فى كل عام ومع نهاية شهر فبراير، تنتشر الألوان الزاهية، وتملأ الموسيقى سماء البرازيل احتفالًا بكرنفال ريو دى جانيرو، الذى يعد المهرجان الأكثر شهرة حول العالم، حيث ينتشر الراقصون فى جميع الشوارع، وتتبارى الفرق والمدارس الاستعراضية فى تقديم أجمل الرقصات، وسط مئات الآلاف من السياح. كرنفال ريو دى جانيرو فى البرازيل الأشهر فى العالم على الإطلاق، حيث تتنافس أبرز مدارس رقصة السامبا فى ساحة سامبودروم الشهيرة، وتنطلق مراسم الاحتفالات هذا العام فى 2 مارس وتستمر حتى 9 من مارس، ويعد الاحتفال وفقًا لموسوعة جينيس أكبر احتفال حول العالم ويضم أكبر استعراضات على وجه الأرض. الكرنفال الذى يقام لمدة 5 أيام قبل 46 يومًا من عيد الفصح ويحضره مليونا شخص يجوبون الشوارع، وينطلق قبل أول يوم من زمن الصوم المسيحى الذى يرمز فى التقاليد والعقيدة المسيحية إلى التوبة، حيث إن فترة الصوم الكبير مخصصة للتأمل فى حياتهم والتواصل مع الله، إلا أن تواريخ الكرنفال تتغير كل عام حسب التقويم المسيحى، حيث يتم تحديد تاريخ عيد الفصح من قبل القمر وعادة ما يقع بين 22 مارس و25 أبريل. حكاية الكرنفال يعتقد أن أصول الاحتفال بالكرنفال تعود إلى تقاليد الرومان الكاثوليك، حيث تشتق كلمة «كرنفال» من كلمة «Carnelevare»، والتى تعنى إزالة اللحوم، حيث امتنع الرومان عن تناول اللحوم والكحوليات فى أيام معينة كوسلية لطرد الأشياء السيئة من حياتهم. ويعتبر البعض أن الكرنفال فى الأصل مهرجان الربيع اليونانى، وكان لتكريم إله النبيذ «ديونيسوس» إله الخمر وخلال هذا اليوم يقوم السادة والعبيد بتبادل الملابس فى يوم مليء بالاحتفالات فى حالة من سكر. كما يعتقد أن الكرنفال «ريو»، كما نعرفه اليوم نشأ خلال عصر سيطرة أوروبا، ففى ذلك الوقت كان أتباع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية ينغمسون خلال اليوم الأخير فى الرقص، والمرح وشرب الكحول وممارسة الجنس قبل بداية فترة الصوم الكبير، وكان الناس يتبادلون الملابس وينخرطون فى الرقص البرى والطعام، وكان يتزامن ذلك مع تبادل العبيد. أما فى البرازيل، فيرجع تاريخ الاحتفالات بالكرنفال إلى عام 1723 مع قدوم المهاجرين البرتغاليين القادمين من جزر الأزور وماديرا وجمهورية الرأس الأخضر، وكان الناس يخرجون للشوارع يغرقون بعضهم البعض بالماء وإلقاء الطين والطعام، وكان الأمر ينتهى بهم إلى قتال فى الشوارع وإثارة أعمال شغب، ومع الوقت تغيرت المفاهيم خلال القرن 19 بوجود عروض منظمة فى المدن الكبرى والمجتمعات العظمى التى كان ينضم إليها الإمبراطور برفقة مجموعة من الأرستقراطيين مرتدين الأقنعة، وإضافة الأزياء الفخمة وبعد مرور عقد من الزمن، كانت مسيرات الشوارع المزودة بعربات الخيول والعصابات العسكرية محور الاهتمام فى الكرنفال. ومع نهاية القرن ال19، أصبح الكرنفال احتفالًا للطبقة العاملة كانوا يرتدون الأزياء المبهجة، وينضمون إلى المواكب والمسيرات مصحوبين بموسيقيين ويعزفون على الآلات الوترية والمزامير، وكان الكرنفال يستخدم خلال سنوات الرقابة العسكرية كأداة للتعبير عن عدم الرضا السياسى، بالإضافة إلى أن مدارس السامبا تستخدم السخرية والتهكم للتعبير عن عدم رضاهم عن الحكومة ورغبة الناس فى الحرية. تعد الموسيقى والرقص أهم ما يميز الكرنفال، حيث برع الأفارقة فى الموسيقى «الآفرو - برازيلية» ونقل إيقاعات السامبا النابضة إلى المواطنين فى البرازيل أثناء أيام العبودية، فالسامبا هى مزيج انتقائى من الموسيقى والأغانى وأنماط الرقص جلبها البرازيليون من أصل أفريقى معهم إلى الأحياء الفقيرة الفقيرة المحيطة ب«ريو» بعد إلغاء العبودية فى عام 1888 ، وتعتبر اليوم أحد أهم المكونات الثقافية والتراثية