كتب: قسم التحقيقات بمهارة بهلوان يمشى على الحبال، استطاع الدكتور مفيد شهاب التعايش مع 3 عصور، كان فى كل منها شيئا غير الآخر. فى عهد الراحل جمال عبدالناصر، استل سيف الاشتراكية وتغنى بثورة العمال والفلاحين، وفى عهد السادات أصبح رأسماليا يُطبل ل «انفتاح السداح مداح»، أما فى عهد المخلوع فأصبح ترزى قوانين بجوار ( الأسطا فتحى سرور). وإذا كان قد اختفى بعد ثورة 25 يناير، فقد عاد يطل برأسه بعد 30 يونيو، يلمح إلى أنه مستعد لأى خدمة. الرجل مشتاق وعنده لوعة، لم يفقد وهو فى الثمانين من العمر حبه للسلطة، وهو قابل ومتقبل لأى دور، فالمهم أن لا يغادر الساحة. بالإضافة إلى إشرافه على رسالة دكتوراة تدفع بمصرية تيران وصنافير، وفق ما نشرت الزميلة (الصباح) فقد أبدى «الخبير القانونى» النصح للدولة المصرية للتوقيع على اتفاقية سد النهضة.. أى ب«البلدى» ورطنا. يعد من أبرز الشخصيات فى مصر التى حظيت ب «الخلود السياسى» رغم تقلب الأوضاع وتغير الظروف، يرجع ذلك إلى طبيعته وتكوينه اللذين مكناه من المواءمة والتناغم مع نظامى عبدالناصر والسادات، قبل أن يضبط إيقاعه على موجة نظام مبارك. مفيد شهاب «نموذج» لرجل كل العصور.. قاد حملة «التطهير» فى منظمة الشباب الاشتراكى، وانتهى به المطاف ليكون من «بطانة» جمال مبارك. هو «المُطهر الذى تستخدمه السلطة فى كل وقت وكل زمان، فهو الاشتراكى فى منظمة الشباب وهو الانفتاحى فى عصر السادات، وصانع القوانين فى عصر مبارك». عندما كان فى سن الثلاثين من عمره كان عضوا فى منظمة «الشباب الاشتراكى» التى أنشأتها حكومة عبدالناصر فى مطلع الستينيات، وتربى بين أسوار معاهد الاشتراكية. أسوأ سنوات المعاناة للطلاب فى ممارسة السياسة، داخل الحزب الوطنى، كانت فى عهده، وتولى كتابة التقارير القانونية، بعد توليه منصب وزير الشئون النيابية والقانونية، فهو الذى رفع للرئيس الأسبق حسنى مبارك تقارير حول قانون الصحافة الذى يضمن عقوبة الحبس للصحفيين. ولم تمر أيام قليلة على إعلان مصر توقيع معاهدة سد النهضة مع دولتى إثيوبيا والسودان، إلا وبدأت تتكشف حقائق توقيع المعاهدة التى تمت على وجه السرعة، دون معرفة صاحب تلك المبادرة التى وصفت إعلاميا بالمنقذة للوطن، واعتبرها خبراء كارثة على مستقبل البلاد. «مفيد شهاب» 80 عاما، رئيس جامعة القاهرة الأسبق، ووزير التعليم العالى الأسبق، ووزير المجالس النيابية والشئون القانونية أيام حكم الرئيس المخلوع حسنى مبارك، أحد هؤلاء المخططين لوثيقة المبادئ التى وقعتها مصر مع دول حوض النيل. كان له دور كبير فى إعداد وثيقة سد النهضة، خاصة أنه بث الطمأنينة للدولة عن الوثيقة، ودافع عنها بشدة، لنقلها مصر من منطقة التوتر والشك إلى منطقة التعايش والنوايا الحسنة! عينه الرئيس الأسبق مبارك رئيسا لجامعة القاهرة عام 1993 كمكافأة له على استرداد طابا، وسط تفاؤل طلاب وأساتذة الجامعة بِمَقدم الرجل، صاحب الخبرة القانونية العريضة، كأحد أهم أساتذة القانون الدولى. ولقب شهاب ب«ترزى مبارك» كونه صاحب اقتراحات بمشاريع قوانين عدة أصدرها النظام، إضافة إلى إجادته الدفاع عن نظام مبارك، وكان من بينها اتهامه للمعارضة بالغوغائية لمجرد ترديدهم ما ورد فى تقرير لجنة تقصى الحقائق حول غرق العبارة «السلام 98» ليكون كلامه سببا فى إفلات الحكومة من العقاب. ولا يختلف اثنان على أن مفيد شهاب، لديه من الخبرات والمزايا الشخصية ما يؤهله للتعامل مع كل الأنظمة، حتى لو كان باستخدام تناقضات ومبررات لأجل الحفاظ على وجوده فى المشهد السياسى. كما لا يمكن إنكار قدراته على التقرب من صناع القرار داخل الدولة، حتى إنه يكاد يكون من أكثر الشخصيات التى تعاملت مع كل الأنظمة. لذلك يوصف بأنه أحد الشخصيات القليلة التى حظيت بالخلود السياسى، لقدرته على التناغم مع نظامى جمال عبدالناصر وأنور السادات، قبل أن يغير من إيقاع شخصيته حتى يتواءم مع نظام حسنى مبارك. نجح فى أن يصبح أحد الرجال الأقوياء داخل الحزب الوطنى الحاكم، ويحصل على لقب ترزى قوانين مبارك، لما عرف عن إمكانياته التى تؤهله لصياغة القوانين بشكل يمكّن النظام