أدمن المخرج الشاب (ماندو) الدخول فى الحقول الملغمة والمحفوفة بالمخاطر بعد بدايته الجريئة فى مسلسل (الداعية) كأول تجربة درامية مع تجار الدين والسياسة الذين يلعبون كالبهلوانات داخل حلبة السيرك، ليواجه عاصفة من الانتقادات لا تقل عما يوجه الآن مسلسل «حارة اليهود» بعد عرض عدة حلقات منه . فى حارة اليهود يقتحم «العدل» الصغير تفاصيل محرمة لا يفضل أحد الاشتباك معها خاصة فى ظل العداء العربى للكيان الصهيونى وحالة الخلط بين اليهودية كدين والصهيونية كأيديولوجية سياسية، وبكل شجاعة مع المؤلف المبدع الدكتور مدحت العدل أرض الخوف، بأسلوب درامى شجى وصورة إخراجية سينمائية مختلفة.. روزاليوسف اقتربت من المخرج محمد العدل لتتعرف منه على التجربة وكيفية التحضير لها حالة والجدل التى خلقها المسلسل والتى حرك بها المياه الراكدة فى الدراما. ∎ ملعبك الدائم هو الموضوعات الشائكة.. و(الداعية) كان أول تجربة درامية لك كيف كان الاستعداد لمسلسل أكثر جرأة وهو (حارة اليهود) ؟ -فى الحقيقة أن مؤلف العمل الدكتور مدحت العدل كان يفكر فيه منذ خمس سنوات، وبالفعل بعد تقديم مسلسل الداعية فى رمضان ,2013 تحدثت مرة أخرى معه لتنفيذ المسلسل، ولكن كان يحتاج إلى تحضير جيد وبالفعل استغرق من الوقت عاماً، وبدأنا فى التصوير مع بدايات .2015 ∎ هل تحدثت مع آخر رئيس للطائفة اليهودية بمصر.. ماجدة هارون كمرجع مهم فى هذا العمل الدرامى ؟ - فى الحقيقة قابل المؤلف عددا من أعضاء الطائفة اليهودية، لا أعلم بالتحديد ما إذا كان قابل السيدة ماجدة أم لا. ∎ هل (حارة اليهود) ينطبق عليه مواصفات المسلسل التاريخى أم الاجتماعى ؟ -هو مسلسل اجتماعى تدور أحداثه فى الفترة ما بين 1948-,1954 ولا ينطبق عليه المعنى الحرفى للمسلسل التاريخى، بل هو قصة اجتماعية عن قصة حب تجمع بين ليلى اليهودية والضابط (على) وتدور أحداث هذه القصة وتطوراتها فى سياق تاريخى للأحداث السياسية والاجتماعية التى تقع فى هذه الحقبة الزمنية. ∎ ما هى الرسالة التى يريد توصيلها العمل الدرامى للمشاهدين عن قصة (حارة اليهود) فى 2015؟ - نحن كصناع للعمل نقدم مسلسلا عن حياة يهود مصر فى هذه الفترة الزمنية، ونستعرض من خلال هذه الفترة حياتهم وأحلامهم وعاداتهم، ومن فيهم كان وطنيا مخلصا، ويفتح المسلسل النقاش للفكرة السائدة لدى المصريين والصورة النمطية عن اليهود، والخلط بين الصهيونية وبين اليهودية لدى كثير من المواطنين، والاتهامات بأن اليهود مغتصبون للارض، ولكن المسلسل حاول بكل قوة أن يوضح أن هناك فرقا كبيرا بين الصهيونية كحركة استعمارية سياسية واليهودية كديانة كالمسيحية والإسلام ، وعرض سلبيات اليهود الذين كانوا يعيشون بمصر وإيجابياتهم خلال هذه الفترة من خلال التاريخ دون تحريف أو تشويه، وفى الوقت نفسه يعكس حالة التسامح والتعايش السلمى بين الأديان الثلاثة فى حارة واحدة كانت تعكس حالة التمازج والبعد عن التطرف والعنصرية التى كانت تسود مصر وقتها فى هذه الحارة المصرية، حيث يبرز أهمية تقبل الآخر الذى يعتبر مكوناً أساسياً من شخصية مصر، وحالة تعايش المصريين معا باختلاف الديانة والثقافة فى الحارة التى تضم المسجد والكنيسة والمعبد. ∎ ما هى أبرز الصعوبات التى واجهتك أثناء التحضير للعمل ؟ - بكل تأكيد كانت هناك صعوبات، كنا مقيدين جدا فى التصوير الخارجى فى شوارع مصر خاصة أنها تغيرت ملامحها الحالية عن الفترة الزمنية التى تدور حولها أحداث المسلسل، والمخاوف من مدى تقبل الجمهور لمسلسل يتحدث عن اليهود فى مصر، فكل الاحتمالات واردة وهذه أمور تقلق بشدة الإنتاج، ولكن فى كل الأحوال الأمور سارت على ما يرام، وحقق المسلسل إقبالا جماهيريا كبيرا وأصداء جيدة فى الحلقات الأولى من عرضه. ∎ ما هو تعليقك على الاتهامات التى وجهتها الأقلام لصناع العمل خلال الأيام الماضية بأن المسلسل تطبيع من صناعه مع الصهاينة ؟ - كلها اتهامات تعتدى وتزايد على وطنية صناع العمل وهو أمر غير مقبول، فمواقفنا وأيديولوجيتنا السياسية خارج الدراما معروفة للجميع، إننا ضد الكيان الصهيونى ومع حقوق الشعب الفلسطينى، والأحداث تدور حول قصة حب عادية يمكن أن تحدث بين أى رجل وامرأة لفتاة يهودية مصرية وطنية وضابط فى الجيش المصرى، وأحداث المسلسل تدور جميعها ضد الاحتلال الصهيونى، وتابع الجميع مشاهد منة شلبى وإياد نصار وهو فى المعتقل الإسرائيلى وهو يسب إسرائيل ويتهمها بالدولة المغتصبة للأرض العربية، حتى إن بطلة العمل كانت تنهر أخاها موسى وتتهمه بالخيانة لوطنه مصر، وأن ما يفعله الصهاينة هو احتلال أرض ليس لهم حق فيها، حارة اليهود أرادت أن توضح الفرق بين اليهودية والصهيونية، فاليهودى ليس معناه صهيونياً أو عميلاً بل هو مواطن مصرى، فهى ديانة وليست جنسية، وهناك آلاف اليهود كانوا يعيشون بمصر ويعملون فى التجارة والذهب وكانوا أصحاب مال وعلى من ينتقد العودة إلى المراجع وكتب التاريخ التى تؤرخ لهذه الحقبة الزمنية وتوضح كيف كان اليهود المصريون آنذاك وطنيين، نحن لا ندافع عن الكيان الصهيونى بأى حال من الأحوال، ولا أفهم كيف يكون الانتقاد والهجوم بهذه الطريقة من مجرد عدة حلقات قليلة للعمل واتهامى بالتطبيع والخيانة والماسونية وهذه الاتهامات الباطلة. ∎ ولكن كيف مع ما تقوله تكون ردود فعل الصحف والسفارة الإسرائيلية بهذا الثناء والاحتفاء والشكر للعمل الدرامى بأنه قدم صورة طيبة عن اليهود ومختلفة عن الصورة النمطية التى اعتادت الدراما المصريةة؟ فى الحقيقة فوجئت بهذه الردود، من الطبيعى أن مسلسل يهاجم وينتقد بل ويشتم الكيان الصهيونى المحتل المغتصب للأراضى الفلسطينية، وتكون ردود فعله على المسلسل بهذا الاحتفاء، ردودهم أضحكتنى للغاية ولكنى أندهش من غرابتها، «عمرى ماشفت حد يشتم ويضحك»!!!، فالمسلسل بشكل واضح يتكلم عن يهود مصر ولكن ضد بناء دولة إسرائيل وهى عدو للشعب المصرى والعربى بصفة عامة وهذا يظهر بوضوح فى المسلسل. ∎ ولكن هناك انتقادات من رئيسة الطائفة اليهودية ماجدة هارون للحلقة الأولى ورصدت بعض الأخطاء التاريخية.. إلى أى مدى تتفق أو تختلف معها؟ مع احترامى الشديد لرئيسة الطائفة اليهودية بمصر، ولكن أختلف تماما مع ملاحظاتها وما فندته من أخطاء، فما قالته هو كلام عار عن الصحة، فقد تحدثت عن مداخل العمارات فى الحارة وأنها لم تكن بهذا الاتساع والفخامة، ويستطيع أى مواطن أن ينزل حارة اليهود كما فعلت قبل تصوير المسلسل لمعاينة المنطقة، سيجد أن حارة اليهود هى منطقة كبيرة تتكون من 50 حارة وليست حارة واحدة ، كل مقاسات البيوت، سواء واسعة أو ضيقة، فيها البيت الدور الواحد والبيت الذى يتكون من خمسة أدوار، وكل الأحجام والأشكال، أما بخصوص تعليقها على الملابس والفساتين، فأرد بأن استايلست العمل هى مونيا فتح الباب وهى واحدة من أهم المبدعين فى مجالها بالوطن العربى