وكأن على رؤوسهم الطير، هكذا كان حال رجالات الكنيسة بعد تصريحات الرئيس الفلسطينى محمود عباس «أبو مازن» فى مؤتمر القمة العربية الذى اختتم أعماله الأسبوع الماضى فى شرم الشيخ، حيث طالب عباس أبناء الأمة العربية المجىء للقدس والصلاة بها لدعم صمود أهلها، مؤكدا أن هذا الأمر لا يعنى تطبيعا مع الاحتلال الإسرائيلى. الرئيس الفلسطينى أضاف خلال كلمته أمام المؤتمر «زيارة السجين لا تعنى التطبيع مع السجان، فالحرب الأخيرة على غزة خلفت دمارا وخرابا يحتاج لسنوات طويلة من إعادة الإعمار». وقال عباس إن القضية الفلسطينية أصبحت فى حاجة ماسة إلى دعم كل القوى الناعمة العربية التى يمكن لها أن تمثل ضغطاً دولياً كبيراً على إسرائيل وحليفتها أمريكا للمضى قدماً فى تفعيل عملية السلام بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى ولا يخفى هنا على كل ذى عينين أن المؤسسات الدينية المصرية (الأزهر والكنيسة) يمكن لهما قيادة هذا الدور لما لهما من ثقل سياسى ودينى على جميع الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية. وطالب الشعوب العربية بالذهاب إلى القدس والصلاة بها، ووجه إلى الكنيسة القبطية التى تحظر ذهاب رعاياها من الأقباط إلى القدس رسالة مباشرة لفك الحظر لما فيه من دعم للشعب الفلسطينى وقضيته. ونبه الرئيس الفلسطينى إلى أن استمرار مقاطعة الأقباط لزيارة القدس أدى إلى تغيير الهوية الدينية فى المدينة المقدسة وإخراجالمكون العربى منها وتهويدها والعمل على تغيير طابعها الدينى. وأكد أن الزيارات الدينية سوف تشكل تكتلاً عربياً فى القدس داعما لتسريع عملية السلام بالتوازى مع الجهود السياسية والدبلوماسية التى تقودها جامعة الدول العربية بزعامة مصر. ∎ القرار ليس وحياً إنجيلياً أن قرار منع الأقباط من زيارة القدس الذى اتخذه البابا شنودة الثالث كان فى جانب كبير منه حلقة من حلقات استقواء البابا فى مواجهة الرئيس السادات على زعامة الأقباط، فالبابا كان يرى فى نفسه زعيماً روحياً وسياسياً لكل الأقباط وهو ما لم يرتضه السادات الذى كان الزعيم السياسى الشرعى لكل المصريين، إلا أن الأجواء كانت مهيأة وقتها أن يمتطى البابا جواد الوطنية فلاقى قراره قبولاً شعبياً كبيراً وثمنت كل القوى السياسية موقف الكنيسة،خاصة أن الجانب الفلسطينى وقتها رفض التفاوض مع الكيان الصهيونى فقرار منع الأقباط من زيارة القدس هو قرار سياسى محض وليس تنزيلا إلهيا أو وصية إنجيلية وهو القرار الذى يمكن أن يتغير حسب المستجدات. فالشعب الفلسطينى أعلم بأمور قضيته وعلينا دعم القضية حسب ما يرى أصحابها وليس اتخاذ القضية الفلسطينية كمبرر للتعنت الكنسى ضد الأقباط والذى بلغ مداه فى عصر البابا تواضروس. ∎ القرار غير مفعل ورغم أن البابا شنودة الثالث هو من اخترع هذا القرار فإنه عاد واستثنى أصحاب المال والأعمال من الذهاب إلى القدس بزعم أن لهم مصالح تجارية فى إسرائيل وهم يذهبون إلى هناك لرعاية تلك المصالح، وهو الأمر الذى أثار وقتها التعجب، فكيف للبابا أن يمنع التطبيع الدينى ويسمح بالتطبيع