دعاة جدد، أدركوا أن الناس ملوا من الدعاة التقليديين وعرفوا حقيقتهم، بأنهم يغلفون أقوالهم بحديث الترهيب، فاختاروا طريقًا وأسلوبًا أكثر نعومة، تركوا الجلباب واللحية الكثيفة، وظهروا بالشعر المفرود والكاجوال، مستخدمين فى ذلك التنمية البشرية برقتها، لكن منبع الخطاب واحد والبداية متشابهة جدًا مع بدايات السلفيين، والمحصلة واحدة. مصطفى حسني، معز مسعود، شريف شحاتة، ثلاثة شباب قدموا أنفسهم على أنهم الموديل الأحدث للدعاة، انطلقوا من حيث انطلق يعقوب وحسان، والحويني، تحديدًا من قناة «اقرأ» الفضائية، ليقدموا خطابًا يشبه إلى حدٍ كبيرٍ خطابات السلفيين. قريبًا سيظهر ضحايا هؤلاء كما ظهر ضحايا شيوخ السلفية فكما تشابهت البدايات ستتشابه النهايات. بدأوا يمررون خطابهم الدعوى تمريرًا مسطحًا وكأن هناك شيئاً غامضاً لا يحتمل الظهور فى النور، وبذاك الخطاب استقطبوا قطاعًا كبيرًا من الشباب الذين كانوا يسارعون لحجز مقعد فى ندوة أو حلقة تليفزيونية لهم، انتشروا بسرعة البرق بين الشباب، مستغلين فى ذلك كل الأدوات المستحدثة أمامهم فى الطفرة التكنولوجية التى حدثت خلال ال10 سنوات الأخيرة ما بين مواقع التواصل الاجتماعى وموقع اليوتيوب. مصطفى حسنى بدأ مشواره ببرنامج «الطريق الصح» على قناة «اقرأ»، منذ سنوات بنبرة هادئة وتوسل دائم للمشاهدين، وإلحاح مبالغ فيه، فجأة تحول إلى طريقة أخرى بانتقاد تصرفات الناس وبدأ خطابه يحمل شيئا من الحدة بعد أن أطمأن أن عدد المتابعين له قد زاد بالشكل الذى لم يكن يطمح له، فاتهم الفتيات بأنهن محرضات على الفتنة بإثارتهن للشباب بالأزياء التى وصفها ب«غير اللائقة» مع الحجاب، وهى الحلقة الأشهر فى برنامجه بعد أن عرض مجموعة من المانيكان ترتدى أنماطًا مختلفة من الحجاب، ويشير لها بعصا تشبه، إلى حد كبير عصا جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ويشرح على المانيكان ويضربها فى مواضع مختلفة، يدعو الله ألا تغضب منه الفتيات خلال المشاهدة، وقال إن كل من وصفهن متبرجات مثيرات للشهوة، وبحسب ضوابط الحجاب الشرعى من وجهة نظره التى فرضها فى الحلقة فإن ما يقرب من %90 من المحجبات لا يلتزمن بالحجاب الشرعي. قال إن من ترتدى البنطلون لا يصح لها أن تُقابل النبى به، إن ما يظهر من رقبتها محفز رئيسى للإثارة حتى وإن ارتدين فساتين «فضفاضة» بلونٍ زهري، مفسرًا ذلك بأن اللون الزهرى يحفز على الإثارة أيضًا. د.سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر وصف ما يقدمه هؤلاء الدعاة بأنه نوع من فرض الوصاية على الناس، ولو كانوا علماء فمهمتهم نقل ما لديهم من معرفة للناس وترك كل فرد يتخذ قراره بمفرده ومحض إرادته. حلقة الحجاب ل«حسني» كانت انطلاقته نحو فرض آرائه على الناس بخلاف الحلال والحرام، فتبعها بفتوى عن مدى حُرمانية تصفح الشباب والفتيات موقع «الفيس بوك»، وذهب إلى أبعد بأن حرم «الشات» بين الفتاة والشاب. «حسني» ترك طريق الفتاوى قليلًا ليسلك مسلكًا آخر على نفس الدرب بأن قدم برامج أخرى مثل «فكر»، «على طريق الله»، «فن الحياة» وغيرها، مستخدمًا فى ذلك صوتاً أقوى وأقل حدة، يستقبل الأسئلة ويجيب عنها معتمدًا على فكرة الروحانيات بشكل أكبر