عندما فكرت فى الجلوس بين يدى الكاتب الصحفى عبد الله حسن، وكيل أول الهيئة الوطنية للصحافة، ورئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط الأسبق، لم أكن أبحث فقط عن معلومة موثقة حول كثير من الأمور المثار بشأنها جدل فحسب، ولكن لأنى أعرف أن درجة قربه من المشير عبدالغنى الجمسى رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة فى حينه سوف تسمح لى أن أسأله عن تفاصيل ما جرى فى فترة مفصلية من تاريخ البلاد - فترة الحرب - وتسمح له بأن يجيب بكل دقة. حفل الحوار بالكثير من المعلومات التفصيلية حول حقيقة ما جرى فى تلك الفترة فهو أكد أن الرئيس الأسبق حسنى مبارك دعا أشرف مروان لحضور حفل زفاف نجله «جمال» فى شرم الشيخ، كما نقل على لسان مبارك: أشرف قدم للبلد خدمات جليلة لم يحن وقت إعلانها وأعتبرها شهادة براءة . قال وكيل أول الهيئة الوطنية للصحافة إن أمين هويدى رئيس جهاز المخابرات الحربية الأسبق لم يكن يعرف عن نشاط أشرف مروان مع الموساد شيئًا، لأن الرئيس السادات احتفظ بأسرار تلك العمليات بينه وبين نائبه حسنى مبارك ولم يكن أشرف مروان يعلم أن مبارك على دراية تامة بتفاصيل علاقته بالإسرائيليين. بحكم كونه محررا عسكريا إبان فترة الحرب تحدثت مع الأستاذ عبدالله حول صورة مبارك الشهيرة والمتهم بتزييفها من خلال تركيب وجهه على جسد الفريق سعد الدين الشاذلى فنفى تماما تزييف الصورة، وحكى قصة دخوله غرفة عمليات القوات المسلحة.. وفى السطور التالية نص الحوار: كيف حدث الاتصال بين شخصية بحيثية أشرف مروان زوج بنت الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وجهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد»؟ - عقب وفاة الرئيس جمال عبدالناصر تولى الرئيس أنور السادات الحكم وبدأ الترتيب للحرب والحقيقة أنه شرع فى عملية الخداع للجانب الإسرائيلى مبكرا، وبالفعل طلب من أشرف مروان أن يقوم بمهمة كسب ثقة الجانب الإسرائيلى، وفى البداية كان يعطيه معلومات صحيحة كى يطمئن له الإسرائيليون حتى جاء موعد الحرب واستطاع استخدامه فى تضليل الإسرائيليين. ولكن السيد أمين هويدى رئيس المخابرات الحربية فى ذلك الوقت عندما سئل عن حقيقة دور أشرف مروان قال إنه لا يعرف عن الأمر شيئا فما السبب؟ - هذا راجع إلى أنه كان يحصل على التكليفات بشكل مباشر من الرئيس الراحل أنور السادات فلم يكن له ملف فى المخابرات المصرية كعميل مصرى، فهو صاحب دور سياسى أكثر من دوره الاستخباراتى. تحدثت مع الرئيس الأسبق حسنى مبارك عن علاقة أشرف مروان بإسرائيل فماذا كان رده تحديدًا؟ - كان ذلك فى خضم الضجة المثارة إعلاميا بشأن ولاء الرجل بعد وفاته، وكنا على الطائرة مع الرئيس الأسبق فى إحدى رحلاته الخارجية وقت أن كنت رئيسا لتحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط، سألناه هل حقًا كان أشرف مروان عميلًا مزدوجًا بين مصر وإسرائيل، فنفى ذلك قطعيًا وقال إن الرجل كان وطنيا، قدم للبلد أعمالًا جليلة وأن بعض هذه الأعمال لا يمكن الحديث عنها لاعتبارات الأمن القومى. الرئيس الأسبق قال أيضا أنه كان يعلم بحكم موقعه كنائب للرئيس الراحل أنور السادات أن الأخير كان يكلف أشرف مروان بمهام خاصة وكان أشرف ينفذها وهو لا يعلم أن مبارك على علم بها من الرئيس السادات. الحديث عن دور أشرف مروان فى خدمة إسرائيل يتغافل عن حقيقة مهمة وهى أنه كان أول من شغل منصب رئيس الهيئة العربية للتصنيع فى 1975 وظل يشغل المنصب حتى 1979، ألا يعد هذا دليلا يضاف لأدلة براءة الرجل؟ - بعد قيام حرب أكتوبر توقف تعامل أشرف مروان مع المخابرات الإسرائيلية وانتهت التكليفات التى كانت تطلب منه من قبل الرئيس السادات، وتفرغ لرئاسة الهيئة العربية للتصنيع ومما يؤكد براءته من التهمة أيضا تكريم الرئيس السادات له ومنحه وسام الجمهورية، وبقاؤه مقربا من الرئيس الأسبق مبارك، فقد كان من القلائل الذين حضروا زفاف جمال مبارك فى شرم الشيخ، وللعلم فإن إسرائيل عقب الحرب شكلت لجنة للتحقيق فى أسباب وقوع هذه الثغرة وعدم المعرفة بموعد قيام الحرب على وجه الدقة. وكيف استطاع أشرف مروان خداع إسرائيل بشأن توقيت اندلاع الحرب؟ هو أبلغهم بأكثر من موعد للحرب، فى أول مرة قال لهم إن الهجوم سيبدأ نهاية سبتمبر، ثم عاد وقال إن الهجوم تأجل حتى 2 أكتوبر ثم قال لهم إن الموعد الذى تحدد هو يوم 5 أكتوبر، وفى مساء يوم 5 أكتوبر اتصل بهم وقال أن لديه معلومة شديدة الخطورة وطلب فى مقابلها الحصول على مبلغ 100 ألف دولار، وبالفعل التقى رئيس الموساد وأبلغه بأن الهجوم سيبدأ يوم 6 أكتوبر مع غروب الشمس، وقد كانت الأعراف العسكرية تقول إن الهجوم يبدأ مع أول ضوء أو آخر ضوء شمس فى اليوم، والحقيقة أن القوات المصرية كانت ترى أن الأربع ساعات بين الموعد الحقيقى للهجوم (2 ظهرا) والموعد المزيف كفيلة بإنهاء المهمة الأولية لسلاح الطيران فى الحرب. قيل أن الموعد الأصلى كان مع آخر ضوء شمس وليس فى الساعة 2 وأن الموعد تم تعديله فى آخر لحظة؟ - غير صحيح، وبحكم قربى من المشير الجمسى عرفت منه لاحقا أنه تم تكليفه بإجراء دراسة للمد والجزر فى القناة وكذلك حركة الرياح وغيرها، وأنه كتب اقتراحا على هامش كشكول ابنته أن يكون الهجوم الساعة 2 ظهرا وليس كالمعتاد أول النهار أو آخره. والمعلومات الدقيقة فى هذا الشأن أن جولدا مائير رئيس وزراء إسرائيل فى ذلك الوقت كانت تشك فى ولاء أشرف مروان فيما كان جهاز الموساد واثقا فيه تماما وبالفعل بدأت طائرات تحلق بالقرب من القناة لاستطلاع القوات المصرية فوجدت الضباط والجنود يلهون ويسبحون فى القناة وفى حالة استرخاء تامة. الروايات الإسرائيلية حول تجنيده متضاربة، فهناك رواية تقول أنه كان جاسوسا لصالح إسرائيل وهناك رواية تقول أنه كان عميلا مزدوجًا، ما تفسيرك؟ - الحقيقة أنهم حاولوا التخفيف من حجم الكذبة عندما وجدوا أنها غير منطقية، فقالوا إنه كان عميلا مزدوجا، كما أن الرواية حول عملية تجنيد أشرف مروان مليئة بالثغرات المنطقية، هم قالوا إنه لجأ نتيجة حاجته إلى الأموال إلى السفارة الإسرائيلية فى باريس وطلب منهم أن يعمل معهم نظير المال، وذلك رغم أنهم يعلمون أن المخابرات المصرية تراقب السفارات الإسرائيلية فى الخارج وتتبع أى مصرى يتعامل معها، علاوة على أنه شخصية ذات حيثية فهو زوج بنت الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر. برأيك ما دلالة وفاته بهذه الطريقة فى لندن وهل حقا كانت بسبب صراعات تجارة السلاح؟ - تقديرى الشخصى أن الموساد متورط فى تصفيته فى لندن ردا على خداعه لهم. كنت محررا عسكريا، وفى ظل خطة الخداع التى كان يجرى تنفيذها كان لابد من إخفاء موعد الحرب وفى نفس الوقت مطلوب توثيق ما يجرى.. ما الذى جرى تحديدا؟ - كانت التعليمات أن يتم الدفع بمحرر ومصور إلى قيادة الجيشين الثانى والثالث وإلى المنطقة المركزية، وبالفعل تحركوا قبل الحرب بأسبوع دون أن يعرفوا طبيعة المهمة التى سوف يغطونها، وكان من المفترض أن يتحرك هؤلاء للجبهة يوم الحرب، فى الوقت ذاته الضباط المقرر لهم التحرك لم تكن لديهم معلومات باصطحاب المصورين ومن ثم أبقوا عليهم فى مقر القيادة لحين اتخاذ قرار بشأنهم ولذلك لم تتم عملية التوثيق على النحو الأفضل لأحداث اليوم الأول من الحرب، ولحقنا بهم فى اليوم الثانى. فى اليوم الثانى تجمعنا معا وتم نقلنا للجبهة لأن المشير عبدالغنى الجمسى رئيس هيئة العمليات وقتها لم تعجبه الصور الواردة من عملية الاقتحام وقال إنها لا تظهر حماسة الجنود بالقدر الكافى. من الأمور التى أثير حولها الجدل كثيرا صورة الرئيس مبارك إلى جوار الرئيس السادات وأمامهما خريطة لسيناء، قيل أن الرئيس مبارك زيف الصورة بوضع صورته على جسم الفريق سعد الدين الشالى.. ما حقيقة ذلك؟ - الحقيقة أن الصورة غير مزيفة فهى من مؤتمر صحفى أعقب الحرب ووقتها كان الفريق سعد الدين الشاذلى غادر موقعه كقائد لأركان حرب القوات المسلحة، وهذه الصورة لها قصة إذ أن الرئيس السادات دعا المحررين العسكريين لمقر غرفة العمليات ولشرح ما جرى وبالفعل تم فرد خرائط لشبه جزيرة سيناء وتم إخفاء بعض التفاصيل، والصورة تضم عددا من المحررين العسكريين أعرف بعضهم مثل الأستاذ موسى صبرى والأستاذ محسن محمد. لكن مبارك لم يكن عضوا فى هيئة العمليات وقتها؟ - بالفعل بصفته قائدا لقوات الطيران فقد كانت لديه غرفة عمليات خاصة للسلاح، كان يتابع منها ما يجرى فى الميدان والتقى بعدها بالسادات أبلغه بنتيجة الضربة الجوية، ولم يكن وقتها فى غرفة العمليات الرئيسية. هى كانت معركة بالأسلحة المشتركة؟ - ذات مرة كنت أجلس مع المشير الجمسى فقال لى نعم هى كانت معركة أسلحة مشتركة لكن المشكلة أن كل من هب ودب قال أنا شاركت فيها حتى الشرطة العسكرية التى كانت مهمتها تنظيم عملية سير القوات، أنما الأسلحة الرئيسية كانت الدفاع الجوى والطيران والمدفعية. هل ظلم الرئيس السادات الفريق سعد الدين الشاذلى بإبعاده من موقعه وتولية المشير عبدالغنى الجمسى رئاسة هيئة العمليات؟ - إطلاقا، فقد أرسله سفيرا فى لندن، ولندن دائما كانت محط أنظار الدبلوماسيين، وفى أحد حوارات الرئيس مبارك قال أن تطلعاته وقت أن كان فى الجيش لم تكن تزيد على أن يصبح سفيرا بعد التقاعد فى لندن بلد «الإكسلنسات». بعد ذلك أقنع معدو البرامج فى القنوات البريطانية والأمريكية بإجراء مواجهة مع السفير الإسرائيلى فى لندن، وعندما أذيعت اعترض الرئيس السادات وقال إنه كان يجب على الشاذلى أن يستأذن أولا قبل إجراء مثل هذه المواجهة، وتوترت العلاقة بينهما، فتم نقله للبرتغال وقيل للشاذلى وقتها أنه تم نقله للبرتغال تمهيدا لقتله مما أشعل العلاقة بينهما. كنت شاهدا كمحرر عسكرى على الحرب فى أكتوبر، عند المقارنة بينها وبين الحرب الجارية الآن على الإرهاب، فأى الكفتين ترجح؟ - فى الحرب الأولى كانت الجيوش نظامية، ومن ثم كانت الجيوش تعلم تماما مناطق تمركز وحجم قوة كل طرف وتستطيع تحديد نوع السلاح المستخدم وتتوقع رد الفعل، أما الآن فالجنود والضباط يحاربون لهوا خفيا، فهم يحاربون أفرادا أقل فى التدريب والتسليح، لكنهم مدعومون خارجيا علاوة على كونهم غير منظمين ولا يتواجدون فى منطقة بعينها ودائما يطورون من تكتيكات وأساليب هجومهم، ومع ذلك ما زلنا نجد بطولات فردية عظيمة مثل المجند الذى استقبل السيارة المفخخة بجسده ليحمى زملاءه والضابط الذى قاد المدرعة ودهس بها السيارة المفخخة وغيرهما من القصص البطولية اليومية، وينبغى هنا الإشارة إلى أن العمليات الإرهابية فى انحسار مستمر. شهدت إعلان المخابرات قصة بطولة «جمعة الشوان» أو أحمد الهوان، هل حقا أنه كان عميلا مزدوجا لصالح إسرائيل؟ - غير صحيح، فقد جلسنا مع قيادات المخابرات وحكوا لنا قصة تجنيده واستخدامه فى خداع المخابرات الإسرائيلية، وللعلم هو ساهم فى الكشف عن جاسوس إسرائيلى فى مصر، فعندما أرادوا توصيل جهاز اللاسلكى المتقدم وقتها إليه دفنوه فى جبل بمنطقة الأدبية ولكن المخابرات المصرية طلبت منه أن يبلغهم أنه لن يستطيع الاقتراب من المنطقة لأنها مراقبة عسكريا وبالفعل تم إحاطتها بأكثر من نقطة تفتيش، وظل الجهاز مدفونا أكثر من 5 شهور حتى جاء الجاسوس الإسرائليى واستخرجه من مكانه وتم تتبعه وإلقاء القبض عليه بعد ذلك، وهى القصة التى جسدها الفنان سعيد صالح فى مسلسل «السقوط فى بئر سبع».