كتبت: منة حسام الدين بدأ شهر رمضان المبارك، وكانت شوارع مصر قد تزينت لاستقباله من ما يزيد على شهر، حيث انتشر الياميش والبلح فى كل مكان، وظهرت شوادر بيع الفوانيس، وحرص الجميع على التسابق فى تعليق زينة رمضان كل بحسب إمكانياته، فمن الزينة اليدوية وصولا إلى أحدث الوسائل فى الإضاءة والأشكال والرسومات تنافس أبناء أحياء العاصمة لإظهار فرحتهم بالشهر الكريم. شارع المعز بالجمالية واحد من أهم مظاهر الاحتفال بشهر رمضان، حيث لا يكاد يخلو من الزوار المرتادين طوال أيام الشهر نهارا أو ليلا، فالزحام هو سيد الموقف، ومظاهر رمضان تنبع من كل مكان أو حارة صغيرة، محال صغيرة تزينت بالفوانيس بأشكالها المختلفة، وكذلك محال العطارة، لا تكاد تجد موضعا لقدم، ناهيك عن محال الخيامية. على الرغم من أن جميع المحال تفوح براحة رمضان إلا أن الشارع نفسه غير مصرح فيه بتعليق الزينة، ما جعلنا نتجول فى بعض الحوارى المتفرعة منه، بداية بحارة الدرب الأصفر، فعلى الرغم من عدم وجود إضاءة كافية بالشارع إلا أن أضواء الزينة تنير كل ركن بالدرب، وكأنها نجوم صغيرة أضاءت ما حولها. الحاج أحمد - صاحب أحد المقاهى فى الدرب - يقول: يتم تزيين شوارع الدرب بمشاركة جميع الأهالى خاصة من الشباب والأطفال، وفى منتصف الشهر الكريم تبدأ مسابقة لأجمل تزيين للمقاهى بالدرب يتم خلالها تزيين المقهى والشوارع المجاورة له». ويضيف الحاج أحمد «أن هذه الطقوس والأجواء توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، حيث يستعد الأهالى قبل 10 أيام من شهر رمضان بفرز الزينة المخزنة وإحضار الزينة الجديدة لمواكبة التطورات فى أشكالها التى تتجدد من عام لآخر، ثم يبدأ بتجهز المقهى الخاص به، وفرش بعض مفارش الخيامية على الطاولات ووضع فانوس كبير نحاسى على أحد أبواب المقهى مع وضع الهلال وبعض النجوم المصنوعة من قماش الخيامية لإضافة بعض الديكور للمقهى، وبعد ذلك يبدأ يشارك الأهالى فى تزيين الشارع، بالزينة الورقية حيث يتم تعليقها قبل رمضان بيوم أو يومين. ومن الدرب الأصفر لشارع قصر الشوق، الأطفال فى الشارع مقسمون إلى مجموعات، مجموعة كرة القدم والذين قسموا أنفسم لفرق للتنافس فى الدورة الرمضانية والتى لا تتعدى جوائزها بعض الحلوى والمشروبات الغازية، ومجموعة أخرى من صغار الفتيات وقفن بفوانيس زهرية على شكل دائرة وضحكاتهن تملأ الشارع، ومجموعة ثالثة من بعض الأطفال مع شباب الحارة يلعبون ب«البومب والصواريخ»، إلى جانب قهوة يتجمع عليها رجال الحارة. فى منطقة الجمالية لا تجد شارعا واحدا بدون زينة، الكل يشارك فى صنعها وتعليقها، وهو ما يتجسد فى حارة درب الرصاص بقصر الشوق، الشهيرة بأجمل زينة بين كل شوارع المنطقة، ما أن تطأ قدماك الحارة، إلا وتسمع صوت الزينة تهفو أعلاك فرنينها يجعل قلبك يخفق لترفع عينيك إلى أعلى لتجد الآلاف من الورق بكل ألونه تجمع معا ليرسم لوحة فنية رائعة الجمال، فأفرع الزينة تصل بين كل بيوت الحارة، لا يوجد منزل لم يشارك فى الزينة. أحمد صاحب ورشة تصنيع للسبح، شاب عشرينى شارك مع عدد من أصدقائه فى صناعة البهجة لأهالى الحارة، يقول إنه ورث حكاية تزيين الحارة عن والده، الذى كان المسئول عن تعليق وعمل الزينة، وكان يصنف حارة درب الرصاص من أجمل زينة رمضان، وبعد وفاة والده ورث هو المسئولية. يضيف أحمد «تبدأ مراحل إعداد الزينة قبل رمضان بأسبوعين على الأقل، من خلال تجميع مبالغ بسيطة من أهالى الحارة – كل حسب مقدرته- وبعدها يتم شراء الورق الملون بالكيلو ثم يقوم هو وصديقه زين بربطه على الخيوط ليصبح الفرع جاهزا للتعليق بين المنازل، وتظل الزينة معلقة إلى عيد الأضحى المبارك، ويشارك كل أطفال وشباب الشارع فى تعليق أفرع الزينة. ومن درب الرصاص إلى درب القصاصين المعروف بدرب الوحدة الوطنية، حيث محال الذهب والفضة