اكتسب الرئيس الراحل محمد أنور السادات ما يكفى من الأعداء فى العالم العربى والاتحاد السوفيتى على حد سواء فى فترة حكمه، ومن أبرز أسباب «العداوة» للرجل أنه كان غامضًا، قلما استطاع الآخرون التعرف على ما يخطط له. عداء الروس اكتسبه عندما قرر التعامل بشكل مختلف عن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فخرج من المعسكر الشرقى إلى الغربي، وهو الأمر الذى بلغ ذروته بطرد الخبراء العسكريين الروس، رغم أن معظم أسلحة الجيش المصرى آنذاك كانت من موسكو. على أن هذا العداء «ذاب» الآن إلى حد كبير، إلى حد أن الصحافة الروسية تحتفى بالرئيس الراحل سنويًا فى السادس من أكتوبر، ذكرى الحرب، وذكرى استشهاده معًا. ورأت صحيفة «برافدا» الروسية أن قرار السادات الاستغناء عن التعاون العسكرى والتقنى مع الاتحاد السوفيتي، كانت له دوافع خداعية للتأثير على الموقف المصرى فى الحرب، وتحديدًا أثر القرار فى إيهام «تل أبيب» أن الجيش المصرى أصبح «مقصوص الجناح»، بعد ما فعله السادات، وهو ما جعل المخابرات الإسرائيلية تغفل الكثير عما يفعله السادات، مضيفة أن قراره ساعد على الحفاظ على السلام، وإعادة هيكلة الجيش. وبحسب الصحيفة، فإنه عندما تولى السادات الرئاسة عام 1970، لم يكن أحد فى مصر، ولا فى الغرب أو فى الاتحاد السوفيتي، يعتقد بأنه سوف يستمر طويلا، وكانت مصر دولة علمانية بناء على «الاشتراكية العربية» وقد منعت جميع الأحزاب السياسية، وحظر جماعة «الإخوان المسلمين»، وكان نفوذ الاتحاد السوفيتى ساحقًا، الأمريكيون بالكاد كانوا على هامش الوطن العربى ليس فقط فى مصر، بل فى جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط. ونقلت الصحيفة عن مصادر المخابرات السوفيتية قولها إن السادات قد تأثر إلى حد كبير من قبل زوجته، جيهان السادات، ذات الأصول الإنجليزية وهى التى ساعدته على تطوير العلاقات المصرية مع الغرب. ووصفت الصحيفة الروسية السادات بالرجل الذكي، وكان يتصرف بحذر شديد من أجل تهدئة يقظة القيادة السوفيتية، ففى مايو عام 1971 وقع معاهدة الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفيتي، وفى يوليو من عام 1972، طالب السادات 15 ألف من الخبراء السوفيت بالانسحاب من مصر، واقترح على موسكو على الفور تمديد اتفاق استخدام الموانئ المصرية من قبل القوات البحرية السوفيتية. تلك السياسة المرنة للسادات التى تشبه المثل المصرى العام «شد وارخي»، هى ما مكنته من جهة، من الحصول على الأسلحة السوفيتية، ومن ناحية أخرى، فتح علاقات جديدة مع الولاياتالمتحدة وخداع الإسرائيليين، وأضافت الصحيفة أنه هكذا ولدت حرب أكتوبر عام 1973 من طبيعة غريبة للتفكير فى الحرب بدهاء. وأشارت الصحيفة الروسية إلى أن كراهية الإخوان للسادات، والذى انتهت باغتياله كان سببها أن الجماعة شعرت أن فى عهده أن الجيش المصرى قد تم تجهيزه بشكل أفضل ولأن مصر كانت أكبر اقتصاد فى المنطقة، ولأن المصريين كانوا يعيشون فى سلام لمدة 70 عاما خاصة بعدما انسحبت مصر من مستنقع الصراع العربى الإسرائيلي. وقال موقع «روسيا اليوم» على عدة حلقات إن إسرائيل منيت بعاصفة من الانتقادات التى ثارت بعد الحرب وطالت قادتها السياسيين والعسكريين على السواء، وبخاصة فيما يتعلق بعدم قدرتهم على التنبؤ مبكرا بوقوع الحرب، على