العاهل السعودى الملك عبدالله بن عبدالعزيز يثبت يوما بعد يوم أنه حكيم العصر والعرب، فقد حرص على أن يزور القاهرة أمس الجمعة فى طريق عودته إلى الرياض بعد فترة نقاهة قضاها فى المملكة المغربية، لتهنئة ومؤازرة ودعم الرئيس عبدالفتاح السيسى، وليقدم التحية إلى الشعب المصرى الأبى الذى رفض مهانة وسطحية وانتهازية حكم الإخوان. تأتى زيارة خادم الحرمين الشريفين تعبيرا عن الأصالة العربية، وردا بليغا على إشادة الرئيس السيسى بمواقف المملكة العربية السعودية، ووصفه للعاهل السعودى بأنه حكيم العرب، وكبير العرب، وقوله إن أول زيارة له خارج مصر بعد توليه منصب الرئاسة ستكون إلى المملكة.. لقد أبى العاهل السعودى وهو رمز إلإباء العربى إلا أن تكون القاهرة محطته فى طريق العودة قبل الرياض لتشكل هذه الزيارة مرحلة مهمة فى تاريخ المنطقة والعالم، ورسالة مدوية أن مصر والمملكة صنوان المنطقة ستتكسر على نصاله وتندحر أحابيل التآمر الدولى والتطرف والإرهاب.
العاهل السعودى أراد بزيارته التاريخية والمهمة إلى القاهرة التأكيد على الدعم السعودى المطلق للمسيرة المصرية التى تنبئ بأن رياحا جديدة لعصر النهضة تهب على مصر، وأن مؤتمر المانحين الذى دعا إليه الملك عبدالله والمتوقع عقده فى نوفمبر المقبل سيكون قاعدة انطلاق مهمة تتبعها المملكة بخطوات متسارعة من شأنها إقالة الاقتصاد المصرى من عثراته، وعودة مصر قوية لتؤدى دورها العربى والإقليمى والدولى فى منطقة تتداعى عليها الأزمات وتتكالب عليها قوى إقليمية واستعمارية ما كان لها أن تستأسد ومصر متعافية منتصبة القامة.
الأزمات التى تعانى منها دول المنطقة بسبب حالة التشرذم والتفكك همّ حمله العاهل السعودى معه إلى القاهرة، الحرب الدائرة فى سوريا، الاقتتال الطائفى فى العراق، الفوضى التى تعصف بليبيا، التمرد القطرى، السلام المتعثر فى فلسطين، حالة الضعف والوهن التى تضرب المنطقة، كلها ملفات موضوعة على طاولة البحث بين القادة فى مصر والسعودية، لكنها هذه المرة أكثر ميلا فى اتجاه الحل لأن عمود الأمة وعصبها قد استقام، وأن مصر والسعودية يشكلان قوة إقليمية لا تضاهيها أى قوة أخرى فهما يمتلكان من القوى التى تعجز أى قوة عن مواجهتها، هذه الحالة من السيولة التى تضرب المنطقة ألقت بظلالها فى كل اتجاه، وما يحدث فى العراق من حرب أهلية وطائفية خير دليل على غياب البعد الوطنى والقومى عن أذهان من صنعتهم أجهزة المخابرات.
ففى العراق تتداخل إشكاليات الدولة، والطائفة والمذهب بالشكل الذى أصبحت معه محركا لإعادة محاولة رسم خريطة المنطقة سياسيا وجغرافيا وفق الاستراتيجية التى تسعى الإدارة الأمريكية إلى ترسيمها وفرضها على المنطقة العربية، مستغلة فى ذلك تحالفها القوى مع الجماعات الدينية المتطرفة، وفشل سياسات رئيس الوزراء نورى المالكى الطائفية التى حولت العراق إلى بؤر إرهابية، ونزاعات إثنية، ودينية تنبئ بأخطار تهدد أمن واستقرار المنطقة العربية، والسيطرة على منابع النفط فى دول الخليج العربية.
اللافت للانتباه أن الأحداث المتصاعدة والمتسارعة فى العراق تشوبها حالة من السيولة والغموض ربما تؤدى إذا لم يتم السيطرة عليها ومواجهتها واقتلاع حكم رئيس الوزراء العراقى نورى المالكى الذى يعمق الطائفية ويغذيها منذ عام 2006 م إلى انفجار المنطقة والتسبب فى حالة ما يمكن أن نسميه بالانفلات الإقليمى الذى تغرق معه المنطقة فى حروب أهلية وقبلية وعشائرية لعقود طويلة لا يعلم إلا الله إلى ماذا تؤول؟، وإلى متى؟، وكيف تنتهى؟.