مقدمًا نصائح عن حب الحياة لتبدو وكأنها برامج تنمية بشرية ضعيفة ذات صبغة دينية فتلقى القبول سريعًا أى أنها نوع من التمرير السريع. خريج كلية تجارة، جامعة عين شمس، إلا أنه حصل على شهادة معهد إعداد الدعاة التابع للأوقاف ليتفادى الانتقادات التى وجهت لسلفه عمرو خالد من أنه لم يحصل على شهادة تؤهله للحديث فى الدين، وتكون صكًا مقدمًا له تبرر ما يقول فى الحلال والحرام والفتاوى التى يُصدرها على متابعيه إلكترونيًا، حيث بلغ عدد تسجيلات الإعجاب بصفحته على «فيس بوك» 29 مليوناً، أما قناته على «يوتيوب» فتصل إلى 755 ألفاً و944 مشتركًا، فيما بلغت عدد المشاهدات 103 ملايين و453 ألفاً و402 مشاهدة، بينما وصل عدد متابعيه على «تويتر» 3 ملايين و940. العدد الكبير من المتابعين على الحسابات لم يكن يتلقى الفتاوى فحسب، لكن حسنى كان يدرك أهميته فى أن هؤلاء المتابعين قد يسيرون على خطاه فيما يُبدى من آراء باعتباره داعية وضعوا ثقتهم فيه، ولا أحد يدرى إن كان لهذا علاقة بآرائه السياسية أم لا، حيث سبق له أن أعلن تأييده لمحمد مرسى مرشح جماعة الإخوان المسلمين فى انتخابات 2012 وبعد ثورة 30 يونيو، صرح لبرنامج «آخر النهار» بأن الكلام فى السياسة لغير المتخصص «خيانة». وفى إحدى حلقاته ادعى إن مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة ظل يصرخ من ألم الهرش لدرجة أن سكان تركيا سمعوه وأن ذلك دليل على سوء الخاتمة، نتيجة لتطبيقه للعلمانية، والحقيقة إن أتاتورك مات بتليف فى الكبد. شهرته الواسعة جعلته يحاضر فى أكاديمية الشرطة عن الأخلاق والنصح بالدين، والتى سبق أن قدم منها بيانًا علنيًا فى حلقاته بضربه المانيكان بعصا «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر». لم يفته فى حديثه المزين بالتنمية البشرية أن يتحدث عن الصبر والرضا والزهد، بينما كان يظهر مع اللاعب محمد صلاح مرتديا تيشيرت يبلغ ثمنه 700 يورو. حسنى المثل الأعلى للداعية شريف شحاتة الذى اعتبره قدوته، لكن شحاتة كان الأكثر جدلاً، ويعتبر حسب آرائه الحادة أقرب إلى مدرسة أبو إسحاق الحوينى، مع اختلاف الزى من جلباب ولحية كثيفة إلى ملابس كاجوال ولحية مهذبة، واعتمد فى معظم أحاديثه على الفرقعة الإعلامية. عندما سُئل كيف تصبح داعية متميزا؟ أجاب أتحدث الإنجليزية، أذهب إلى النادي، أتصفح الإنترنت!. ووفقًا لتعريفه لنفسه على المنتدى الخاص به، فإنه متخصص فى الفيزياء، حصل على دبلوم الدراسات الإسلامية من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وعدد من الدورات فى مجال التنمية البشرية، جعله يؤلف 30 كتابًا ويطرحهاً فى الأسواق لتحقق له مبيعات ضخمة اعتمدت عناوينها على الثقة فى النفس، والسبب ذاته جعله محاضرًا بمدارس دولية، ومعدًا ومقدمًا لبرامج بالقنوات الفضائية، وخطيبًا لصلاة الجمعة بعدد من المساجد. بدايته من قناة الناس ببرنامج «دعوة للتحدي» وظل يتنقل بين القنوات المشهود لها بالخطاب العنيف مثل الرحمة إلى غيرها من فضائيات البرامج المتنوعة، وأصبح ضيفًا فى كثير من البرامج وأطلق من خلالها العديد من الفتاوى والآراء الصادمة، منها تفسيره لأسباب التحرش وأنها ترجع لتبرج ولبس الفتيات، ولم يبين وضع فتواه من الأطفال الذين يتعرضون للتحرش. شحاتة خلط بين الفتوى والرأى الشخصي، وبذلك صبغ آراءه بصبغة دينية ليصنع حولها قدسية زائفة. مع زيادة شهرته بين الشباب المصرى تحول من داعية إلى استشارى للصحة النفسية والاتزان العقلى والمشكلات الزوجية، دون أن يوضح الأسباب، هل هى أسباب اقتصادية؟ أم ماذا؟ كما وصف نفسه وتغير شعاره على صفحاته بموقعى فيس بوك وتويتر من التركيز على الدعوة الدينية إلى التركيز على الإرشاد النفسي. الداعية معز مسعود كان له دخول مختلف تمامًا على ساحة الفضائيات، لكن تشابه معهما فى البداية السلفية من قناة «اقرأ»، وظهر فى بدايته فى ثياب التائبين قائلًا: أنه كغيره من الشباب يلهو ويعصى الله، ولأنه يملك الموهبة الفنية، وخريج كلية الاقتصاد من الجامعة الأمريكيةبالقاهرة، ساعده ذلك فى أن يكون داعية، وأنه أصبح كذلك بعد عدة إشارات ربانية اعتبرها تحذيراً من الله، وأوضح أنها انتهت بحادث فى رأس السنة جعله يرى الموت وبعد أن نجا قرر أن يسلك طريق الهداية على حد تعبيره. حصل على درجة الماجستير فى الدراسات الدينية وعلم اللاهوت من جامعة كامبريدج فى مشواره الدعوي، فقدم للمشاهدين من 2008 حتى 2011 عدداً من البرامج الدينية تم تصوير بعضها فى أربعة بلدان مختلفة عربية وأوروبية من بينها مصر، بدأت «بالطريق الصح» البرنامج ذاته الذى انطلق منه مصطفى حسنى والقناة ذاتها التى سبقهم منها عمرو خالد، وتحدث فيها عن الحجاب وحكم النقاب والعلاقة بين البنت والولد، الشذوذ وعلاقة الفن بالتدين، لكن بأسلوب مزدوج يعتمد على الموافقة المشروطة، واستهوت آراءه الكثيرين خاصة الفنانين مما دفع الفنانة «درة» للتأكيد فى أحد اللقاءات التليفزيونية أن معز مسعود الداعية الأقرب لها. فى رمضان 2012 قدم برنامج «رحلة اليقين»، وهنا كان البرنامج أشبه بالحوار مع الفنانين والسياسيين والإعلاميين عن الدين الإسلامي، حتى أصبح نجماً موسمياً ينتظر برنامجه فى السباق الرمضانى فى 2013 قدم «خطوات الشيطان»، والذى كان مطورًا أدخل عليه الشكل التمثيلى للمواقف اليومية المتكررة ليحث المشاهدين للنظر إلى الحياة بمنظور دينى ومواجهة الصعاب بالقرآن والحديث فهما الحل السحرى لكل مشاكل الحياة. حرص على أن يكون مختلفًا عن غيره من الدعاة الجدد فلحن أغنية برنامجه «الطريق الصح»، التى غناها الفنان محمود العسيلي، وشارك فى إنتاج فيلم اشتباك، واتجه مؤخرًا للغناء وذلك من خلال مشاركته للمطرب أمير عيد فى أغنية «يا رحلة». لعب مسعود على وتر معايشة الشباب بالتواجد معهم وطرح التساؤلات عليهم، حتى بلغ عدد المشتركين على قناته الرسمية على يوتيوب 174 ألفًا و849 مشتركًا و10 ملايين و442 ألفا مشاهدة ويتابعه على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك ما يزيد على 8ملايين و400 ألف شخص، وعلى تويتر 3 ملايين و460 ألفا. ولم تخل مسيرته من لعب الدور السياسي، حيث دعا إلى ضرورة توفير خروج آمن للرئيس حسنى مبارك من السلطة، وكتب فى أوائل يناير 2012 مقالاً فى صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية هاجم فيه المجلس العسكري، كما أصدره خلال إحدى حلقات برنامجه الدينى «ثورة على النفس» على