عيون لامعة بالذكاء، وأنامل نابضة بالرقة، وبراءة طاغية يحاول المرض نهشها بأنيابه، خلف نظراتهم الطفولية تكمن عشرات القصص والحكايات المكتومة، وأباء وأمهات يعتصرهم الشعور بالألم وقلة الحيلة، ما أبشع الشعور بالعجز أمام مرض غامض يصيب أعز ما يملكون فى هذه الدنيا، وهم على أتم الاستعداد للذهاب إلى آخر العالم لعلاج أطفالهم من «التوحد». رغم نقص الإحصائيات الرسمية فإن عدد الأطفال المصابين بالتوحد فى مصر يقدر بأكثر من 150 ألف طفل، وأمام نقص أعداد المراكز المتخصصة فى علاج المرض راحت وزارة التضامن تدشن مركز رعاية أطفال التوحد والحضانة الدامجة بمنطقة المطرية. اختارت الوزارة أن يكون الافتتاح متزامنًا مع احتفال العالم باليوم العالمى للتوحد، الذى يوافق 2 إبريل من كل عام، والذى أقرته الأممالمتحدة منذ عام 2007، بهدف زيادة الوعى العام واهتمام صانعى القرار بالأوتيزم (التوحد)، كوباء عالمى جديد آخذ فى الانتشار. الجولة التى أجرتها «روزاليوسف» داخل المركز كانت كافية لاستيضاح معالم الصورة، فالمركز مقام على مساحة 1000 متر تقريبًا وبقيمة إجمالية قاربت 7 ملايين ونصف المليون جنيه، كأحد أهم الإنجازات التى تحققت لذوى القدرات الخاصة، تنفيذًا لإعلان الرئيس عبدالفتاح السيسى عام 2018 عامًا لذوى القدرات الخاصة بما يعنى منحهم المزيد من الاهتمام والرعاية خاصة فئة الأطفال. المركز الذى يدعمه صندوق «تحيا مصر» وعدد من المؤسسات الخيرية الأخرى يقدم خدمات طبية متنوعة ويوجد به 5 فصول تعليمية لتدريب وتأهيل للأطفال ذوى اضطراب طيف التوحد على العديد من المهارات، وتهدف الفصول إلى تنمية المهارات الاجتماعية ومهارات رعاية الذات وتأهيل الأطفال ما قبل الأكاديمى والمهارات الأكاديمية، بالإضافة إلى تعديل سلوك، بالإضافة إلى 4 فصول تعليمية لتدريب وتأهيل الأطفال ذوى اضطراب طيف التوحد على التخاطب. واهتماماً بتعليم الفن والموسيقى لدورهما فى علاج أطفال التوحد يضم المركز فصلا لتعليم الرسم والأعمال الفنية التى تساعد وتمكن خلال فصول التخاطب وتنمية المهارات كذلك تعليم الموسيقى والأورجامى، علاوة على معمل الكمبيوتر المجهز. يتم عرض الطفل عند استقباله على الطبيب النفسى المتخصص لتشخيص حالته، يلى ذلك عرضه على طبيب أنف وأذن وحنجرة يقوم بتشخيص حالات الاضطراب فى اللغة أو الإحجام عن الكلام، يعقب ذلك وضع البرامج الخاصة بالتدريب والتأهيل وفقًا لحدة اضطراب التوحد لدى الطفل ومستوى الذكاء بناء على تقييم الأطفال من خلال الاختبارات والمقاييس الخاصة بالتوحد وقصور الانتباه والفرط الحركى، ثم يتم وضع البرامج العلاجية سواء الخاصة بتعديل السلوك وتنمية المهارات أو التخاطب والتكامل الحسى والعلاج الوظائفى والسيكو موتور والعلاج بالفن. مدير المركز تتحدث التقينا الدكتورة غادة قطب مدير المركز وهى حاصلة على درجتى الماجستير والدكتوراه فى علاج مرضى التوحد، فقالت: كنا نفتقد التكامل فى الأنشطة والمجالات الطبية والسيكولوجية والمهارات الحركية للطفل المصاب بالتوحد، فالمرض أصبح منتشرًا بشكل كبير فى كل دول العالم، يصل عدد المصابين بالتوحد بمصر لأكثر من 150 ألفًا. وتابعت قطب: المركز يستوعب خمسين طفلاً يومياً، وحينما يأتى أطفال أكثر من ذلك العدد أستقبلهم ، وعند ذلك نقوم بفتح ملف له ولأسرته يتضمن الإرشادات الخاصة بالتعامل مع نوعية الاضطراب التى يعانى منها، ويتم وضع برنامج علاجى فردى للتعامل مع توحد الطفل والسلوكيات المراد تعديلها، ونقاط القوة لديه والمعززات التى يمكن استخدامها . يتم تنفيذ جلسات تدريبية للطفل المصاب بالتوحد فى غرفة السيكوموتور وهى غرفة مرتبطة بالعضلات الدقيقة يتعلم فيها الطفل كيف يمسك الأشياء الدقيقة بيديه، وغرفة العلاج الوظائفى إلى تساعد طفل التوحد فى توظيف أجزاء الجسم، حيث إنه يفقد ذلك، وغرفة التكامل الحسى. 