التى تعلوها زينة رمضان المصنوعة من قماش الخيامية التى يتدلى منها النجوم والهلال والفانوس.. زينة ساهم فيها كل أصحاب المحال من المسلمين والأقباط، لنستوقف عند الحاج رضا وصديقه مينا، رجلين فى الأربعين من عمرهما، حيث أكدا أن تعليق الزينة فى الدرب من العادات والطقوس التى اعتادوا على صنعها فى شهر رمضان، يساهم فيها المسيحى قبل المسلم. ومن الجمالية والحسين إلى السيدة زينب، حيث تتعالى الأصوات بالمديح «مدد يا بنت سيدنا النبي، مدد يا أم العواجيز».. الشوارع المحيطة بالمسجد لا تخلو من المارة والمريدين، ومعها تفوح روائح رمضان الطيبة، الشوارع المحيطة بالمسجد كلها امتلأت بشوادر بيع الفوانيس ومستلزمات رمضان من الياميش والبلح وغيرها. الطقوس والأجواء تختلف عن أى مكان آخر، وهو ما أكدته لنا الحاجة أم مريم بإحدى حوارى شارع السد، فعلى الرغم من عمرها الذى تجاوز ال50 عاما، إلا أن الابتسامة لا تكاد تفارق وجهها، حيث تقول أم مريم وهى ربة منزل لديها 3 أحفاد: «لابد أن يتجمع أولادى فى أول يوم رمضان، حيث أستعد له قبله بثلاثة أيام لتحضير طعامهم المفضل، وبعد أول يوم تعود حياتى لوضع السكون لأستمتع بالأجواء الرمضانية فى جوار بنت سيدنا النبى». تضيف: «يبدأ يومى عادة قبل الفجر بتناول السحور مع بنتى الصغيرى ندى».. وبعد أن تصلى الفجر تجلس فى شرفتها للشروق ثم تذهب للنوم وبعد صلاة الظهر تبدأ بتحضير الإفطار وبعد المغرب تتوجه مرة أخرى لشرفتها لترى الأطفال يلعبون بالشوارع وتسمع صلاة التراويح». أما عن زينة رمضان، فتقول: «دائما أشاهد أطفال الشارع يتعاونون فى مساعدة بعضهم لشراء وتعليق الزينة، الأمر الذى يجعلنى أتذكر عندما كنت بنفس سنهم بدء الاحتفال برمضان، وفرحة فانوس كل عام».. الأمر فى مدينة السادس من أكتوبر يختلف كليا عما هو عليه فى الجمالية والسيدة، فعلى الرغم من الشوارع الواسعة والمنازل المنسقة إلا أن عددا كبيرا منها لم يمر عليه رمضان، إلا فقط عند محال الحلويات أو شوادر بيع الفوانيس ومستلزمات رمضان، ورغم حرص بعض الأهالى على شراء الفوانيس وتعليقها فى شرفات المنازل. آلاء فتاة عشرينية، إحدى سكان مدينة أكتوبر، تؤكد أن مظاهر الاحتفال عادة ما تكون فى المنازل مع الأسرة أو من خلال التجمعات وليس بالضرورة عمل زينة فى الشوارع، فالشوارع تفتقر لأى زينة ولأن البيوت والأسر غير متقاربين مع جيرانهم ولقلة الساكنين فى الشارع. تؤكد آلاء أن السوريين الذين يسكنون فى أكتوبر أضافوا للمدينة بعض الروح، حيث نجد الآن المحال السورية فى كل مكان والمخللات السورية وعربات العصير مثل العرقسوس والخروب والتمر هندى كل هذا كانت تفتقر إليه المدينة ولكن السوريين أحيوه، بالإضافة إلى أن التجمعات أو أماكن الخروج بعد الإفطار تكون فى المقاهى أو فى الخيم الرمضانية. فى أكتوبر يسارع الأهالى للحصول على وجبة سحور من محل «نور»، الذى يعد أحد أهم معالم رمضان بالمدينة، وهو محل «فول وطعمية» إلا أن الحصول على وجبة منه ليس بالأمر الهين، فلابد من الحجز المسبق أو الذهاب مبكرا. وعلى نفس حال مدينة أكتوبر يعيش أهالى التجمع، حيث يفتقر لمعالم الاحتفال بشهر رمضان، والذى يكمن فى الخيم الرمضانية وأجواء السحور والإفطار سويا فقط، فالميادين والمولات فقط هى التى تكسوها الزينة وبعض المنازل. ياسمين فتاه تسكن بالتجمع الثالث، أيامها فى رمضان تبدأ بذهابها للعمل ثم العودة لتحضير الإفطار مع والدتها، وتجتمع مع الأسرة أو بالإفطار مع أصدقائها، وبعد الإفطار تبدأ أجواء السهر فى الخيم الرمضانية والسحور مع أهلها أو أصدقائها سواء بالمنزل أو بالمطاعم والخيم. أما الزمالك فلا تزال تحتفط بأجواء وروحانيات الشهر الكريم، فالزينة معلقة فى الشوارع وأصوات المساجد تعلو فى صلاة التراويح، والمطاعم والمقاهى تحتفى بالديكورات الرمضانية.