من السيطرة على كل شيء. انخرط مفيد شهاب ابن الإسكندرية فى نظام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى بداية حياته المهنية من خلال عضوية منظمة الشباب الاشتراكى التى أنشأها ناصر. ومع الوقت أصبح عضوا بارزا فى المنظمات الاشتراكية، وعرف عنه ميله للسلطوية، وحبه للوصول سريعا إلى الترقى، الذى يؤهل لمستوى اجتماعى أفضل. بدأ بريق السلطة يظهر فى عينيه عقب تكليفه وآخرين بتطهير منظمة الشباب من العناصر غير المنضبطة التى شاركت فى المظاهرات التى طالبت بمحاسبة المقصرين فى نكسة يونيو 1967. ومع نجاحه فى هذه المهمة، حصل على منصب رئيس تحرير صحيفة «الشباب العربى» التى كانت تصدر عن المنظمة، ثم عين أمينا للشباب وقرر الإبقاء على كل من يتأكد ولاؤه، مما دفع الدولة لمكافأته بتعيينه عضوا فى اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى عام 1969، وظل متمسكا بكل الأفكار التى تساعده دوما على التقرب من السلطة. دافع شهاب وباستماتة عن استمرار القطاع العام، وضرورة أن تقوم الدولة بتنميته لتقوية الاقتصاد المحلى، وكاد ذلك أن يطيح به من الحياة السياسية فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، مع قضية مراكز القوى لولا أنه فضل السلطة عن أى شيء آخر. وبين عشية وضحاها، تحول مفيد شهاب من كونه أشد المتحمسين للاشتراكية والحفاظ على القطاع العام، إلى أحد أكثر المؤيدين لسياسة الانفتاح الاقتصادى فى عهد الرئيس أنور السادات. عاد مجددا ليدافع باستماتة، ليس عن القطاع العام هذه المرة، وإنما عن الرأسمالية ويخرج فى العديد من الندوات ليجمد الفكر الرأسمالى ويعظ المواطنين بأهميته لأجل نهوض الدولة بعد حالة الحرب مع إسرائيل عام 1973. على مدار تاريخه السياسى لم يبال بأى نقد يوجه إليه بل استخدم كل أدواته باحترافية متناهية كى يستمر فى حالة الخلود السياسى، ما مكنه أن يصبح أحد أقوى المقربين من مبارك. ولا ينسى أحد أن نظام مبارك استخدمه فى تعديل الدستور عام 2007، لحرمان محمد البرادعى من دخول الانتخابات الرئاسية ضد مبارك، فضلا عن تعديل بعض القوانين لحبس الصحفيين وإقصاء أشد المعارضين، مما دفع البعض إلى وصفه بأنه «الرجل المطهر للأنظمة». تناقضاته فى الجمع بين شغف الارتقاء والخلود السياسى، والحفاظ على ضميره القانونى جعلت منه شخصية جديرة بأن تحظى بإشادة بعض معارضيه، خاصة فى طريقة إدارة هذه التناقضات. هو صاحب العبارة الهشيرة بأن «الرقابة الدولية على الانتخابات تحمل اعترافا ضمنيا بالغش والتزوير»، وهو فى نفس الوقت صاحب العبارة المضادة لها التى تقول «أهلا بأى رقابة دولية». لذلك تبدو كل هذه القرائن التاريخية مبررا منطقيا لعودة الرجل إلى الساحة السياسية بعد خمس سنوات، مطمئناً لماضيه مع الأنظمة، وخبرته فى أن يختار الألفاظ التى يدافع بها عن نفسه، والتوقيت والطريقة التى يظهر بها، يدعمه فى ذلك أحد رجال مبارك القلائل الذين برأتهم ساحات المحاكم من أى تهم تتعلق بالفساد المالى والإدارى، رغم التحقيق معه بعد ثورة يناير 2011 فى قضايا تتعلق بالفساد واستغلال النفوذ. وكان جهاز الكسب غير المشروع قد بدأ برئاسة المستشار عاصم الجوهرى، مساعد وزير العدل، التحقيق مع الدكتور مفيد شهاب، وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية السابق، فى بلاغات اتهامه بالكسب غير المشروع، ومثل شهاب أمام رئيس هيئة الفحص والتحقيق لمباشرة التحقيقات التى أجراها الجهاز فى تضخم الثروات بطريقة غير مشروعة، وتمت مواجهته بتضخم الثروات واستغلال النفوذ، ومناقشته حول إقرارات الذمة المالية، والحصول على موافقته على الكشف عن سرية حساباته فى الداخل والخارج. كما تمت مواجهة شهاب بتحريات هيئة الرقابة الإدارية التى أشارت إلى تضخم ثرواته بطريقة غير مشروعة، وأفادت بأنه يمتلك 4 فيلات فى التجمع الخامس ومنطقة جولف القطامية، والساحل الشمالى، ومصر الجديدة، وأن هناك ممتلكات مسجلة باسم نجله المدرس فى كلية طب قصر العينى، كما يمتلك 4 شقق وفيلتين فى مصر الجديدة، و4 فيلات فى الساحل الشمالى، والعديد من قطع الأراضى هو وأبناؤه.