جاء رجل مغربى على ناقته فى يوم حار إلى مدينة قوص أقصى جنوبقنا، ونزل بميدان فسيح، وأشعل مبخرته التى تصاعدت منها أدخنة برائحة غريبة، حتى مر بجانبه صبى، طلب منه الرجل أن يساعده نظير بعض المال، وافق الصبى، وأثناء تلاوة الرجل همهماته بكلمات غريبة فتحت الأرض من تحتهما، فطلب منه الرجل أن ينزل ليحضر ما يجده أمامه من ذهب وكنوز، نزل الولد وملأ جوالًا ضخمًا بها، وكمكافأة للصغير أعطاه الرجل كأسًا ذهبية مليئة بالبخور الغريب. انصرف الرجل لحال سبيله، وذهب الولد مسرعًا إلى أمه وحكى لها ما حدث، وأخذها إلى تلك البقعة وجلسا، وفعل مثل الرجل المغربى فانشقت الأرض مرة أخرى ونزل الصبى لأسفل، لكن سرعان ما انتهى البخور سريعًا قبل أن يخرج الصبى بالذهب فانغلقت عليه الأرض، وكان الناس يسمعون صوت صرخاته وصوت أجراس غريبة وحاولوا إخراج الصبى إلا أنهم لم يستطيعوا. حضارة فوق حضارى ينتشر الكثير من تلك القصص بين أهالى مدينة قوص ، خصوصًا كبار السن تحكى عن كنوز وآثار مدفونة تحت المنازل والمساجد والكنائس، بعض هذه حقيقى امتزج بالخيال وبعضها حقيقة مجردة والبعض الآخر من نسخ الخيال، قد تتعجب من تلك القصص، لكن عندما تمر بين الأزقة والطرقات بالمدينة تجد من حولك كتلا من الأحجار الأثرية، وعندما تدخل مسجدًا لتصلى تجد أعمدته من الجرانيت أو الرخام ترجع للعصر البطلمى الأول، عندها ستصدق الكثير من الحكايات المتداولة، خصوصًا أن قوص من أهم المواقع التى قد تكشف الكثير من ألغاز التاريخ المصرى القديم، فهى حضارة بنيت فوق حضارة فوق حضارة إلا أنها الآن مهملة. عرفت فى النصوص المصرية القديمة باسم «قيس»، ثم أصبحت فى العربية «قوص»، أطلق عليها الإغريق اسم «أبوللونو بوليس بارفا»، ربطًا بين إلههم «أبوللو» والإله المصرى حورس، حيث تذكر الأساطير أن حورس ولد فى قوص. معابد تحت الأرض وكان الإله الرئيسى للمدينة «حور- ور»، أى: حور العظيم (الأكبر) وذلك بحسب ما ذكره الكاتب الفرنسى جان فرنسواه شامبليون أثناء الحملة الفرنسية على مصر، ولم يتبق من آثار المدينة الفرعونية سوى أطلال طافية فى بعض الشوارع، يقول القاطنون حولها إنها جدران أحد المعابد المدفونة تحت الأرض، وعندما تمر بتلك الأطلال تلاحظ الارتفاع الكبير فى الأرض الأمر الذى يجعلك تتساءل هل هناك معابد مدفونة؟، ويقولون أيضا إن تلك المعابد فى العصر الفرعونى كانت مقرًا للكهنة، خصوصًا كهنة التحنيط والكتاب والحكماء. ويقول البعض: إن المدينة فى العصر القبطى سميت «جس» بمعنى تكفين الجثة لأن أهلها برعوا فى تحنيط الموتى وتكفينهم كما كانت ذات شأن عظيم فى العصور الوسطى إذ كانت عاصمة الإقليم منذ العصر الفاطمى حتى نهاية الخلافة العثمانية، يقول عنها ابن جبير إنها مدينة حافلة بالأسواق متسعة المرافق كثيرة الخلق لكثرة الوارد من الحجاج والتجار اليمنيين والهنود وتجار الحبشة، حيث كانت محط الرحّالة ومجتمع الرجال وملتقى الحجاج المغاربة والقاهريين والسكندريين، حيث كانت مقرًا لتجمع الحجاج للسفر منها إلى عيذاب، وهناك كانت تستقبلهم المراكب المتجهة إلى أراضى الحجاز. أصل التسمية سمى مركز قوص من أول سنة 1890 وصار يتبعه عدد كبير من القرى والنجوع المتاخمة له من البلاد القديمة مثل الأوسط قامولا والحراجية والشعرانى والمسيد والمفرجية وجراجوس وشنة هور «شنهور» التى يوجد بها معبد الإله حتحور وطوخ وعباسة وهى قرى قديمة تحمل أسماء فرعونية وقبطية، وللأسف شهدت هذه القرى العديد من محاولات سرقة الآثار كان آخرها عندما نجحت قوات الحماية المدنية فى استخراج جثتى شابين انهار عليهما بئر بعمق 15 مترًا أثناء التنقيب عن الآثار. المسجد العمرى تضم المدينة أشهر مساجد بالصعيد الجامع العمرى، الذى يرجع إلى العصر الفاطمى إلا أن التغييرات والتجديدات التى أدخلت عليه أفقدته الكثير من معالمه الأصلية، فصحن المسجد مقام على أعمدة رخامية ومن الجرانيت مزخرفة قواعدها وتيجانها بزخارف ترجع إلى العصر البطلمى، ويقال: إن الحوائط كانت مبنية بأحجار أثرية قديمة كالتى بجامع أبو الحسن الأقصرى المبنى