هزمه المرض ولم تتمكن الأنظمة البائدة من هزيمته، عاش سنوات عمره مناضلا وقضى داخل معتقلات السادات ومبارك الكثير منها، رحل عنا أحد أهم وأبرز المدافعين عن حقوق الإنسان عامة وحقوق المصرى خاصة، لم يسمع نداءً لمقهور ولم يلبه، لم يستغث به مظلوم فى قضية ما إلا ووقف بجانبه حتى اللحظة الأخيرة، لم يترك رقعة فساد فى أرض الوطن إلا وخاض فوقها معارك عدة فينتصر نصرا مبينا أو ينهزم إلى حين ثم يعيد الكرة دون ملل أو تخاذل، كان صداعا فى رأس الفساد والمفسدين، وقلبا رحيما بين ضلوع المظلومين والمقهورين، رحل أحمد سيف الإسلام تاركا خلفه سيرة عطرة وثلاثة مناضلين على سيرته الأولى. ولد أحمد سيف فى مركز حوش عيسى بمحافظة البحيرة عام 1960 وتخرج فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة سنة 1977 وحصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة سنة 1989 أثناء قضائه لفترة الاعتقال لخمس سنوات فى قضية رأى، كما حصل على دبلوم العلوم الجنائية من نفس الجامعة، وزوجته د. ليلى سويف الأكاديمية والناشطة وأبناؤه الثلاثة هم: علاء ومنى وسناء. كان سيف الإسلام أحد قيادات الحركة الطلابية فى سبعينيات القرن الماضى أثناء دراسته فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وشارك فى العديد من التظاهرات والوقفات ضد الحكومات والأنظمة المستبدة، وشارك فى حركة استقلال الجامعات، وتم اعتقالة أربع مرات طوال تاريخه النضالى، اعتقل لأول مرة لمدة يومين سنة 1972 بعد مشاركته فى مظاهرات الطلبة من أجل تحرير سيناء واعتقل عام 1973 لمدة 8 شهور بعد مشاركته فى الاحتجاجات على خطاب السادات وتأخره فى اتخاذ قرار بالحرب مع إسرائيل، وفى عام 1983 اعتقل لمدة خمس سنوات فى سجن القلعة بتهمة الانتماء إلى تنظيم يسارى تعرض خلالها للتعذيب وكسرت قدماه وذراعه، وأثناء هذه الظروف العصيبة داخل المعتقل وصله نبأ ميلاد طفلته الأولى منى وثانى أبنائه وكأنها نقطة بيضاء فى دائرة سوداء مفرغة. كان باستطاعته وقتها الهروب إلى لندن، حيث كانت زوجته ليلى سويف وابنه الأول علاء، لكنه رفض ذلك وقرر المواجهة والبقاء وسلم نفسه ليتم اعتقاله وتعذيبه. قال عن التعذيب الذى حاربه كثيرا وخاض ضده معارك شرسة مع الدولة فى عهد مبارك: «التعذيب مثل السرطان ينخر فى شباب الأمة وقدرتها على التغيير والتمرد والانتقاد». خرج سيف الإسلام من المعتقل عام 1988 حاملا على عاتقه قضايا عدة أهمها دفاعه المستميت عن حقوق الضعفاء والمقهورين على هامش الوطن أيا كانت انتماءاتهم السياسية أو الفكرية، ناضل كثيرا وخاض معارك عدة ضد القمع والتخوين والفساد، ومنها قضية «الاشتراكيون الثوريون» و«حزب التحرير الإسلامى» عامى 2003 و2004 كان أحد المساهمين فى إنشاء أحد أكبر وأهم المراكز الحقوقية فى مصر وهو مركز هشام مبارك للحقوق والمحاماة عام 1999 وتولى إدارته منذ نشأته وحتى وفاته، هذا المركز الذى تلقف قضايا المقهورين والمظلومين والمغضوب عليهم من حاشية النظام الفاسد، ودافع عنهم دون المتاجرة بحقوقهم ولم يتلق أبدا أى مبالغ أو مقابل لكل القضايا الحقوقية والقانونية التى خاضها أمام محاكم الدولة. من أبرز القضايا الحقوقية التى شارك فيها أحمد سيف الإسلام قضية عمال المحلة الذين خرجوا فى احتجاجات شعبية ضد مبارك فى 6 أبريل 2008 حيث كان 49 شخصاً يحاكمون لتورطهم فى الاحتجاجات الشعبية تضامنا مع التحرك العمالى فى مدينة المحلة الذى نظمّه عمال النسيج وشابها أعمال عنف. وأكد المتهمون أن اعترافاتهم المزعومة انتزعت منهم تحت التعذيب، وتم الحكم فى القضية ببراءة 27 متهما وإدانة 22 آخرين. عند إنشاء المجلس القومى لحقوق الإنسان فى 2004 كان سيف الإسلام ضمن عدد من النشطاء والمنظمات التى رفضت التعاون مع المجلس القومى لحقوق الإنسان، حيث اعتبروه بمثابة محاولة لتجميل الوجه القبيح لنظام المخلوع ولخطة توريث نجله، لكنه فى 2012 وافق ليحفظ هذا المجلس ودوره فى عهد الإخوان الذى عارضهم بشدة ولم يسلموا من تصريحاته ومواقفه النارية. رحل سيف الإسلام وابنه الأكبر علاء وابنته الصغرى سناء خلف أسوار السجن لاتهامهما بخرق قانون التظاهر ويواجهان أحكاما تصل إلى 15 عاما، ولعل القدر أمهله فرصة أخيرة لرؤيتهما قبل أن يرحل، حيث سمحت لهما إدارة السجن بزيارته أثناء مرضه منذ أيام وسمحت لهما أول أمس بحضور جنازة الرجل الذى عاش ومات كالشوكة فى حلق الأنظمة القمعية التى حكمت مصر.