الثغرات القانونية التى يمتلئ بها قانون بناء وترميم الكنائس، والتى حذرت «روزاليوسف» منها فى متابعاتها للقانون عقب مناقشته وصدوره، والذى يمثل إعادة صياغة للخط الهمايونى المتعسف لبناء الكنائس، ويمثل إهدارًا صريحًا لحقوق شركاء الوطن فى حرية بناء دور عبادتهم. ورغم التحذيرات المتكررة من تلك الثغرات، إلا أن هناك من استبشر خيراً وتفاءل بالقانون، ورأى الكثيرون أن القانون خطوة كبيرة نحو اكتمال حقوق المواطنة للأقباط. كانت أكبر المشكلات التى تواجه تطبيق هذا القانون على أرض الواقع هى الترخيص لعدد كبير من الكنائس بنيت دون تصريح وتوفيق أوضاعها القانونية, كذلك إعادة فتح ما يقرب من 50 كنيسة تم إغلاقها فى العهد السابق لدواعى أمنية، وخرج علينا الأنبا بولا مهندس صياغة القانون وطمأن الجميع بأنه لن تغلق كنيسة تقام فيها العبادات، وقد نص القانون على تشكيل لجنة برئاسة رئيس الوزراء لتقنين أوضاع الكنائس وفتح المغلق منها، وكان الغرض من اللجنة توفيق الأوضاع وليس وضع شروط للتراخيص قد لا تتوافر وتكون هناك بعض الكنائس مهددة بالتوقف أو استمرار الإغلاق وربما الهدم، ولكن فجأة خرج علينا المهندس شريف إسماعيل بقرار وزارى يعيد شروط الخط الهمايونى العثمانى مرة أخرى للترخيص لتلك الكنائس لتصبح المخاوف من ثغرات القانون قد تحققت بالفعل على أرض الواقع. القرار الذى أصدره شريف إسماعيل رئيس الوزراء بتاريخ 26/1/2017 والذى حمل رقم 199 ونشر فى الجريدة الرسمية فى يوم صدوره، يعود مرة أخرى ليقر الشروط العشرة المجحفة لبناء الكنائس والتى أصدرها العزبى باشا وكيل وزارة الداخلية عام 1934 كشروط لتقنين أوضاع الكنائس التى بنيت بدون ترخيص والكنائس المغلقة، والاختلاف الوحيد بين شروط العزبى وشريف هو أن الأول نص صراحة على ضرورة موافقة 10 جهات، أما الثانى فقد جاء برؤساء تلك الجهات كأعضاء فى لجنة فحص الكنائس، وهم كما جاءوا بالمادة الأولى من قرار رئيس الوزراء: (وزير الدفاع، ووزير الإسكان، ووزير التنمية المحلية، ووزير العدل ووزير الآثار، وممثل عن جهاز المخابرات العامة، وممثل من هيئة الرقابة الإدارية، وممثل من قطاع الأمن الوطني، وممثل الطائفة المعنية)، وهو ما يعنى أن الكنيسة التى تريد توفيق أوضاعها لا بد أن تحصل على موافقة الجهات التى يمثلها أعضاء اللجنة وهو ما تفصح عنه المادة الثالثة من القرار بوضوح حيث اشترطت الترخيص للكنائس أو إعادة فتح المغلق منها (أن يكون مبنى الكنيسة سليمًا من الناحية الإنشائية وفق مهندس استشارى إنشائى معتمد من نقابة المهندسين، وأنه مقام وفقاً للاشتراطات البنائية المعتمدة وملتزم بالضوابط والقواعد التى تتطلبها شئون الدفاع عن الدولة والقوانين المنظمة لأملاك الدولة العامة والخاصة بالمجتمعات العمرانية الجديدة، وحماية الآثار وتنظيم هدم المبانى غير الآيلة للسقوط والحفاظ على التراث المعماري)، لتدخل تلك الكنائس من جديد فى متاهات وغياهب الحصول على الموافقات والتى تمتد إلى سنوات طويلة وهو ما يجهض القانون فى مهده. الاشتراطات التى حددها قرار رئيس الوزراء مفادها أنه لا ترخيص لتلك المبانى لأن الشروط الواردة لن تنطبق على تلك الكنائس، فاشتراط سلامة المبانى من الناحية الإنشائية لن يتوافر فى كثير من الكنائس المغلقة منذ سنوات طويلة لدواعى أمنية نتيجة عوامل التعرية وعدم صيانة تلك المبانى لفترات طويلة، وبالتأكيد ستخرج التقارير الهندسية بعدم سلامة تلك المباني، فهل تظل هكذا كما هى مغلقة؟ كان يجب على رئيس الوزراء أن ينص قراره على إصدار تراخيص هدم وبناء للمبانى التى أصابها التلف والتى لا تنطبق عليها الاشتراطات البنائية، أما بالنسبة للكنائس التى بنيت بدون ترخيص فبالتأكيد أنها بنيت مخالفة للشروط والضوابط التى حددها القرار وإلا كان قد صدر لها ترخيص بالبناء فهل تهدم تلك الكنائس أم تعامل معاملة المساجد التى لا يجوز هدمها ولدينا العشرات منها مخالف لكل شروط البناء والتخطيط العمرانى ويتم الترخيص لها كأمر واقع؟ المادة الخامسة من القرار تدخل بالكنائس التى تريد توفيق أوضاعها إلى متاهات على الزيبق وملاعيب شيحة، فعلى الرغم من أنه لن تحظى أى كنيسة بتوفيق أوضاعها فى ظل اشتراطات هذا القرار إلا أن قرار اللجنة رغما عن ذلك لا يكون نهائياً ولكن يجب رفع الأمر بعد ذلك إلى مجلس الوزراء لاتخاذ ما يراه من تدابير تجاه الكنائس طبقاً لتوصيات اللجنة، فنصت تلك المادة على (توقيع محاضر وتوصيات اللجنة من رئيسها وتعد اللجنة تقريراً شهرياً يعرض على مجلس الوزراء لاتخاذ ما يراه فى شأنه من إجراءات أو قرارات لتوفيق أوضاع المبانى المنصوص عليها فى المادة الثانية من هذا القرار وحسم أى خلاف بشأنها) وهو الأمر المستغرب فكيف يحسم مجلس الوزراء خلافًا قائمًا بين إحدى الكنائس من جهة واللجنة من جهة أخرى وبين أعضاء تلك اللجنة خمسة من الوزراء ويترأسها رئيس الوزراء، فهل سيكون رئيس الوزراء طرفاً فى خلاف بصفته رئيس اللجنة ويعرض هذا الخلاف على مجلس الوزراء ليتخذ فيه قرارا ويعتمده رئيس الوزراء بصفة رئيس مجلس الوزراء فيكون شريف إسماعيل خصمًا وحكمًا؟ وقرار اللجنة فى النهاية هو قرار إدارى يتم التظلم منه لدى مجلس الدولة والمحكمة الإدارية بدرجتها والتظلم لمجلس الوزراء هو تغول من السلطة التنفيذية على السلطة القضائية واغتصاب لصلاحيتها. أثار قرار رئيس الوزراء موجة من الغضب فى الشارع القبطى خاصة بين مرتادى الكنائس التى أغلقها الأمن، والذين تفاءلوا خيراً بصدور قانون بناء الكنائس ليعطى لهم بارقة أمل فى العودة الى الصلاة داخل كنائسهم التى هجروها لسنوات طويلة، إلا أن القرار جاء صادماً محبطاً للجميع، وهو ما دعى المستشار نجيب جبرائيل رئيس المركز المصرى لحقوق الإنسان لإصدار بيان شديد اللهجة استنكر فيه الشروط الواردة فى القرار وتشكيل اللجنة،جاء فيه: (إلى هذه الدرجة أصبح بناء الكنائس مخيفا، لدرجة انه يحاط بترسانة من كل الأجهزة الرقابية، وما دلالة وجود هذا الكم الضخم من الأجهزة الرقابية؟ هل ذلك يمثل ترضية للسلفيين بطريقة غير مباشرة وللذين كانوا يرفضون قانون بناء وترميم الكنائس؟ ولماذا هذا التمييز المفضوح بين شركاء الوطن وهل هذه الأجهزة الرقابية أيضا منوطة بالرقابة على بناء المساجد؟ وهل أصبحت الكنائس هى مكان لإيواء الإرهابيين وتخزين المتفجرات حتى تكون عليها رقابة من كل تلك الأجهزة السيادية والرقابية والأمنية).