كليًا من أحجار معبد الأقصر. تغير الجامع العمرى بتغير الزمن وتخطيط المسجد يتكون من صحن أوسط مكشوف يحيط به أربعة أروقة، فى منتصف البائكة الثالثة فى إيوان القبلة يوجد محراب يرجع تاريخه إلى العصر المملوكى، زخرفت واجهته بزخارف جصية قوامها عناصر نباتية وهندسية بديعة التكوين، ويحيط بالمحراب كتابة بالخط الثلث المملوكى نصها: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين)، وحول طاقية المحراب قوله تعالى (قد نرى تقلب وجهك فى السماء)، وفى النهاية البحرية للبائكة الرابعة والخامسة من إيوان القبلة توجد مقصورة من الخشب الخرط على جانب عظيم من الأهمية، فالجانب الشرقى من المقصورة باق على صورته الأولى، ويتكون من حشوات بها زخارف منفذة بالحفر العميق، وكذلك الجانب الغربى، وباب المقصورة مكون من حشوات سداسية الشكل يحيط بها من أعلى وأسفل أشرطة من خشب الخرط الذى شاع استعماله فى العصر المملوكى. داخل مقصورة المسجد يوجد كرسى مصحف من الخشب المصنوع بطريق الحشوات المجمعة والمطعم بالعاج والصدف، ويحيط بالكرسى شريط من الكتابة بالخط النسخ المملوكى وتتكون الكتابة من آية الكرسى والنص الآتى: «أمر بإنشاء هذا المصحف المبارك المقر الكريم العالى المولى الأميرى الأجلى عز الدين خليل المالكى الناصرى أعز الله أنصاره بمحمد وآله» ، ومن المرجح أن يكون منشئ الكرسى والمقصورة هو منشئ المحراب المملوكى بالبائكة الثالثة بإيوان القبلة أى أنها جميعها ترجع إلى أوائل القرن الثامن الهجرى. ويوجد أمام المحراب المملوكى عمود من الرخام تعلو تاجه (طبلية) خشبية عليها نصان من الكتابة الكوفية، نقلت إلى متحف الفن إلاسلامى بالقاهرة، وقام بتحقيقهما وقراءتهما جاستون فيت، فوجد أن الكتابة تحتوى على تاريخ سنة 473 هجرية وعثر على اسم سعد الدولة سارتكين المتولى قيادة الجيوش الفاطمية فى ولاية قوص وثغر أسوان المحروس. القبة الضريحية من الأجزاء المهمة بالمسجد كذلك القبة الموجودة فى الركن الشمالى الشرقى للمسجد، وهى منفصلة عن المسجد، وأنشأ القبة كما جدد بعض أجزاء المسجد مقلد بن على بن نصر فى العصر الأيوبى سنة 568هجرية ، الذى وثق أعماله فى لوح رخامى ثبته فى نهاية الجدار الشرقى، نصه (أمر بتجديد هذا الجامع المبارك العبد الفقير إلى رحمة الله مبارك بن كامل بن مقلد بن على بن نصر بن منقذ الناصرى الفخرى فى شهور سنة ثمانٍ وستين وخمسمائة). ويحتوى الجامع على لوح تذكارى آخر مثبت على باب الميضأة، نقش فى وسطه شكل مشكاة، وكتب تحته اسم المقرئ الشيخ الصالح جمال الدين محمد الناجى، وتاريخ وفاته سنة 717 هجرية، كما يوجد بالمسجد منبر يعتبر من أقدم منابر مصر المؤرخة فقد أنشئ سنة 550 ه، من الخشب الساج الهندى المحفور حفرا بارزا والمزخرف بالحشوات المجمعة التى بدأت تظهر فى أواخر العصر الفاطمى فى القرن السادس الهجرى. لوحة تذكارية وسجل تاريخ المنبر على لوحة تذكارية فوق باب المنبر وهى مكتوبة بالخط الكوفى المزهر، وتحتوى سبعة سطور نصها: الأول: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة.. أمر بعمل هذا المنبر مولانا وسيدنا الإمام الفائز بنصر الله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه المنتظرين على يد فتاه وخليله السيد الأجل الملك الصالح ناصر الأئمة كاشف الغمة أمير الجيوش سيف الإسلام غياث الأنام كافل قضاة المسلمين وهادى دعاة المؤمنين عضد الله به الدين وأمتع لطول بقائه أمير المؤمنين وأدام قدرته وأعلا كلمته فى سنة خمسين وخمسمائة). وبجوار الجامع العمرى تقع الكنيسة الإنجيلية مكتوب على واجهتها أنها تأسست عام 1868، وجددت عام 1940ميلادية. المدينة عامرة بالمهن القديمة العتيقة، كثانى أقدم معصرة للزيوت بمصر التى مازالت تحافظ على طريقة عصرها للزيوت بالطريقة البدائية القديمة، حيث توضع الحبات على حجر، ويتم عصرها بحجر من الصوان الضخم دائرى الشكل يجره ثور كبير، وبها العديد من المنازل والقصور التى يتجاوز عمرها ال100 عام، التى تزين واجهاتها زخارف إسلامية وقبطية وبعض العبارات الدينية القديمة.