لا صوت بات يعلو فى القاهرة وكل ربوع القارة السمراء على حديث أمم إفريقيا التى انطلقت نسختها الثانية والثلاثين فى مصر أمس وتستمر حتى التاسع عشر من يوليو الجارى، فقلوب جميع بلاد القارة باتت تهفو إلى تلك اللحظات التى تسدد فيها أقدام اللاعبين الكرة لتسكن شباك الفريق المنافس، وفى الشوارع راح الجميع يعبرون عن تشجيعهم لمنتخب الفراعنة كل على طريقته الخاصة. على أحد جانبى الطريق بمنطقة الحطابة بحى مصر القديمة وقف رجل تجاوز الستين عاماً من عمره ممسكا بيده مجموعة من الأعلام مرددا عبارات «علم يا باشا علم يا بيه، مصر بتلعب شجع ونكسب»، على بعد عدة أمتار تجد منازل تزينت شرفاتها بعلم مصر، اما المقاهى والمحلات فقد اكتست بالأعلام وصور أبطال المنتخب وعلى رأسهم النجم العالمى محمد صلاح، أما الأطفال «اولاد أو بنات» فقد رسموا على وجوههم الألوان الثلاثة الابيض والأحمر والاسود، الجميع يحملون على عاتقهم مهمة وطنية لدعم أبطال المنتخب لكن كل منهم على طريقته الخاصة. فى «الحطابة» تطوع أحد فنانى الجرافيتى بتشجيع منتخبه، ليس تواجده فى الاستاد وإنما بالرسم على الجدران ترحيبًا ببطولة كأس الأمم الأفريقية فى مصر. عمرو أحمد مبارك، شاب فى السابعة والعشرين من عمره، تخرج فى كلية الحقوق، ولكن كان الرسم هوايته المفضلة، وبسبب مجموعه لم تسنح له الفرصة فى الالتحاق بإحدى الكليات الفنية، لكنه استمر فى الرسم سعيا وراء شغفه، وبعد الانتهاء من دراسته كرس وقته للرسم لأنه لم يجد لنفسه مكانا وسط الأعمال الروتينة، فقرر أن يبدأ عمله كرسام جرافيتى على جدران المكاتب والمقاهى والشركات. جرافيتى بطولة كأس الأمم الأفريقية قبل أيام من بدأ البطولة، اتفق أحمد مع صديقه محمد ماهر برسم جرافيتى مناسبة كأس الأمم الأفريقية وبعد رسمته لصلاح التى نالت إعجاب الجميع، قبل الرسم بيوم واحد لم تكن الفكرة التى سيرسمها قد تبلورت فى ذهنه بشكل كامل، بل كانت أفكاره كلها تدور حول رسمة تعبر عن أفريقيا، إلا أنه أطلق العنان لخياله وشرع بالرسم على جدران المنازل حيث توصل لرسمته «فكرت فى انى اجمع فيها ملامح كتير وفى نفس الوقت تكون حاجة جديدة ومختلفة ومحدش رسمها قبل كدا فقررت ارسم نص وش صلاح فى القارة الأفريقية والمساحة المتبقية أملأها باعلام الدول الأفريقية». بمساعدة محمد ماهر صاحب المنزل استطاع عمرو مبارك إنجاز رسمته فى 7 ساعات، إلا أن سعادة صاحب المنزل وجيرانه استمرت لأيام، فالجميع يتمنى دعم المنتخب ولديهم رغبة فى الرسم على جميع المنازل.. تبرع عمرو بالرسم ولم يتقاض نظيره أجرا، بينما تكلف صاحب المنزل بثمن الألوان والفُرش الذى لم يتجاوز 200 جنيه. أوضح عمرو أنه لم تعوقه أى مشكلة أثناء الرسم وكان سعيدا لمحاولته لتشجيع منتخبه بطريقته الخاصة، أيضا بعد الانتهاء من الرسم أحس بالنجاح كونه لم يواجه بأية انتقادات من جيران ماهر بل على العكس تماما فقد شجعوه وساعدوه على أن يكمل رسمته. «هو إيه ده، هو ده صلاح، صلاح بيترسم تانى،هتخلص امتى عشان عايز أتصور جنبها» أكثر الكلمات التى سمعها أثناء رسمه لجرافيتى كأس الأمم الأفريقية.. لن يتوقف عمرو عن دعم المنتخب بعد رسمه لصلاح وللقارة الأفريقية، بل سيكمل تشجيعه برسمه لأكثر من رسمة قريبا حتى تصل رسالته للفريق ولصلاح. جرافيتى محمد صلاح فى الحطابة ايضا، ولكن فى شارع آخر أطفال أعمارهم متباينة، بعضهم ارتدى تيشيرت يحمل صورة صلاح وآخرون ارتدوا التيشرت الخاص به كتب عليه اسمه ورقم 11، البعض منهم لم يمتلك حق شراء الحذاء