أجمع وشاركت فى أعمال تاريخية مختلفة وآخرها «ذات»، ولها دارساتها وبحثها عن طبيعة ملابس هذه الفترة الزمنية بكل دقة، وكان من أحد أشكال البحث عثورنا على صور فعلية قديمة لأهالى حارة اليهود بملابسهم واستايل تصفيف الشعر وغيرها من التفاصيل أثناء التحضير للمسلسل وكانت بالفعل بنفس الطريقة التى ظهرت على الشاشة. ∎ ولكن المثقفين اليساريين كان لهم غضبهم أيضا فيما يتعلق بربط المسلسل بين الصهيونية والشيوعية وأن الشيوعيين فى مصر لعبوا بدماغ الشباب اليهودى وتجنيده من أجل الكيان؟ هذه جملة كانت على لسان شخصية بالعمل وهى ليلى التى تقوم بدورها منة شلبى، وهذا لا يعنى أن هذه الجملة تعكس وجهة نظر صناع العمل فى الشيوعيين، على سبيل المثال لو أن إحدى الشخصيات الدرامية الشريرة قالت جملة ضد مصر، هل يعنى ذلك أن صانع العمل ضد مصر، فهذا كلام لايعقل وغير منطقى، لأن الحوارات تدور على لسان الشخصيات، وهذه الشخصيات لها أبعادها وخلفيتها الثقافية والسياسية، فمثلا «ليلى» كانت بائعة فى محل وجاءت الجملة على حد فهمها للأمور كمواطنة عادية وليست شخصية سياسية مثلا، فنحن كصناع العمل لم نضرب فى الشيوعيين ولم نهاجمهم فى حديث صحفى ولكن ما قيل كان فى سياق العمل وعلى لسان كاريكاتير داخل المسلسل. ∎ نعلم خلفيتك الناصرية.. هل سيناقش العمل التنكيل الذى تعرض له اليهود على أيدى عبدالناصر وطردهم من مصر؟ للأسف أحداث المسلسل تنتهى عام 1954 قبل العدوان الثلاثى وضرب بورسعيد ولفظ اليهود وقتها وقبل وجود عبدالناصر فى حياة اليهود، فلم يتطرق المسلسل لهذه الفترة بغض النظر عن حقيقتها التاريخية. ∎ من خلال عملك كيف تقارن بين الإخوان المسلمين فى الحقبة التى يدور بها المسلسل وإخوان الألفية الثالثة؟ الإخوان زى ما هما من 50 سنة أو 80 سنة منذ تأسيس حسن البنا للجماعة، لم يتغيروا على الإطلاق، وما أشبه اليوم بالبارحة، نرى ما فعل الإخوان وعنصريتهم ضد المسيحيين وحرقهم للكنائس والأديرة خلال العام الماضى، فهم كانوا أيضا عنصريين جدا ضد اليهود المصريين ،حرقوا لهم محلاتهم وضربوا مصالحهم، على اعتبار أن ذلك بطولة منهم ومقاومة موازية لحرب فلسطين ولكن فى مصر، ولكن لم تكن هذه الأفعال سوى جهل وغباء منهم، ففى الوقت الذى كان الصهاينة محتلين أرض فلسطين، كان اليهود المصريون موجودين فى كل محافظات مصر من شرقها لغربها، كمواطنين رافضين فى الأصل لهذه الحرب وضد الكيان الصهيونى، فلم يكونوا موافقين فى الأصل على ذلك العدوان الصهيونى. ∎ الإخوان المسلمون كان لهم نصيب من النقد والمعارضة للمسلسل واتهامك بتزوير حقيقة عدم مشاركتهم فى حرب فلسطين؟ وهذه حقيقية تاريخية، فهم تخاذلوا عن الحرب ولم يشاركوا فيها، وكل ما فعلوه هو ضرب محلات اليهود، وأى حد يقول الإخوان شاركوا فى حرب فلسطين «بيتاجر وكذاب»، وكل ماقاموا به نوع من الغباء والمتاجرة، فلم يتغير الإخوان فى استغلال الدين من أجل مصالحهم، فرأينا تبريراتهم عبر أحداث المسلسل بتفجير المحلات وقتل الأبرياء تحت شعار المقاومة والجهاد ونصرة الإسلام، وهو ما فعلوه بالضبط بعد خلع مرسى .2013 ∎ العمل تميز بموسيقى تصويرية كلاسيكية واضحة سواء فى التترات أو المشاهد الدرامية؟ لقد استعنت بموسيقى تونسى يدعى أمين بو حافا، وتعجبنى بشدة موسيقاه، وتم التسجيل مع الأوركسترا السميفونى لمدينة براغ.∎ اقرأ أيضاً حوار د. مدحت العدل فى صفحات «الإبداع»