 مارس الماضى، لصار سياسيا محليا فاز على نحو غير متوقع بمنصب رئيس بلدية مدينة عملاقة، لكن بات العالم الآن يعرفه باعتباره زعيما قادرا على الفوز، ويتسم خطابه بالحداثة واحتوائه على مصطلحات الحب والوحدة، لا الاستقطاب. كليتشدار أوغلو يستحق زعيم حزب «الشعب الجمهورى»، كمال كليتشدار أوغلو، التقدير لتحليه بالشجاعة فى الإتيان برئيس بلدية شاب والدفع به كمنافس رئيسى، فيما كان «أوغلو» شجاعا فى التواصل مع أبناء الطيف السياسى كافة. ووفر «كليتشدار» ل«أوغلو» الإمكانيات اللازمة لتنظيم الحملة الانتخابية التى أرادها، وهو ما توج بفوز حزب «الشعب الجمهورى» برئاسة إسطنبول، للمرة الأولى بعد عقود من الزمان. حزب «الشعوب الديمقراطى» يتهم «العدالة والتنمية»، وشريكه القومى المتشدد فى الائتلاف الحاكم، حزب «الحركة القومية»، الحزب المؤيد للأكراد، «الشعوب الديمقراطي»، بأنه على صلة بحزب «العمال الكردستاني»، ولا يستطيع أن يقول «لا» أبدًا للحزب المحظور، والذى تصنفه الولاياتالمتحدةوتركيا منظمة إرهابية. لكن، قبل 4 أيام من الانتخابات، بعث زعيم حزب «العمال الكردستاني» المسجون، عبد الله أوجلان، برسالة دعا فيها الأكراد إلى التزام الحياد السياسى. فما كان من حزب «الشعوب الديمقراطى»، حتى فى يوم الانتخابات، رفض الإذعان لهذا الأمر، وظهر رؤساؤه المشتركون فى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، كما دعا الزعيم السابق للحزب إلى دعم مرشح المعارضة إمام أوغلو. وفى نهاية اليوم، بدا أن الأكراد يصوتون لصالح «أوغلو» بقناعة أكبر من ذى قبل، ولا يكترثون لرسالة «أوجلان». الأكراد فرض الأكراد أنفسهم باعتبارهم صناع الملوك فى إسطنبول مرتين، خلال شهرين ونصف الشهر فقط، ويبدو أنهم مستمرون فى الاضطلاع بدورهم ك«صانع ألعاب» فى الانتخابات. فتركيا تتبنى الآن نظاما رئاسيا، ويجب على المرشح أن يحصل على 50 % من الأصوات، وربما يجعل ذلك من الأكراد أقلية ثمينة ينبغى التودد إليهم، وقد يهيئ هذا لتركيا أيضا الفرصة للسعى وراء السلام فى المستقبل. الوعى والديمقراطية واجه الشعب التركى الحملة التى ترتكز على الأكاذيب المتعلقة بإلغاء انتخابات 31 من مارس بمزيد من الوعى الذى يستحق الثناء، وتبين أن والسبب الأكبر وراء هزيمة حكومة «أردوغان» يتمثل فى إفلاس جعبة حزبه «العدالة والتنمية»، وفساده وإهداره للموارد، وحالة الإحباط من أداء الرئيس نفسه. واتضح للجميع أن الفوز بفارق نسبته 9 %، بالمقارنة مع انتخابات 31 مارس، هو رد فعل على الجور والظلم الذى ارتكب بعد الانتخابات الأولى، ما عكس أن شعب تركيا ليس شعبا نبيلا أو مختارا أو هابطا من السماء، ولكنه كذلك ليس بشعب قاس غليظ القلب وجائر. ولكن على الرغم من هذه العوامل، إذا تحلى الفريق المنافس بالإرادة والطاقة الكافيتين، سيستطيع هزيمة الفريق الحاكم، وهذا ما حدث مجددا فى انتخابات بلدية اسطنبول.