الحمدلله.. أننا نعيش فى مصر المحروسة.. حيث الطقس المستقر والثابت منذ مئات السنين.. حار نار صيفا دافئ موحل شتاء.. وقد اعتدنا وتعودنا واكتسبنا خبرات المواجهة بالمراوح والدفايات.. ورش المياه عصرا أمام البيوت والمحلات فى شهور الصيف الحارة.. والسهر تحت اللحاف فى شهور البرد والزمهرير.. فلا نشكو ولا نتذمر.. ولا نصبح فرجة للعالم مثل إخواننا خواجات أوروبا.. الذين صاروا ملطشة للأحوال الجوية.. ويتعرضون الآن لموجة جليدية قارسة.. وقد تأخر الشتاء حتى آخر ديسمبر.. ثم كبس مرة واحدة.. فخرج الناس عن وقارهم وهدوئهم.. وتخلوا عن طبيعتهم الباردة.. وظهرت عليهم أعراض التوتر والنرفزة.. واتسمت أفعالهم بالعصبية الزائدة. البرد الزائد علي الحد.. يفعل بالأوروبيين ما يفعله الحر الزائد عن الحد بشعوبنا العربية.. عندما تصب الشمس لهيبها دون انقطاع!! ووالله العظيم إننا نعيش فى نعمة لا ندركها ولا نستوعبها أبدا.. ونحن نتمتع بالمناخ الصحو طوال شهور السنة.. والأرض عندنا منبسطة.. بلا جبال أو موانع أو عوائق طبيعية.. والشمس دافئة تساعد على الشغل والحركة.. والشتاء لطيف ناعم.. بلا عواصف أو صواعق أو رياح عاتية.. تخيل سعادتك أن الصاعقة يمكن أن تصيب شخصا أو أشخاصا فتصعقهم فى التو واللحظة.. يعنى تحرقهم بشحنة كهرباء زائدة.. والصاعقة ليس لها توقيت.. تأتى فجأة فى الأماكن المفتوحة.. ولذلك ينصحون بعدم السير وحيدا دون مانع للصواعق.. ومانع الصاعقة قد يكون مجرد شمسية تمسكها فى يدك تبعد عنك خطر الصاعقة. كنت أقول أن المناخ عندنا دافئ رقيق والبحر صاف رائق لا يعرف الغضب والثورة.. أو الأعاصير التى تقتلع فى طريقها كل أشكال الحياة.. ومع هذا نحن لا ندرك قيمة ما نملك.. ولو أمطرت السماء مرة لجلسنا فى بيوتنا ننعى حظنا الدكر.. وقد تعطلت المواصلات.. وغرقنا فى بحور الطين المتحركة.. وهرب سائقو التاكسى الأنذال من الشغل بحجة المطر والبرد والعيال ينتظرون فى البيت. أقول قولى هذا وأنا أتأمل الطقس هذه الأيام.. مجرد موجة باردة محملة بالثلوج والبرد القارس... موجة طارئة... نزوة بردية وعلينا أن نتحملها بنفس راضية.. قل إنها مجرد قرصة أذن من برد الشتاء.. لتذكرنا بإخوتنا فى الإنسانية.. أهل البلاد الباردة الذين يعيشون شتاء باردا غالبا.. دون شكوى أو تذمر! الأوروبى فى فصل الشتاء يخرج من بيته من النجمة ليبدأ رحلة الكفاح اليومية.. يكافح الثلوج المتراكمة طوال المساء أمام بيته تمنعه من الخروج والحركة... فيضطر إلى رش المساحة أمام البيت بالملح المجروش.. وميزة الملح أنه يمنع تكوين الثلج ويمنع تجمد المياه عند درجة الصفر.. ويحتفظ كل أوروبى أمام باب منزله بجوال أو أكثر من الملح المجروش لزوم التعامل مع الثلج أمام باب بيته. ينجح الأوروبى فى الخروج من بيته.. فيبدأ رحلة كفاح أخرى لطرد الثلوج المتراكمة على سيارته.. وهى ثلوج ليست عادية تحتاج إلى الطبل البلدى والأفرنجى لزحزتها عن السيارة. يخترع الأوروبى جنزيرا يغطى إطار سيارته.. ليه يا سيد... حتى تتمكن من السير فوق الجليد.. ثم يخترع مساحات لكسح الثلوج التى تمتد أحيانا لعشرة شهور فى السنة.. والغريب يا أخى أنهم لا يتوقفون عن الشغل والإنتاج.. هم يبدأون أعمالهم فى الثامنة صباحا.. وقد تعودوا فأدمنوا رحلة الكفاح والمقاومة ضد الثلوج بالخارج وحتى لا تعطلهم عن الحياة الطبيعية. الحياة الطبيعية عندهم تعنى حياة الطقس القارس.. ومع هذا لا يشكون ولا يتذمرون.. كما فعل أهل مصر المحروسة وقد فاجأتهم موجة باردة لن تزيد علي أيام معدودة.. ثم تنقشع عن الطقس المعتاد.. حار نار صيفا.. دافئ موحل شتاء!!∎