الإعلان الدستورى الذى أصصدره الرئيس المعزول محمد مرسي، وطالب بإسقاطه. الباحث السويسرى «باتريك هايني» فى كتابه إسلام السوق، قال إن ما يقدمه هؤلاء الدعاة الجدد يتماشى مع الثقافة الاستهلاكية التى دفعت الدعاة إلى الخروج من عباءة القنوات الدينية إلى القنوات المتنوعة ضمن سياق تعددية المحتوى المعروض، وهو ما جعلهم يبتعدون عن اللغة الفصحى ويستخدمون لغة سهلة، يحضرون حفلات عامة يلتقطون خلالها الصور مع المعجبات فضلًا عن حفلات التوقيع وهو ما جعلهم أقرب إلى نجوم السينما. يقول الداعية سعد الدين الهلالى إننا لدينا جيش من الشيوخ يحاول أن يكون وصيًا على الشعب، ورغم ذلك أخلاقنا فى الحضيض، ونحن بحاجة إلى رجال علم متخصصين ولسنا فى حاجة إلى رجال دين فحكم الشعب بجيش من الشيوخ من ابتكار الدولة العثمانية للسيطرة على الشعوب وجعل الفتوى رأياً دينياً وقانونياً معًا. ومن يفرضون على الناس الحلال والحرام لابد أن يوجهوا خطابهم لله وليس لنا فالممنوع والمسموح قرار شأنى والحرام ليس له علاقة بالممنوع وفى المقابل الحلال مفصول عن المسموح. مسعود، وشحاتة، امتداد طبيعى لظاهرة عمرو خالد الأكثر شهرة والذى فرض نفسه على الساحة بمجرد ظهوره داعية بسيط يرتدى البدلة بعيدًا عن الجلباب واللحية المخيفة، ووقتها أخذ الكثير من فريق برهامى والحويني. ورغم اختفائه بعد 25 يناير عن الأضواء إلا أن عدد المعجبين به على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك يزيد على 26 مليون شخص، ووصل عدد متابعيه على تويتر 8.2 مليون متابع، فيما يبلغ عدد متابعيه على انستجرام 2 مليون و300 ألف متابع. وله العديد من القنوات على موقع «يوتيوب» ويشترك فى قناته الرسمية 483 ألف مشترك، ويبلغ عدد مشاهدات هذه القناة 81 مليوناً و166ألف مشاهدة، أما قناة «بسمة أمل» مع عمرو خالد، فيشترك فيها 157 ألفاً و803 أشخاص بينما بلغت عدد مشاهداتها 24 مليونا و801 ألف و213 مشاهدة. د. أشرف منصور أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، يرى أن الدعاة الجدد ظاهرة إعلامية وليست تجديدية تتضمنها جوانب تجارية بحتة، ينقلون الخطاب الوعظى الأخلاقى إلى الشباب أصحاب المستويات العليا وبالتالى فهو خطاب مخصص لشباب لا تستهويهم الخطابة الدينية الرسمية التقليدية والمتحجرة. الجديد فى هؤلاء الدعاة - بحسب أشرف منصور- الشكل واللغة فقط، لا يقتربون من القضايا الدينية الشائكة وليس لديهم قدرة على التعامل معها نتيجة تقيدهم بالبيزنس الإعلامي، فقط يرددون مقولات فارغة من المضمون حول تسامح الإسلام ووسطيته، كمحاولة لإنقاذ سمعة الإسلام التى تشوهت نتيجة للإرهاب. متعجبًا من كونهم غير قادرين على حماية الشباب من الوقوع فى التطرف فكثير لا يفهمون المقصود بتجديد الخطاب الديني، ويشاركهم فى ذلك مؤسسة الأزهر فعدم وجود خطة حول الذى يجب تجديده من الخطاب، ولا تعرف ما العيب كى تعالجه. عبدالمهدى عبدالقادر أستاذ علم الحديث بجامعة الأزهر، أكد أن معهد إعداد الدعاة فى وزارة الأوقاف يخرج أناساً لدينا الكثير من التحفظات عليهم وهؤلاء الدعاة الجدد يتحايلون على الإسلام ولا يصح أن يكون هناك بيزنس فى الدين من أشخاص ليس لهم فى الدين شيء.