فى البرازيل. مراسم الاحتفال تنطلق مراسم ومظاهر الاحتفال بالكرنفال فى البرازيل، بقيام عمدة مدينة «ريو» بتتويج «الملك مومو»، الشخصية الرمزية للمهرجان بصفته ملك المهرجانات والمشرف على الاحتفال وتسليمه مفتاح المدينة الضخم الرمزى، ويقوم «الملك مومو» بإلقاء كلمة للناس معلنًا بداية المهرجان، حيث تنطلق الحفلات إلى الشوارع والرقصات فى الظهور والانتشار فى كل أنحاء المدينة. وتنافس مدارس السامبا خلال يومى الجمعة والسبت من الكرنفال فى ساحة «سامبودروم» -هو الاسم الذى يُطلق على أماكن عرض مدارس السامبا خلال الاحتفال- وتعمل المدارس الجديدة المشاركة فى الكرنفال على التباهى والتبختر بأغراضهم خلال تلك المنافسة، ويتكون السامبودروم من زقاق طويل للعرض مُحاط بمدرجات ومنصات التى تضم عشرات الآلاف من الأشخاص الذين يأتون لمشاهدة العروض الهزلية لمدارس السامبا التى يعدونها ويتمرنون عليها طوال العام. أما مدارس سامبا الأكثر موهبة، والتى تسمى بالمجموعة الخاصة، فتتنافس يومى الأحد والاثنين، وفى يوم الثلاثاء، تقام عروض لمدارس السامبا من الأطفال الذين يعتبرون فى البرازيل مستقبلا لمدارس السامبا الكبيرة، ورغم أن العنصر الدينى فقد إلى حد ما، فإن مدارس السامبا تقوم بإعداد عروضها ومسيراتها الاستعراضية بشأن بعض المحاور التى عادة ما تمثل التاريخ البرازيلى أو القضايا الاجتماعية أو البيئية فى البرازيل. أزياء السامبا تعد الأزياء من أهم عناصر الجذب فى كرنفال «ريو دى جانيرو»، حيث يتم صنع الأزياء المعقدة التى يرتديها راقصو السامبا قبل أشهر من انعقاد الكرنفال، داخل ورشة إبداعية تقع فى وسط مدينة «ريو» تتشارك فيها جميع مدارس السامبا، وتنفق بعض المدارس أكثر من 4 ملايين دولار على الملابس والأعمال التحضيرية من أجل منافسة متميزة أمام الحكام. ويحرص سكان البرازيل والزوار على المشاركة الى الكرنفال لمشاهدة جميع راقصى السامبا فى كامل أناقتهم ويرتدون الملابس المبهرة والملونة التى تحتوى على الريش، فتظهر الراقصات وهن يرتدين ملابس تعتمد بشكل رئيسى على موضوع الاستعراض الذى تم اختياره، أو ملابس سباحة من قطعتين مرصعة بالجواهر، بالإضافة لأغطية رأس ملونة عالية إلى جانب أحذية ذات كعوب عالية. مواكب الاحتفال ومن أشهر فعاليات الكرنفال «موكب السامبا» الذى تنقسم فيه كل مدرسة للرقص إلى أقسام تسمى «أجنحة»، ويتألف كل جناح من 100 عضو أو أكثر يرتدون نفس الملابس المبهجة، وفى بعض المدارس يقوم كل جناح بتصميم رقصة خاصة بهم يتدربون عليها لعدة أشهر قبل الكرنفال، ولكل جناح دور يلعبه، وبين كل جناح وآخر عربات تفصل كل قسم عن الآخر، ولجذب انتباه الحكام يتم تصميم العربات بمؤثرات خاصة، أحدها كان على شكل تنين نافث للنيران وأخرى كنسر معدنى هائل يرفرف بجناحيه. ويحتوى كل موكب استعراضى لمدارس السامبا على الزوجين اللذين يتقدمان المسيرة ويحملان علم المدرسة، وهو أول ما يلتفت إليه الحكام، إلى جانب أن المسيرة الاستعراضية تتكون من «Bahianas» وهن مجموعة من النساء الكبار فى السن اللاتى يمثلن روح مدراس السامبا ذات الجذور الأفريقية، ويحظر على أى متفرج الانضمام لهذا الجناح لأنه يعتبر مخصصًا للسيدات، ويعد ذلك طريقة للأجيال الشابة لإظهار التقدير والحب والدعم لهؤلاء النسوة اللاتى قمن الكثير لمدارس السامبا. وتعد أكثر الاحتفالات عنفًا تلك التى ينظمها «Blocos» وهم مجموعات من الجيران الذين يعملون من أجل التخطيط لإقامة حفلات الشوارع خلال الكرنفال، فأثناء الحفلات تنتشر المسيرات الاستعراضية والمنصات التى تتفجر عليها موسيقى السامبا وبذلك تعتبر هذه الأنواع من حفلات الشوارع أكثر ازدحامًا وصخبًا كما أنها يمكنها أن تجذب ما يقرب من مليون شخص.