رغم كثرة دلائلها وشواهدها آنذاك، ونجاح المصريين فى تحقيق المفاجأة بأبعادها السياسية والإستراتيجية والتكتيكية، وهو ما أكده العقيد احتياط «شيمون ميندز» فى كتابه الذى أوضح فيه أن حرب أكتوبر كانت «حرب السادات» بالمعنى الحرفى للكلمة، وأن السادات هو من خطط وأعد لها، وأنه صاحب فكرة إرهاق إسرائيل قبل اندلاع الحرب وخداعها، لأن سياسة تل ابيب هى النظر فى الملامح الكبرى والدلائل اللافتة وليست الأشياء البسيطة، وهو سبب نجاح السادات فى خداع إسرائيل والمصريين أنفسهم، ففى الوقت الذى كان يجهز فيه السادات للحرب، كان الجميع داخل مصر وخارجها يرونه رجلا بلا موقف. وهو ما جعل المؤرخ العسكرى الروسى «كارل فون كلاذرفيتز» يقول إن الحرب هى امتداد للسياسة بوسائل أخري، وهى مقولة تنطبق على السادات باعتراف خصومه أنفسهم، حيث كان السادات على علم بنقص القدرات العسكرية لجيشه وأدرك أنه كان عليه أن يغير الكثير من الأشياء، إلا أنه فى الوقت نفسه أدرك أن هذا التغيير كان لابد أن يبقى فى حدود القوى المسموحة لتلك التغييرات، ولذلك أصدر السادات قرارا بضم حملة المؤهلات العليا والتعليم العالى إلى الجيش، وبذلك رفع مستوى الجيش. وهو ما جعله يطرد الخبراء والمستشارين الروس الأمر الذى بدا لافتا للمخابرات الإسرائيلية التى كان يفهمها السادات جيدا.. ومنذ ذلك القرار وتل أبيب فكرت فى أن السادات استبعد خيار الحرب حينها، لأنهم ظنوا أن السادات بطرده الروس قد أضعف جيشه، ولم تدرك المخابرات الإسرائيلية حقيقة مهمة وراء قرار السادات بطرد الروس، وهى أنه بذلك أراد أن يكون قرار الحرب مصريا خالصا لا فضل لأحد آخر فيه، وقد أثبتت الحرب أن الجيش المصرى لم يضعف بعد طرد الخبراء الروس، بل زادت ثقة القادة والضباط فى أنفسهم، وقدرتهم على تخطيط وإدارة عمليات هجومية استراتيجية دون معاونة من آخرين، فضلا عن أن المستشارين الروس تمركزوا فى روسيا وقتها ولذلك انصب تركيز المخابرات الإسرائيلية على استعداد الجيش السورى وليس المصرى بحسب خطة السادات. وأدرك السادات عام 1972، أنه سيخرج للحرب بالأسلحة الروسية على رغم قصورها فى تحقيق التوازن الكمى والنوعى مع نظيراتها الإسرائيلية ولهذا قرر أن يعمل على عنصر المفاجأة والابتعاد عن التفكير النمطي، وكان يعرف أن لديه أسلحة ومعدات حربية تعتبر متخلفة تكنولوجيا بالنسبة لما كان فى أيدى القوات الإسرائيلية من أسلحة ومعدات تستخدمها القوات الأمريكية فى ذات الوقت، بينما الأسلحة والمعدات التى كانت فى أيدى القوات المصرية ترجع إلى عقد الخمسينيات قبل الميج 17 والسوخوى 7، ولذلك وضع السادات فى اعتباره عند اتخاذ قرار الحرب أن الحرب وحدها هى التى ستعيد ثقة الضابط والجندى المصرى فى نفسه وقياداته وأسلحته. وتحكم السادات فى مجريات الأمور والقرارات الإستراتيجية خلال فترة الحرب التى أكدت التجارب أنه قائد عسكرى حذر ومخضرم، حتى إشراك الولاياتالمتحدة من قبل السادات فى الحرب وقتها كانت اللعبة الخداعية وكانت إحدى اللحظات الفاصلة فى خطة السادات والعودة إلى طاولة التفاوض، وكانت رؤية السادات الثاقبة ترى أن 99% من أوراق اللعبة السياسية فى أيدى أمريكا وذلك بحكم كونها الراعية والداعمة لإسرائيل سياسّا وعسكريا واقتصاديا، وربما كانت هذه الرؤية ما جعلته يبتعد عن الروس فى ذلك الوقت.