«المرأة والقبلية والتيارات الدينية والسلاح».. مربع مرعب قد يفجر الانتخابات البرلمانية مبكرا فى الصعيد، بداية من المرأة التى دخلت التحالفات الانتخابية والأحزاب فى منافسة شرسة لاستقطابها وترشيحها على قوائمها، وهو ما يعد متغيرا مزلزلا بالنسبة للصعيد الذى تحول عاداته وتقاليده دون منافسة النساء للرجال وتحدى هيبة العائلة والقبلية الحاكمة. فى السابق، كان ترشيح امرأة فى إحدى دوائر الصعيد حدثا فريدا من نوعه ما يلبث أن يتحول إلى حديث المجالس والمصاطب فى القرى والنجوع. لكن المؤشرات تدل على أن الانتخابات المقبلة ستشهد انقلاب ذلك رأسا على عقب، منذ اليوم الأول لتقديم أوراق المرشحين لانتخابات البرلمان بالمحافظات يوم الثلاثاء الماضى (1 سبتمبر). وقدمت مئات السيدات أوراقهن لانتخابات البرلمان، سواء بشكل مستقل أو على قوائم التحالفات والأحزاب، مما يعد تقليدا جديدا، تحتل فيه المرأة مكانة لم تحظ بها من قبل. غير أن ظاهرة مشاركة المرأة الصعيدية فى الانتخابات البرلمانية ليست وليدة اليوم، فمثلا شهدت الانتخابات الماضية بمحافظة أسيوط إقبالا كثيفا من جانب المرأة، خاصة فى مراكز ساحل سليم وديروط والقوصية والبدارى ومركز أسيوط وقسم أول وثان والفتح ومنفلوط. ولم يقتصر الأمر على المرشحات، بل خرجت النساء بكثافة لتأييد مرشح ما، وتواجدن فى أماكن المرشحين لإعلان تأييدهن، بالإضافة إلى استخدام الوسائل النسائية التقليدية للترويج للمرشحين ك(الزغاريد) وتوزيع الشربات أثناء المؤتمرات. وفى محافظة المنيا، من المعتاد أن تشهد مشاركات نسائية فى أغلب الحملات الانتخابية السابقة، بما فى ذلك الانتخابات الرئاسية، حيث رفعت نساء المنيا صور الرئيس عبدالفتاح السيسى وشعاره الانتخابى الشهير (تحيا مصر)، وكان الأمر الملفت فى تلك الانتخابات هو خروج الأم أو المرأة ومعها الأطفال والفتيات الصغار. فى المقابل، تشهد المؤتمرات الانتخابية الرسمية إقبالا محدودا فى العادة من جانب المرأة فى الدعاية الانتخابية، بينما تهتم المتعلمات وسيدات المجتمع اللاتى يعملن بالسياسة بالمشاركة فى الانتخابات وحضور المؤتمرات الجماهيرية. وتعتبر العصبية القبلية فى الصعيد مفتاح النجاح فى أى انتخابات، لم لا والقبيلة أو العائلة تضمن لأى مرشح الحصول على الأصوات التى تمكنه من دخول البرلمان.. من خلال التربيطات العائلية لإنشاء تحالفات قبلية تمهيدا لإنجاح المرشح المستهدف. والقبائل والعائلات الكبرى بالصعيد هى المحرك الأول للانتخابات والموجه للكتل التصويتية بها، وينصاع الكثيرون لقرارات عائلاتهم بمساندة المرشح ابن العائلة أو مرشح آخر اتفقت العائلات على التصويت لصالحه. وتدور حروب القبائل لاقتناص مقعد بالبرلمان القادم، باعتباره (تركة) يتوارثها أبناء القبيلة الواحدة، لتمتلئ بعض القوائم الانتخابية بمرشحى العائلات البرلمانية اعتمادا على سمعة عائلاتهم، من خلال تنافس المرشحين الذين ينتمون لعائلات كبيرة تحت قبة البرلمان فى مواجهة أخرى من عائلات أخرى لتبقى النار تحت الرماد. وقبيل أيام من انطلاق الحملات الانتخابية رسميا، بدأت تربيطات المرشحين، وهو ما حدث بمركز كوم أمبو فى أسوان، التى عرفت خلال الدورتين السابقتين بأنها دائرة خاصة لقبيلة الرزيقات، فهناك تسعى كل قبيلة لتأكيد وجودها فى البرلمان بمرشح معروف أو شخصية شهيرة فى ظل منافسة شرسة من مرشحى قبائل محافظة قنا المقيمة بأسوان، بينما تسعى قبيلة الرزيقات إلى التحالف مع باقى قبائل منطقة كوم أمبو، لدعم مرشحها وضرب مرشح القبائل الأخري. ويختلف الأمر فى محافظة أسيوط، حيث يتوقع أن تكون التربيطات الانتخابية الحقيقية بعد الجولة الأولى للانتخابات، بسبب العدد الكبير من المرشحين من نفس القرى والدوائر، وهو ما يحتم عمل تربيطات بين مرشحين أو عصبيات قبلية، بعد