جاءت الأزمة القطرية لتصب فى صالح أطراف محددة استغلت الموقف من أجل تحقيق مصالحها سواء على مستوى الدول أو الأفراد وكانت إيران وتركيا فى مقدمة الدول التى استفادت من المقاطعة العربية للدوحة، إذ تسببت الأحداث الأخيرة فى إنعاش حركة التجارة والزراعة والنقل فى هاتين الدولتين اللتين أصبحتا الموردين الأساسيين للمنتجات الغذائية والمياه لقطر، كما أصبحت الموانئ الإيرانية والعمانية من أكبر الموانئ انتعاشا خاصة أن معظم الحاويات التجارية المتجهة إلى الدوحة كانت تمر عبر الإمارات والسعودية قبل أن تعلن الدولتان مقاطعة الدوحة. استخدام المجال الجوى الإيرانى تسبب فى إنعاش الحركة الجوية فى إيران وشهدت المطارات الإيرانية حركة غير مسبوقة، كما استفاد عدد من خطوط الطيران الأخرى، ويعد أكبر المستفيدين شركتا طيران الخليج والخطوط الجوية السنغافورية، اللتان تتنافسان مع شركة الخطوط الجوية القطرية على مسارات النقل الرئيسية. إضافة إلى لوفتهانزا، والخطوط الجوية الكويتية، وشركة السعودية للطيران، وشركة الخطوط الجوية الفرنسية والتركية والهولندية، وشهدت هذه الشركات زيادة فى عدد الحجوزات. كما شهدت البنوك الإيرانية والتركية انتعاشا فى حركة السيولة والمبادلات المالية لدفع حسابات المواد المصدرة إلى قطر. الشركات التركية حصلت على عقود بمليارات الدولارات لتوريد جميع المنتجات الغذائية لقطر وفى مقدمة تلك الشركات (بانفيت، وبينار إت أون، وبينار سوت). على مستوى الأشخاص ظهر وبعد غياب دام لأكثر من ثلاث سنوات حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها الذى توارى عن الأنظار ولم نعد نسمع عنه شيئا بعد فترة ملأ فيها الإعلام العربى بتصريحات وخطب وشغل الشارع العربى بقضايا وأمور لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بل أدخل الدول العربية فى صراعات داخلية وانقسامات نتيجة تدخلاته فيها، الذاكرة الإعلامية والسياسية حافلة بما فعله بن جاسم من أجل تدمير ليبيا وإدخال جماعات إرهابية فيها وتقسيمها إلى دويلات، كاتب السطور كان مشاركا فى اجتماع وزراء الخارجية العرب «الجلسة المغلقة» الذى شهد تعليق عضوية سوريا بالجامعة العربية، وكان حمد بن جاسم وقتها رئيس الدورة غير العادية لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية وشهد كيف لعب بن جاسم الدور الأساسى والرئيس فى تعليق عضوية سوريا وأنه خالف ميثاق الجامعة العربية وقواعد التصويت فى تلك الجلسة، وأعلن بعدها لوسائل الإعلام أنه بالإجماع تم تعليق عضوية سوريا؛ مع أن هناك دولا كانت قد طلبت كلمة وأبدت تحفظا على تعليق عضوية سوريا إلا أنه لم يسمح لممثلى تلك الدول بالحديث بحكم أنه رئيس الدورة. مندوب سوريا فى الجامعة العربية وقتها السفير يوسف أحمد قال عبارة مشهورة له «أنت مطية يا بن جاسم». بن جاسم كان من يدير السياسة الداخلية والخارجية لقطر إبان فترة حمد بن خليفة، وكانت قوة وسطوة بن جاسم كبيرة وطغت على حمد بن خليفة لذلك لم يستطع الأمير الإطاحة به حتى جاء انقلاب ابنه تميم عليه، لأنه لم يكن يجرؤ ويقدر على الإطاحة ببن جاسم. بن جاسم عاد مجددا للظهور مدافعا عن سياسة قطر لا عن تميم، بالنسبة له وجد الفرصة مواتية ومناسبة للعودة والظهور بل للاستيلاء على الحكم فى قطر، لذلك لا أبالغ إذا قلت إن عودة حمد بن جاسم هى بمثابة انقلاب على تميم، وأن بوادر نتائج المقاطعة العربية لقطر بدأت فى الظهور مع ظهور حمد بن جاسم. عودة بن جاسم تشير إلى أمرين، الأول أن تميم غير قادر على إدارة الإمارة وإحكام علاقاتها مع دول الجوار الخليجى خاصة السعودية، العلاقات القطرية السعودية منذ انقلاب 1995، لم تكن فى أحسن حالاتها بل كان هناك توتر بين الدوحة والرياض، إلا أن حمد بن جاسم بحكم أنه مهندس سياستها الخارجية والداخلية لم يستطع أن يتخطى الدور الإقليمى السعودى وظل محافظا على هذا الخط، صحيح قد يكون حدث تخط أو تداخل مع الدور السعودى فى لبنان وفلسطين إلا أن الغلبة فى النهاية كانت للجانب السعودى. الأمر الثانى أن عودة بن جاسم بالرغم من أن الشيخة موزة كانت حريصة على إبعاده عن إدارة أمور الإمارة تشير إلى أنه لا يزال يتمتع بنفوذ وقوة تفوق قوة تميم نفسه، تلك القوة التى أثارت خوف وقلق حمد بن خليفة وموزة، ولعل هذا ما دفع حمد بن خليفة إلى التنازل عن العرش لصالح ابنه تميم حتى يستطيع الإطاحة بحمد بن جاسم الذى كانت له قوة تفوق قوة الأمير نفسه. حمد بن جاسم أصبح الآن يدير الأزمة القطرية مع كل من مصر والسعودية والإمارات والبحرين، فهو صاحب فكرة تدويل الأزمة القطرية وإطلاق «حصار» وليس «مقاطعة» عليها، حمد بن جاسم يعمل الآن من خلال اتصالاته مع مراكز صنع القرار وعدد من المسئولين الأمريكيين للضغط على الدول العربية المقاطعة للدوحة لإنهاء تلك القطيعة وعودة العلاقات معها مستخدما فى ذلك السلاح الذى استخدمه قبل ذلك فى الحصول على استضافة كأس العالم 2022، ألا وهو الرشى بمليارات الدولارات. بن جاسم هو من رسم دور قطر فى المنطقة هو من فتح الباب على مصراعيه لاستقدام جماعات إرهابية وعناصر متشددة من مختلف بقاع الأرض من أفغانستان وباكستان ومصر وسوريا والعراق وفلسطين واليمن. ومن ثم فإن وجوده وتصدره للمشهد هو بمثابة انقلاب ثان بعد أن قام بالانقلاب الأول مع حمد بن خليفة عام 1995.