من منا لم يحنّ إلى زمن الخطابات المكتوبة مع سماع الرائع صباح فخرى وهو يطرب «ابعتلى جواب .. وطمنى ولو أنه عتاب .. لا تحرمنى ابعتلى جواب.. وطمنى»، أو قادته ذكرياته فى الصباح مع صوت فيروز العذب وهى تشدو ب«يا مرسال المراسيل»، أو حتى رائعة نجاح سلام «عايز جواباتك، يعنى افترقنا خلاص» إلى البحث فى صندوق الذكريات عن الخطاب والجوابات اليدوية التى كانت وسيلة التواصل حتى سنوات قريبة، وتضاءلت بسبب التطور التكنولوجى واستبدالها ب«sms»، ومعها البريد الإلكترونى والفيس بوك والماسنجر والواتس آب. حتى جيل الستينيات والذى أغلبه يتقن اليوم الوسائل الحديثة، كان حتى سنوات قليلة يردد كلمات المطرب إيهاب توفيق «مراسيل مراسيل»، وربما قاده حنينه مع سماع «على اللى جرى من مراسيلك»، إلى الحنين للرسائل المكتوبة بخط اليد، وما تحمله من ذكريات بعضها حزين والبعض الآخر سعيد. الرسائل المكتوبة باليد كان لها تأثير السحر على أصحابها، فبمجرد أن تقلب فى صندوق ذكرياتك وتقع يدك على بعض منها إلا وتجد قلبك يبدأ بالخفقان، ومن لم يحالفه الحظ بذلك يجد فى رسائل غسان كنفانى إلى غادة السمان غايته، ويتمنى أن يعود زمن الجوابات مرة أخرى. أربعة من الأصدقاء، ساقهم الحنين إلى عصر الجوابات، إلى تبنى مشروع خاص يحاول العودة إلى الأجواء الكلاسيكية القديمة، وعيش حياة ما قبل «السوشيال ميديا» ورسائل «الماسنجر» و«واتس آب»، رافعين شعار «من فات قديمه تاه»، من خلال مشروع «رايفين إينك» يتولون فيه مهام إحياء ذكرى «الجوابات» المكتوبة بخط اليد، فإن كنت تريد التعبير عن مشاعرك لأحدهم، أيًا كانت طبيعة هذه المشاعر من «غضب، حب، لوم، أو امتنان»، هم فى خدمتك للتعبير عما يعجز لسانك ويداك عن الإفصاح به. الشركة مقرها فى المنصورة، وتعمل للتوصيل فى المناطق القريبة من مقر الشركة مثل المحلة ودمياط وطنطا أو إرسال الجواب بالبريد أو عن طريق شركات الشحن فى حالة وجود طلبات خارج المنصورة. «محمد فوزى» صاحب فكرة العودة لزمن الجوابات، طالب بكلية طب أسنان جامعة المنصورة، يقول إن فكرة الجوابات بدأت معه قبل عام ونصف العام لأكثر من سبب، أولها أنه كان لديه صديق خطاط يعمل على إرسال بعض الرسائل له فكانت هذه الرسائل تدخل البهجة والسرور عليه، واستلهم الفكرة من مسلسل GAME OF THRONES عندما كانت الخطابات تصل إلى الأفراد من خلال رسائل تعمل الغربان المدربة على إيصالها، وكذلك فيلم HER، حيث كانت تدور أحداث الفيلم فى حقبة زمنية متقدمة يقع الأفراد فى حب نظام تشغيل ios وبطل الفيلم يعيش قصة حُب مع نظامه ال ios والذى اختار له بأن يكون صوت فتاة ليقع فى غرام سمنثا نظام التشغيل، وكان بطل الفيلم ويدعو ثيودور يعمل فى شركة لكتابة الجوابات والخطابات وإرسالها بعد أن يأخذ معلوماته الكافية لكتابة الرسالة. كانت هذه هى الإلهامات التى أوحت له بتأسيس شركته، ويرى فوزى أن هناك الكثير من الشباب يقف عاجزًا عن التعبير عن مشاعره أو كتابتها، لذا قرر منذ سنة و3 أشهر افتتاح شركه لكتابة الجوابات، وبدأ باختيار فريقه فى العمل، وقال إنه بالفعل استطاع افتتاح شركته «رايفين إينك» فى أول سبتمر الجارى. وأضاف فوزى أن فريقه فى العمل 3 شباب بنفس الكلية،لكل شخص منهم تخصص معين فى الشركة، فهو مسئول عن العلاقات العامة والتواصل مع الأفراد وأمور السوشيال ميديا، بالإضافة إلى مصطفى ياسر (الخطاط) الذى كان أحد أسباب الوحى والإلهام لإنشاء الشركة وهو المسئول عن كتابة الرسائل، أما عن محمد كمال وعبدالرحمن حسين فهما مسئولان عن تغليف وتصميم شكل الخطاب. محمد فوزى كشف أن سبب