المخصص لكرة القدم ففضلوا اللعب بدون حزاء، أمام جرافيتى صلاح، اتخذ بعض الأطفال أرضية جدار الجرافيتى كملعب مخصص للأبطال استلهاما لروح البطولة، إيمانا منهم أنه يبعث بروح النجاح ويساعدهم على النصر. كان عمرو مبارك قد رسم جرافيتى آخر لمحمد صلاح فى نفس المنطقة على نفس المنزل، ثانِى أيام عيد الفطر المبارك بهدف تزيين منزل صديقه، لكنه اختار رسم اللاعب أثناء وقفته الشهيرة المأخوذة من رياضة اليوجا، وخلال 9 ساعات استطاع عمرو أن ينهى رسمته التى كان طولها 4 أمتار. كان الجرافيتى الخاص بصلاح مجرد رسمة فى مخيلته ولم يتوقع أن تنال كل هذا الاهتمام، أما الانتقادات التى وجدها على السوشيال ميديا فكانت موجهة بسبب حب الناس لصلاح «أكتر انتقاد استغربته لما لاقيت واحد كاتب انتو بتعبدوه» وقد استغرب صلاح من تعليق أحدهم موضحا أن فى دول آخرى صنعوا له تمثالا فكيف نحن لا نفخر به ونصنع له رسومات! واحدة من أمنيات عمرو أن تصل رسوماته للمنتخب ولصلاح، وأن تكون سببا فى دعم المنتخب وأن تصل رسائله الفنية للمنتخب المصرى. جرافيتى استاد الإسكندرية ومن الحطابة إلى عروس البحر المتوسط، وقفت فتاة فى الثانية والعشرين من عمرها تحمل فرشاتها وألوانها وبدأت ترسم على جدارية استاد الإسكندرية، استمرت لأكثر من أسبوع وبعد الانتهاء من 5 رسومات لها من أصل 17 رسمة صدر قرار من المحافظة بتوقفها عن العمل نظراً لعدم التحاقها بكلية الفنون الجميلة. أوضحت سارة رجب بنت الإسكندرية بأنه تم اختيارها كمنفذة لأعمال الرسوم على جداريات استاد الإسكندرية نظرا لاستضافته إحدى مجموعات بطولة كأس الأمم الأفريقية، وبعد اختيارها بدأت بالفعل بعمل تصاميم لشكل الجدرايات وبالفعل تم اختيار 17 من بين تصميماتها. تطوعت سارة فى رسم الجداريات ولم تطالب بمقابل نظير رسومها وتصاميمها، إلا أنها طالبت فقط بترميم جسم سور الاستاد حتى تستطيع تنفيذ الجدارية.. سارة مازالت تدرس بمعهد العالى للآثار، إلا أنها أوضحت أن واحدة من دراستها هى مواد النحت والرسم والتصوير الجدارى، فيعتبر هذا العمل من صميم دراستها. كانت مفاجأة إقصاء سارة عن إكمال الرسوم صاعقة وقعت على نفسها «يعنى بدل ما يكرمونى يوقفونى بحجة إنى مش طالبة فى فنون جميلة»، أيضا لم يكتفوا بوقفها عن العمل بل خربوا السور ومسحوا رسوماتها، وإلى الآن لم تكمل سارة رسمها ولم يرسم طلبة فنون جميلة على الجدارية، فأصبح السور مجرد جدارية بيضاء بعدما أزالوا فنها. الرسوم ال5 لسارة، كانت مختلفة، إذ كان للعنصر النسائى دور فى رسمها، فقد نفذت جدراية لوجه فتاة أفريقية وجدارية أخرى تحمل وجه سيدة كبيرة أفريقية، وجدارية لنفرتيتى معها 24 علما للدول فى البطولة، ورسمت سيدتين على طريقة الفن المصرى القديم، أيضا نفذت تصميما لقارة أفريقيا وبداخله حيوانات وغابات. اما عن التصاميم التى لم تنفذها فكانت تحمل رسمة للتميمة المصرية، وجداريتان لمحمد صلاح، كان حجم كل منهم 3*2 متر للرسمة الواحدة. أشارت سارة إلى أن الرسم على سور استاد الإسكندرية كان أحد أحلامها التى كانت تأمل بتحقيقه، إلا أنه سرعان ما اختفى هذا الحلم بعد إزالة الجداريات، مشيرة أنها تطوعت للرسم لدعم منتخبها ولدعم صلاح ولتوصيل رسالة لدعم وتشجيع المنتخب المصرى فى البطولة. كانت ردود أفعال المارة أمام الجداريات الشىء الوحيد الذى أعطاها الدافع لمواصلة عملها، وتقول أن واحدة من خططها للأيام القادمة تتمثل فى تنفيذ أكبر جدارية فى الأسكندرية لبطولة كأس الأمم الأفريقية لدعم المنتخب.