29 باحثًا من مختلف التخصصات يبلغ عدد القائمين على هذا المركز 29 شخصاً، من تخصصات مختلفة، أغلبهم حاصل على ماجستير أو دبلوم فى مرض التوحد، إضافة لعمل دورات تدريبة لهم من أساتذة جامعة عين شمس، مع العلم أن أسعار المركز زهيدة جداً مقارنة بالمراكز الشبيهة، حيث يقل بنسبة أكثر من 40 %، كما أن المركز يتميز بأنه يجمع ثلاث غرف لا توجد فى الأماكن الأخرى، التكامل الحسى والوظائفى والسيكوموتور. الدكتور محمد على مختص بالأمراض نفسية والعصبية بالمركز وهو مسئول عن الكشف على الأطفال قبل التحاقهم بالمركز يقول: أحدد طبيعة المرض وأضع الخطة العلاجية لعلاجه ويتم تنفيذها من خلال الإخصائيين النفسيين، ويجب وضع طفل التوحد فى فترة تنمية المهارات حتى يكونوا قريبين من الأشخاص الطبيعيين. طفل التوحد عادة ما يصرخ وبالتالى يتم عزلهم عن الأطفال العاديين، ويندمج طفل التوحد مع الأطفال الطبيعيين بعد وضعه فى كورس تخاطب وكورس تنمية مهارات ويتحسن سلوكه ويقوم بممارسة الرياضة عند الوصول لمرحلة متقدمة فى العلاج. الموسيقى كوسيلة للعلاج هناك أنواع أخرى من طرق العلاج وهى العلاج بالموسيقى، تقوم عليه بالمركز مروة صلاح وهى حاصلة على كلية تربية نوعية قسم تربية موسيقية، وسبق لها التعامل مع أطفال ذوى احتياجات خاصة، ثم تخصصت فى التعامل مع أطفال مصابين بمرض التوحد تقول: مهمتى أن أساعد على تنمية المهارات السمعية للطفل المصاب بالتوحد وأغلب أطفال التوحد لديهم حساسية سمعية، فأنا أعمل على الرتمات البطيئة لاستقبال الطفل للمثيرات السمعية، بهدف معرفة الاتجاهات الأربعة بالآلات الإيقاعية وإعطاء الطفل التوحد الثقة فى نفسه حتى يستطيع أن يستقبل المثير الذى يصل إليه ويتقبله. هند محمد مسئولة تنمية مهارات بالمركز وهى حاصلة بكالوريوس خدمة اجتماعية ودبلومة فى تربية الخاصة بالأطفال التوحد، تقول: تتم تنمية مهارات الأطفال المصابة بمرض التوحد من خلال تقسيمهم لفصول حسب العمر العقلى للطفل وعمرهم الزمنى، ويتم عمل تدريبات معينة كالتآزر البصرى والحركى لتنمية تفاعلهم الاجتماعى الذى لا يوجد لديهم مطلقاً. من ضمن تنمية المهارات أن يصل الطفل المريض للرعاية الذاتية لذاته فيدخل الحمام بمفرده ويأكل بالملعقة بمفرده ويشرب بمفرده، ولكل طفل طريقة لقياس مدى شفائه وأحياناً يستغرق الهدف الواحد شهرًا أو ثلاثة شهور، حسب الانتظام فى تنمية المهارات. غرفة التخاطب لها مواصفات معينة فيجب أن تكون خالية من أى عوامل تشتت للطفل، ويتم استخدام المرآة أثناء تلك الجلسات لتعريف الطفل أجزاء جسمه وحركاته الكبرى والصغرى، كما توضح ميادة فتحى إخصائية التخاطب والصحة النفسية، لافتة إلى أن جلسة التخاطب تتراوح بين 10 و 30 دقيقة فى اليوم. أسر أطفال التوحد أكدت أم الطفلة «سندس» أن فتح مركز للتأهيل الأطفال التى تقبل الأطفال المصابين بمرض التوحد، حل مشكلة كبيرة، حيث كنا نعانى من عدم قبول أى حضانة لأطفالنا، ومن يقبلونه يشتكون منهم طوال الوقت ويؤدى ذلك لسوء الحالة النفسية للطفل. وعبرت الأم عن سعادتها أن القائمين على المركز متخصصون ولديهم وعى بالمرض بشكل أكبر، ابنتى بالمركز منذ شهر، وظهر لديها تحسن ملموس بدأ من حبها للمركز والمدربين به، وأصبحت تفضل النوم مبكراً حتى تستيقظ مبكراً لتذهب للمركز، وذلك كافٍ بالنسبة لى. أنا متفائلة ولدىّ أمل كبير جداً فى تأهيل ابنتى بشكل يسمح لها الدمج مع الأطفال الآخرين - تمضى السيدة الأربعينية- موضحة: أهم ما أخشاه دائمًا هو خروج ابنتى معى للسوق أو مكان آخر بسبب نظرة المجتمع لها، فهى ممكن تقوم بعمل شىء لا يقبله الآخرون. نورى طفل يعانى من التوحد، ولا يدرك شيئًا عن العالم الذى يعيش فيه، فهو له عالم خاص به، أكدت والدته أن تأهيل بالمركز يتم بشكل ممتاز جداً، والمتخصصون بالمركز يحسون بنا كأمهات، وقلوبهم على الأطفال كوالديهم تماماً، إضافة إلى أن الأسعار الجلسة باليوم عشرة جنيهات وهو سعر زهيد مقارنة بأسعار الجلسات التى تصل لخمسين جنيهاً فى حضانات الأخرى، ورغم أنها ليست بالكفاءة وليس لديها متخصصون بالتوحد كما يوجد بالمركز.