تأخرهم فى افتتاح المشروع لمدة عام أو أكثر هو عدم توافر بعض الخامات والأدوات التى يستخدمونها، مما جعلهم يسعون لاستيراد بعض أدواتهم من الخارج، مشيرًا إلى أنهم قبل البدء فى تنفيذ المشروع طرحوا الفكرة على أصدقائهم فى الكلية، ولاقت قبولاً كبيرًا منهم، وكانت أغلب الانتقادات تتركز فى الأسعار. وأضاف أنهم طرحوا استبيانًا على عدد كبير من الشباب وجدوا أن 500 منهم رحبوا بالفكرة، وهناك 25 شخصًا مستعدون لتنفيذها، وهناك انتقادات منها لماذا استخدام الرسائل والبريد والاستغناء عن السوشيال ميديا والواتس آب والماسنجر، وهنا كان دورهم فى تعريف مشروعهم والتحدث ونشر فكرتهم للشباب. أما المسئول عن الكلمات والتعبير فأوضح بأن لديهم أكثر من خيار، إما يكتب لهم الشخص ماذا يريد كتابته نصاً وهم فقط دورهم كتابة الخطاب بيد الخطاط وتغليفه وإرساله، إما أن يساعدوه ويسألوا الشخص عن معلومات ويكتب الخطاط الرسالة ويعرضها عليه، وإما أن يعطوا الجواب للشخص ويكتب مايريده ثم يرسلونه. لضمان الخصوصية يقفل الجواب بالشمع الأحمر ولا يعرف ما كتب بداخله باستثناء الخطاط، فضلا عن كتابة الخطاب وتغليفه بورق الكرافت الغامق وربطه بحبل وختمه فى الشركة من خلال تسييح الشمع وغلق الجواب ووضع الختم. يظل التحفظ والسرية يغلفان بعض المشاعر الإنسانية بين الأفراد، مقصورة على شخصين لا يريدان أن يطلعا الآخرين عليها، ما يجعل البعض يلفظ الفكرة التى أطلقها هذا المشروع، من خلال أن يملى أحدهم مشاعره على الخطاط مصطفى فيطّلع عليها ويحولها لخطاب مكتوب. يقول محمد فوزى: «إحنا عارفين إنه فيه ناس هترفض ده، لذلك قدمنا خدمة فيها إن الورق يرسل عن طريق المندوب فارغًا ومعه الظرف يتركه معه يومًا كاملًا، يكتب الشخص ما يشاء ويغلفه ويعطيه مرة أخرى للمندوب مع أخذ ضمان كتابى من الشخص إن هذا هو خطه «مش هيسبب ضرر لحد»، يحمله المندوب وينقله إلى الطرف الآخر دون أن يطلع على محتوياته. ولم تقتصر الفكرة على طرق التواصل القديمة من خلال تبادل «السلامات والتهانى» باستخدام «الجواب» فحسب، بل أيضًا يمكن أن تستخدم كهدايا للمقربين، «أنا لو أرسلت لشخص هدية من شهر هينساها، لكن لو كتبت له خطاب من سنة أو أكثر مستحيل هينساه أو ينسى ما كتب به»، وبهذا أكد فوزى وأصدقاؤه أن الهدية يمكنها ألا تكون أشياء ملموسة وذات تكلفة عالية فحسب، لكن بضعة أسطر وكلمات صادقة يمكن أن تغنى عن ألف هدية تتعدى آلاف الجنيهات. وأضاف فوزى أن أسعار الجواب بالظرف 25 جنيهًا، والكتابة إما بالحبر أو القلم البوص ويوجد إمكانية الكتابة باللغة العربية أو الإنجليزية حسب الطلب، وسعر الحبل المربوط به الجواب 5 جنيهات، والوردة 10 جنيهات، وطابع البريد 2.5 جنيه، والتوصيل داخل المنصورة 10 جنيهات ،أما عن خارجها فحسب سعر الشحن، ويحتاج لإنجاز الطلب 3 أيام، وحتى الآن وجدوا إقبالاً كبيرًا جدًا من الجمهور والطلبات تخطت ما توقعوه. وأوضح فوزى أنهم تلقوا الكثير من الرسائل التشجيعية، حيث عبر مستلمو الرسائل عن سعادتهم بالفكرة وشكروهم على جهودهم، ومن الرسائل التى أرسلوها رسالة من ابنة لوالدتها لتنهى الخصام، وآخر من أب لابنته ليسعدها، وزوجة إلى زوجها، وبالفعل جميعهم سعدوا بما قدموا وكانت من رسائل الأفراد إليهم أنهم وصفوهم بأنهم أعادوهم لزمن السبعينيات مرة أخرى. يقول محمد فوزى: إن من خططهم المستقبلية التطوير فى الجوابات بإضافة أشكال جديدة بدءا من الشهر القادم، بالإضافة إلى إضافة أشياء تخص المرسل كإضافة وضع رائحة عطر المرسل على الجواب، وإتاحة بيع الورق والخطابات فقط والخامات وورق الكرافت.