الاقتصادى وأيهما أكثر تأثيراً المقاطعة السياحية أم المقاطعة الاقتصادية ورحل البابا شنودة وجاء البابا تواضروس فأبقى على القرار ولكنه استثنى كبار السن فلم يعد بعد مناسباً أن تتمسك الكنيسة بقرارها الأسطورى المزعوم فعلى أرض الواقع القرار لا وجود له وما نشهده هذه الأيام من تكالب شركات السياحة على الإعلان عن عروض مختلفة لرحلات القدس هو خير دليل و بالرغم من تلك العروض فإن تكلفة هذه الرحلات ترتفع بشكل ملحوظ والتى تصل إلى03 ألف جنية للفرد الواحد وبالطبع لا تتيسر تلك الرحلات للعامة ولكنها تكون لمن استطاع إليها سبيلاً وهو ما يعنى زيادة الطلب والإقبال على تلك الرحلات. والإحصاءات تشير إلى أن هناك الآلاف من الأقباط يحجون إلى القدس وأن الأعداد تتزايد سنوياً ضاربين بقرار الكنيسة عرض الحائط وهو المؤشر الخطير على رفض الأقباط للسلطان السياسى للكنيسة رغم خضوعهم الروحى لقيادتهم الدينية. ∎ البابا شنودة يلتف على نفسه ما لا يعلمه كثيرون أن ما كان يتبناه البابا شنودة فى هذا الصدد شىء أما تعليماته للكنيسة فى القدس فكانت أمراً آخر ففى بداية ذهاب الأقباط إلى القدس فى أواخر الثمانينيات من القرن الماضى كان لا يذهب إلى هناك إلا الصفوة حاملين معهم هداياهم وعطاياهم للكنيسة هناك وبالطبع لم يكن من اللائق أن تغلق الكنيسة أبوابها فى وجه هؤلاء كما أن الكنيسة فى القدس لا تستطيع أن تقربهم من الأسرار المقدسة لأن البابا يمنع ذلك فما كان من الأنبا أبراهام مطران القدس إلا أن يرسل إلى هؤلاء رسولاً فى مقار إقامتهم بالفنادق برسالة محتواها أن البابا شنودة يمنع التقدم من الأسرار المقدسة فى القدس ولكنه لم يمنع ذلك فى أريحا ويمكنهم الذهاب إلى الكنيسة القبطية فى أريحا للتقدم للأسرار المقدسة وبالطبع كان الجميع يذهب إلى أريحا ليتموا مناسكهم ويغادروا بعد أن يتركوا كل غال وثمين من هدايا وعطايا جلبوها معهم من أجل الكنيسة. ∎ موقف الكنيسة إن الكنيسة لم تستوعب الموقف بعد وبات موقفها مغيماً وضبابياً من تصريحات «أبومازن» فعن موقف الكنيسة يقول القمص بولس حليم المتحدث الرسمى للكنيسة «إن موقف الكنيسة كما هو ولم يجد عليه أى جديد فالمواقف فى الكنيسة لا تتخذ بتسرع وعفوية ولكننا ندرس الموقف والقرار فى النهاية يكون للمجمع المقدس للكنيسة وموقفنا من الذهاب إلى القدس أننا قلنا لن نذهب الى القدس إلا فى أيدى إخواننا المسلمين فموقف الكنيسة فى هذا الصدد كان نابعاً من الموقف الشعبى العام الذى يرفض التطبيع مع إسرائيل. أما بالنسبة لما قاله الرئيس محمود عباس فهو له كل الاحترام والحب والتقدير ولكن تلك مواقفه السياسية التى يتخذها لصالح الشعب الفلسطينى وبالتأكيد الكنيسة تدعم القضية الفلسطينية ولكننا لا نستطيع أن نخالف الإجماع الشعبى المصرى. وعما إذا ما كان وارداً أن تغير الكنيسة موقفها فى حالة تغيير الإجماع الشعبى قال حليم «الكنيسة لا تعيش فى برج عاجى ولكنها جزء من النبض الشعبى وإذا ما شعرنا أن هناك حاجة لأن تغير الكنيسة موقفها تدارسنا الأمر واتخذ فيه المجمع المقدس ما يراه