الفرق بين فيلمى «خمسة باب» و«درب الهوى» اللذين واجها حملة شرسة أدت إلى رفعهما من دور العرض والفيلم المغربى «much loved» «حب مفرط» حسب الترجمة الإنجليزية وباللغة المغربية التجارية «الزين اللى فيك» للمخرج الشهير «نبيل عيوش» والذى تصاعدت درجة حرارة المطالبة بمنع عرضه حوالى 31 عامًا ومازالت العقول العربية كما هى لم تتغير والتطرف مازال قائمًا حتى إشعار آخر. الفيلمان المصريان نجح الأصوليون وأصحاب العقول المتحجرة فى منعهما بعد أيام قليلة وشاهدهما جمهور السينما وعرضتهما القنوات الفضائية،ونفس الأمر سيتكرر مع الفيلم المغربى الذى واجه طوال الأسبوع الماضى سيلاً من المطالبات التى لم تتوقف بمنعه أدت فى النهاية إلى قيام السلطات المغربية بإصدار فرمان بعدم الترخيص له فى القاعات السينمائية لغلق أبواب الاحتجاج الشعبى عليه بعد نشر مقاطع منه فى «اليوتيوب». الأفلام الثلاثة تدور أحداثها فى مكان واحد وتفتح ملفًا واحدًا وهو «الدعارة» كمهنة من أجل لقمة العيش تستعرض بالتالى جلسات اللهو والمزاج فى الأوكار الليلية والتى يغلب عليها اللغة المتدنية والحركات المشبوهة المتبعة فى هذه الأجواء والتى يعتبرها المجتمع مسفة وخارجة عن الآداب العامة والتقاليد العربية. الفيلم الضجة المتهم بخدش كبرياء المرأة المغربية تدور أحداثه من خلال أربع فتيات قادتهن ظروفهن إلى اللجوء لمهنة «الدعارة» وهو خيط أساسى فى معظم الأفلام التى تهتم بهذا الملف لكن مخرج الفيلم ومؤلفه ومنتجه أيضًا نبيل عيوش يقدم الأحداث فى إطار السياحة الجنسية فى مدينة مراكش المغربية حيث يتجمع فى بعض الأماكن السياح الخليجيون والعرب، ويركز الفيلم كما هو واضح فى اللقطات المسربة على بعض الشباب السعودى الذى يفضل قضاء إجازات اللهو والمزاج من خلال جلسات الرقص والمجون وهى فى المجمل مشاهد من الواقع لكن المجتمع يتواطأ عليها. المفاجأة حسب روايات من شاهدوا الفيلم أو من اللقطات المسربة منه تتضمن ألفاظًا منحطة وبذيئة، أما المفاجأة الأكبر فهى إقحام إسقاطات سياسية ولعل أبرزها حوار إحدى الساقطات لإظهار تعاطفها مع الفلسطينيين الذين يعانون من اغتصاب الأراضى وتطالب بمساعدتهم لتجاوز المحنة فيرد عليها الشاب السعودى بما يعنى بمدى علاقتها وفهمها للقضايا السياسية بقوله «اش دراكى انتى فى السياسة» إلى جانب أن الفيلم يحفل بالمشاهد الساقطة ورغبة راغبى المتعة فى ممارسة الأوضاع الشاذة والمطالبة بالمثليين من صغار السن فى إشارة واضحة لانتشار هذا النوع بين الشباب العربى رغم رفض المجتمع والشرائع له، إلى جانب مشهد مثير للجدل بين فتاتين فى سيارة أجرة مفعم بألفاط الجنس الصريح. نقاد السينما المغربيون رغم تميز وتفرد المخرج نبيل عيوش بأسلوب فنى وسينمائى عالمى انقلبوا عليه واتهموه بالغباء والتدنى وإفساد الذوق العام، بينما انحاز له المبدعون الذين يرون أن فرض الحصار على الفيلم ومنعه مصادرة على الإبداع وعودة لمحاكم التفتيش والمرجعيات الإسلامية،وبعيدا عن الرأيين فإن من شاهدوا الفيلم أثناء عرضه فى مهرجان كان السينمائى الدولى مؤخرا ومعظمهم منحاز لسينما «عيوش»، وأرشيفه السينمائى المميز قد وجهوا انتقادات حادة بسبب الإسراف فى المشاهد الجنسية الفجة وغلبة اللغة التجارية على الشريط السينمائى أكثر من اللغة السينمائية التى اعتاد أن يقدمها فى أعماله وأيضا القضايا التى يطرحها فيها ولكنها فى كل الأحوال لاتنسجم مع تهديده بالإعدام وسحب الجنسية منه بحكم نشأته الفرنسية وأيضا مصادرة إبداعه الذى يتماشى مع القضايا والموضوعات التى يطرحها فى أعماله وحصل منها على جوائز عالمية رفيعة وأقصد هنا فيلمه الأخير «يا خيل الله» والذى فتح ملف الفقر ولجوء الشباب إلى الإرهاب من أجل الأموال والإيمان بأكاذيب المتطرفين المتاجرين بالدين والأوطان، عيوش فى هذا الفيلم الذى لايختلف كثيرا عن بعض الأفلام المصرية المهمة التى اعتبرت الأحياء العشوائية المحرومة من الرفاهية أكبر مورد للتنظيمات الإرهابية، وفى فيلمه الضجة أيضا يلمح «عيوش» إلى أن الفقر والاحتياج والأزمات الاجتماعية تقود إلى الرذيلة والفحشاء فى غياب الأجهزة المسئولة عن معالجة آلام الشعوب. وهو الفيلم الذى حصل على إشادة جماعية من المهتمين بالإبداع السينمائى وقد اقتنص «المخرج» هذه القضية من الواقع معتمدا وقتها على حادث اعتداء إرهابى وقع فى الدار البيضاء عام .2003 وعلى خط المواجهة مع «عيوش» بطلات الفيلم أبرزهن الممثلة لبنى أبيضار صاحبة أجرأ مشاهد الفيلم وهو تعرضها للاغتصاب بأحد أقسام الشرطة وإرغام رجل بوليس لها بممارسة الجنس فى مكتبه وهو المشهد الذى أدى لانقلاب الجهات المسئولة فى المغرب والأخطر عندما دافعت «لبنى» عن المشهد بقولها إن كشف مؤخرتها فى الفيلم لم تتخوف منه لأنه يحمل دلالة ورسالة واضحة لما يحدث فى الواقع. درب الهوى وخمسة باب ومن بعدهما فيلم «ركلام» الذى قامت ببطولته غادة عبدالرازق ورانيا يوسف إخراج على رجب وأخيرا «الزين اللى فيك» رسائل مسجلة على شريط سينمائى يصرخ بقبح الواقع الذى بدلا من تجاوزه وغلق المنافذ المؤدية إليه نطالب بالسكوت عنه، هذا السكوت الذى لن يكون هو علامة الرضا.∎