فهل من المعقول أن يتمكن تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام «داعش» المدرج على قوائم الإرهاب فى السعودية، والذى لا يتجاوز عدد أفراده ال 1500 مقاتل وفق أغلب التقديرات من السيطرة على مساحات واسعة من العراق وتهديد العاصمة بغداد؟، الأوضاع بالتأكيد توحى بأن هناك شيئا ما خارج قناعات المنطق، وتشير إلى أن خلفها قوى إقليمية ودولية كبرى تؤججها، بهدف تعزيز هيمنتها على دول الخليج والعراقوسوريا عن طريق فرض واقع جديد على الأرض يحول دول المنطقة إلى كنتونات قبائلية، وعشائرية، وطائفية، كل الدلائل تشير إلى أن تحالف الشر المكون من أمريكا، وإيران، وإسرائيل وجماعات الإرهاب والتطرف فى سباق مع الزمن قبل أن تستعيد مصر عافيتها، وتشكل مع السعودية قوة إقليمية مهابة وفاعلة تتسم بالجرأة والمبادرة والمبادأة والتجاوب السريع مع الأمن الخليجى الذى يقع ضمن الدائرة الأولى والأهم للأمن القومى المصرى، وهو ما عبر عنه الرئيس عبدالفتاح السيسى أكثر من مرة كان آخرها أثناء استقباله كيم داروك، مستشار رئيس الوزراء البريطانى للأمن القومى بحضور جيمس وات، سفير المملكة المتحدةبالقاهرة، والجنرال سيمون ميال، مستشار شئون الدفاع المعنى بالشرق الأوسط بوزارة الدفاع البريطانية بقوله إن عدم تدارك الأوضاع فى البؤر المتوترة فى منطقة الشرق الأوسط، من شأنه أن يؤدى إلى استمرار انتشار الإرهاب واتساع دائرته ليشمل دولاً أخرى فى المنطقة، وأن خطر الإرهاب والتطرف لا يعد تحديا داخليا تعانى منه مصر فقط، وإنما تعانى منه المنطقة ككل.
تعول الشعوب العربية على مصر والسعودية فى مواجهة المد الشيعى لإيران وسياسة التفتيت والبلقنة والقطرنة التى تنتهجها الإدارات الأمريكية المتعاقبة فى خلق دويلات صغيرة هشة بحجم وطبيعة وسلوك دويلة قطر تنتهج سياسات متضاربة ومتناحرة بغرض إضعاف المنطقة، والسيطرة عليها من جانب إسرائيل التى تحاول أمريكا فرضها كبيرة على دول المنطقة، لا شك أن الدور المصرى المتعافى، والدور السعودى الداعم الذى يتسم بالحكمة والدهاء سيسهمان فى بناء منظومة إقليمية، وسياسية، واقتصادية، وأمنية، وعسكرية، ويحد من حالة التنمر الإيرانية التى تبديها على الشريط الخليجى بالتواطؤ مع أقليات طائفية تتلقى أوامرها وتعليماتها من آيات الله فى مدينة قم الإيرانية، ومفتى الاحتلال الأمريكى على السيستانى فى مدينة النجف العراقية الذى تحول إلى مفتى للاقتتال والذى يعترف وزير الخارجية الأمريكى الأسبق دونالد رامسفيلد أن السيستانى أنقذ الأميركان من خسائر كبيرة عندما حرم قتالهم سنة 2003م، وهو ما حدا بوزير الخارجية السعودى الأمير سعود الفيصل بالتحذير من وقوع حرب أهلية فى العراق لا يمكن التكهن بانعكاساتها على المنطقة، متهما الحكومة العراقية باعتماد الطائفية والإقصاء بحق أغلبية الشعب العراقى من العرب السنة الأمر الذى نجم عنه تفكيك اللحمة بين مكونات شعب العراق وفتح الطريق أمام كل من يضمر السوء لهذا البلد لكى يمضى قدما فى مخططات تهديد أمنه واستقراره وتفتيت وحدته الوطنية وإزالة انتمائه العربى، ونصح الفيصل رئيس الوزراء العراقى نورى المالكى ألا يعارض السعودية، مضيفا أن السعودية عانت من الإرهاب وجرمته خاصة تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام وقال إن المملكة أكثر بلد عانى من الإرهاب، وواجهته ولا تزال تواجهه، مؤكدا قدرة دول الخليج على مواجهة الإرهاب.
المؤامرات التى تحيق بالأمة العربية وتحاصرها من الأطراف بغرض إنهاك قلبها ردا على تجرع قوى الشر من التحالف الأمريكى، الإيرانى، الإسرائيلى، الإخوانى، علقم الهزيمة ومرارتها فى مصر لن تنتهى، ولن تقف عند حد، لذا من الضروى أن تستفيق القوى الفاعلة العربية، شعوبا وحكومات وتبرهن على أحقيتها فى أن تعيش حرة أبية وسط عالم لايعترف سوى بمفردات القوة ومكوناتها، لن يجد العرب ظرفا مواتيا أفضل من الحالى لصياغة شكل من أشكال الوحدة أو التحالف الذى بمقدوره صد المؤامرات وردعها والحفاظ على ما تبقى للعرب من هوية وتاريخ ينطلقون منه نحو مستقبل لأجيال مقبلة متحررة من قيود الوهن والضعف الذى تعيشه أجيالنا الذى رهنت انفسها لأيديولوجيات مريضة أو متطرفة.
مصر والسعودية، خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والرئيس عبدالفتاح السيسى وحدهما قادران، وبما يمتلكان من إرادة وإلهام ودعم شعبى جارف على إعادة صياغة وحدة الأمة وبناء مستقبل آمن وواعد لأجيالها، فكفى أجيالنا هزائم وانكسارات، فالمستقبل هو ما نحلم أن نملكه ونرجوه، ولا بأس من القفز إلى المستقبل على أشلاء دعاة الإرهاب والتطرف والتحرش، ونشطاء التحرر والفتن وتحلل الدولة، فلكل شىء أثمان يجب أن تدفع، وعلى كل من تسببوا فى الفوضى ومارسوا الإرهاب طوال السنوات الماضية أن يتواروا داخل السجون أو القبور.