مناسباً، «أما بالنسبة لتزايد عدد الأقباط الذين يذهبون إلى القدس قال» لا أرى أن تلك الأعداد تمثل شريحة كبيرة من الأقباط ولكنهم قله بالنسبة لملايين الأقباط الذين يتمسكون بقرار الكنيسة ويرفضون الذهاب إلى القدس». وتصريحات القمص بولس حليم تثير علامة استفهام كبيرة فقرار منع الأقباط من زيارة القدس قرار سياسى، والمجمع المقدس للكنيسة القبطية سلطة دينية روحية فكيف له أن يتخذ مثل تلك القرارات السياسية؟ على ما يبدو فإن هناك تحركاً إسلاميا على مستويات رفيعة سوف يتم من خلاله اتخاذ موقف إسلامى موحد بإباحة زيارة الأماكن المقدسة فى القدس حيث ستكون قضية زيارة القدس على قمة جدول أعمال المؤتمر الدولى للفقه الإسلامى الذى سوف يعقد فى مكة خلال الشهر المقبل ومن المنتظر أن تخرج توصيات المؤتمر تؤكد إباحة الزيارة إلى المسجد الأقصى والمطالبة بتدويل كل المقدسات وأن يتم الإشراف على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية من قبل السلطة الفلسطينية والتعامل من خلالها فى تأدية الزيارة وهو ما سوف يدعم موقف السلطة دولياً. ∎ رفع الحرج عن الأزهر والكنيسة وفى سياق متصل دعا نشطاء وحقوقيون مصريون لاتخاذ موقف عربى موحد من زيارة القدس تلتزم به وتدعمه كل الدول والمنظمات والهيئات العربية، وفى هذا الصدد أصدر الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان بياناً حصلت روزاليوسف على نسخة منه دعا فيه لرفع الحرج عن الأزهر والكنيسة فى التراجع عن مواقف تاريخية اتخذتها المؤسستان ولم تعد تلك المواقف تواكب المرحلة، بل على العكس تقف حائلاً أمام حل بعض القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية إن زيارة القدس لم تعد تطبيعا مع إسرائيل ولكنها أصبحت دعما للفلسطينيين والقضية الفلسطينية فلم تعد بعد هناك خطوط حمراء لا يمكن الاقتراب منها، ولكن أصبحت جميع الخطوط متماسة والمشاكل حلها لا يكون بدفنها بل يجب اقتحامها طالما تتعلق بالبشر ومصلحتهم فالمسيحى من حقه أن يزور قبر السيد المسيح وكنيسة القيامة والأماكن التى اقتفيت آثارها بخطى السيد المسيح وذلك للتبرك وهل تحريم زيارة القدس تنطوى على منظور سياسى أم وطنى أم روحى أم قومى أم عروبى؟ وهل يمكن أن نتشكك فى وطنية من يزور القدس؟ ∎ الأساقفة يبيحون والكهنة يحجون قرار منع الأقباط من الذهاب إلى القدس يثير السخرية بين الأقباط حتى أصبح الكثير من الأساقفة يتندرون على هذا القرار ،فكثيراً ما يلجأ البعض من أفراد الشعب لطلب المشورة من أسقفه عن مدى حرمانية زيارة الأماكن المقدسة وتكون الإجابات من قبيل «روح يابنى ربنا يباركك» أو «براحتك لكن أنا ماشوفتكش ولا أعرف» وهكذا يبارك الأساقفة ذهاب الأقباط الى القدس والأمر الأغرب هنا أن الكثير من الكهنة قد ذهبوا إلى القدس وخلعوا عنهم رداء الكهنوت وارتدوا ملابس عادية حتى لا يتعرف عليهم أحد إلا إذا صادف وقابلوا أحداً من رعيتهم يزور المدينة المقدسة. أخيراً فهل تدرك الكنيسة طبيعة المرحلة؟ وهل تدرك أنه لم يعد مناسباً التمسك بقرار سياسى غير مفعل ومنعدم الأثر؟∎