أن أصبح من المعتاد دخول أكثر من مرشح عن العائلة الواحدة، ومن ثم انقسامها، ولن يحسم المعركة من بدايتها إلا المرشحون الأقوياء. وفى قنا، بدأ مرشحو العائلات والقبائل تحركات مكثفة لخوض الانتخابات، فى ظل انقسامات داخل بعض القبائل ترجع إلى تنافس أبنائها فيما بينهم، وهو ما حاول المرشحون بالأقصر تلافيه من خلال عقد جلسات انتخابية فى دواوين العائلات، فمثلا يذهب مرشحو الكرنك وأغلبهم أبناء عمومة وجيران ليتنافسوا على نفس المقعد، إلى مناطق بعينها لعمل تربيطات مع كبار رءوس العائلات، نظرا لحساسية الموقف من كون أبناء المنطقة الواحدة يتصارعون على نفس المقعد. وشهدت دائرة إسنا وجزء من مركز أرمنت غضبا عارما من جانب بعض المرشحين بسبب ضمهما كدائرة واحدة على مقعدين فقط، ما يضع هؤلاء المرشحين فى حرج أمام ناخبيهم، فالغلبة فى التنافس البرلمانى بإسنا للعائلة وليس للأحزاب أو التحالفات. ويشير تاريخ الانتخابات السابقة بإسنا إلى أن مقاعد البرلمان المتداولة لا تخرج عن 4 عائلات فقط هى (آل حزين وآل مجاهد وآل التراكى وآل الطوايع بالمطاعنة). ويختلف الأمر قليلا فى أرمنت بالأقصر، حيث ينحصر مقعدها البرلمانى على العائلات الكبرى ذات الكثافة العددية فقط، ومازال البعض يتذكر ما جرى فى انتخابات عام 2010 من أعمال شغب لأنصار المرشح رضوان أبو قرين، ابن مدينة الزينية شمال الأقصر، حيث أحرق 30 من أنصاره سيارتين وأتلفوا ثلاثة، وقذفوا قوات الشرطة بالحجارة، وذلك عقب ورود أنباء عن هزيمة ابن عائلتهم فى الانتخابات. وتمتد العلاقة بين العصبية العائلية والانتخابات فى الصعيد إلى بداية تأسيس مجلس النواب ذاته، فمنذ ذلك الحين كانت القبائل الكبيرة ومن قبلها الإقطاعيون يدعمون مرشحا تابعا لهم أو حتى على علاقة نسب أو مصاهرة بهم، بهدف رعاية مصالحهم بالأساس. وفى سبعينيات القرن الماضي، بدأ المرشحون فى الاتكال على العائلات القادرة على حسم الانتخابات، وكانت العصبية هى المحرك الرئيسى للنظام الانتخابى فى القرى والمراكز، ما جعل معظم عائلات الصعيد تفضل النظام الواحد، لأن انحيازها للسلطة كان يعطيها القوة والجاه ويحفظ هيبتها ومكانتها. انتخابات مسلحة وسط هذه الأجواء، يعتبر تجار السلاح الحملات الانتخابية فى الصعيد هى موسم الرواج لبضاعتهم، خاصة فقدان السيطرة بعد ثورة 25 يناير على تجار الأسلحة المهربة، إضافة إلى استعداد بعض العائلات لمواجهة خلافاتها مع العائلات الأخرى والتباهى بحيازة هذا الكم من الأسلحة كما أن إطلاق الأعيرة النارية فى المناسبات الاحتفالية عادة قديمة بين الصعايدة، كما أن العديد من العائلات التى انتمت للحزب الوطنى المنحل كانت تمتلك كميات كبيرة من الأسلحة لإرهاب الناخبين مما كان يساعد فى عمليات التزوير فى ذلك الوقت. وفى فترة حكم الرئيس المعزول مبارك، كانت السلطات تغض الطرف عن انتشار الأسلحة بالمركز وحيازة العائلات لها، فكانت قيادات الحزب الوطنى يعتبرون حيازة تلك الأسلحة مباحا لخدمة مصالحهم. ورغم خلو الصعيد بشكل عام من العمليات الإرهابية، إلا أن انتشار السلاح فيه والعصبية القبلية كفيل بتهديد العملية الانتخابية، خاصة بعد تغير الأوضاع عقب ثورة 25 يناير، وزيادة عدد المصوتين نتيجة لثقتهم فى نزاهة الانتخابات نسبيا مما جعل دور العصبيات فى الانتخابات يبدأ فى التراجع، حيث شارك العديد من الفئات المهمشة فى التصويت لأول مرة. وتشهد محافظة قنا سيطرة 3 قبائل هى «العرب والأشراف والهوارة»، خاصة مع تزايد مفهوم «القبيلة والقبلية» التى أصبحت سلطة موازية للدولة فى أحكامها وأعرافها وحتى فى أوقات النزاعات والاشتباكات يصبح الدفاع عن القبيلة بمثابة الدفاع عن الشرف وعن هيبة وزعامة القبيلة التى تحولت مع مرور الزمن إلى بديل عن الدولة فى حماية أفرادها ورعايتهم. فوسط أجواء من التوتر فى قرى مركز دشنا، وكثرة الرباطات «أكمنة أهلية مسلحة» التى تقيمها مجموعات من الأهالى داخل القري، لحراسة مداخلها ومخارجها من أى هجوم أو تعد، يسود الهدوء الحذر بين العائلات ولكن الجميع فى حالة تأهب، فساعات السكون والهدوء لا تدوم طويلا، ففجأة تتعالى أصوات الرصاص بكثافة من أحد الجانبين ليرد الطرف الآخر بعدد أكبر من الطلقات، فتنطلق صفارة الإنذار وتتوجه قوات الشرطة بسرعة ناحية مكان الاشتباك، ومصدر الإطلاق، وتحاصره بعدد كبير من المدرعات والسيارات المصفحة، ليهدأ الحال لساعات، ثم يعود للانفجار بمجرد انصراف قوات الأمن. ويبدو أن معظم المشكلات القبلية الموجودة بالمحافظة سببها الأساسى الانتخابات والبحث عن زعامات من أجل كسب أصوات المواطنين، فهناك الكثير من المرشحين لا يملكون شيئا يقدمونه للمواطنين وليس لهم خدمات ورصيد فى الشارع، ولذلك يحاولون النفخ فى النار وتحويل المشكلات البسيطة إلى معارك. وسادت حالة من الحراك السياسى سوهاج، وبشكل أكبر فى مركزى أخميم وساقلتة بعد ضمهما فى دائرة واحدة، مما أشعل المعركة الانتخابية، وجعل المرشح يواجه تركيبة جديدة لها طبيعة جغرافية مختلفة، الأمر الذى خلق حالة من التنافس الشديد بين مرشحى القبائل ومنهم عائلة الأشراف التى تضم عددا كبيرا من الأصوات، إضافة إلى علاقات المصاهرة مع العائلات الأخرى. الجهاديون والسلفيون على الجانب الآخر، يتأهب رموز السلفية والجماعة الإسلامية للانقضاض على مقاعد الصعيد، حيث أعلن أعضاء بالجماعة الإسلامية عن نيتهم خوض الانتخابات فى بعض المحافظات على نظام الفردى وإحدى القوائم المستقلة، ولكن بعيدا عن لافتات حزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة، فى أوراق الترشح، أو الدعاية للمترشحين، واتفقت الجماعة على الدفع بعدد من قياداتها فى محافظاتالمنياوأسيوطوسوهاجوقنا، ممن يتمتعون بعصبية قبلية، وشعبية كبيرة فى دوائرهم تمكنهم من الفوز بعدد من المقاعد ولو محدود لتأكيد التزامها آليات العمل السياسى دون اللجوء للعنف، أو العمل ضد الدولة. وهناك دلائل تشير إلى أن مرشحى الجماعة يتمتعون بدعم قبلى قوى فى الصعيد، وينتمون إلى عائلات وعصبيات كبيرة، وعلى علاقة وطيدة بباقى العائلات، ما يجعل فرص فوزهم فى الانتخابات كبيرة، بينما تسود حالة من الغضب بين مرشحى الجماعة بعد أن أعلن أحمد الإسكندراني، القائم بأعمال رئيس الحزب، عدم مشاركة حزبهم فى الانتخابات، قائلا إن ذلك تم دون استشارتهم بتعليمات من رئيس الحزب الهارب طارق الزمر. ودخل حزب النور على خط الصعيد، حيث عقد جلال مرة، أمين عام حزب النور مؤخرا اجتماعاً بمسئولى قطاع الصعيد بالحزب، للوقوف على استعداداته للانتخابات، وأكد أن رؤساء القطاعات يقومون بجولات ميدانية للالتقاء بهيئات المكاتب بالمحافظات والمراكز، للوقوف على آخر استعدادات الحزب للانتخابات، وحثهم على بذل الجهد والتواصل مع الجماهير. وحذر مرة من المخططات التى تسعى إلى إحداث حالة من الفوضى بين أطراف الشعب المختلفة، مشيرا إلى أن هذه المخططات لن تهدأ فهى عازمة على المضى قدما فى تحقيق أهدافها ومخططاتها، وعلى الجميع أن ينتبه لتلك المخططات التى لو نجحت فسيتضرر منها الجميع. واستغل السلفيون جلسات الصلح فى الخلافات والخصومات الثأرية بين العائلات لضمان أصوات الناخبين، رغم أن الحزب يواجه أزمات سياسية ودعاوى قضائية تطالب بحله باعتباره قائمًا على أساس ديني، لكنه يبحث عن تحالفات ويرتب للمعركة الانتخابية بكل الطرق. ويعقد شيوخ السلفيين العديد من جلسات الصلح بين العائلات المتصارعة والتى امتدت الخلافات بين بعضها إلى ثلاثين عامًا، وجميعها جلسات صلح كان الهدف منها ضمان أصوات أبناء تلك العائلات ودعمها للحزب فى الانتخابات، الأمر الذى نجح النور فى تحقيقه.