لا يمر يوم إلا ونسمع عن آثار مسروقة تباع فى صالات المزادات الشهيرة بأمريكا وأوروبا، أحيانا قليلة نستطيع إنقاذها، وأحيانا أكثر يتم بيعها!.. فكان من المهم جدا أن نفتح هذا الملف مع وزير الآثار د. محمد إبراهيم فى إطار تقديمنا كشف حساب حكومة الببلاوى خلال 100 يوم، الوزير كشف لنا عن أن إيرادات المتاحف والمعارض والمواقع الأثرية تراجعت بشكل خطير بنسبة 75٪ من 3,1مليار جنيه فى 2010 إلى 482 مليون جنيه خلال العام الجارى، وهذا انعكس على دور الوزارة فتوقفت مشروعات الترميم وانهارت منظومة الاكتفاء الذاتى من المرتبات بالوزارة، والتى تصل إلى 50 مليون جنيه، والوزير لا يرى فى رفع حظر العديد من الدول السفر إلى مصر إلا مؤشراً طيباً لكنه غير كامل لإنعاش منظومة السياحة، إلا أنه قال إن مشروع المتحف المصرى الجديد بطريق الفيوم هو الوحيد المستمر العمل به رغم توقف التمويل المصرى بسبب استمرار التمويل اليابانى! حلفاء إسرائيل يشككون فى نصر أكتوبر، يجب أن نعرف العالم أن نصرنا لم يكن صدفة، فالمصرى القديم له العديد من الانتصارات العسكرية وسجلها على جدران المتاحف والمقابر.
إذا رجعنا بالتاريخ إلى الوراء، فسوف نعلم أن نصر أكتوبر تكملة لانتصارات الأجداد، والاستراتيجيات التى كان يتبعها المصرى القديم منذ فجر التاريخ للحفاظ على حدوده منذ أن أيقن بأن هناك بعض التهديدات ربما تأتى عن طريق الشرق، خاصة من سيناء أو عن طريق الغرب أو عن طريق الجنوب.
ودعنا نؤكد أن المصرى القديم كان يفكر فى استراتيجيات مهمة، غيرها على مر العصور، فبعد طرد الهكسوس من مصر على يد أحمس الأول مصَّر المناطق وخاصة سيناء ووصل إلى ما وراء سيناء إلى شمال نهر الفرات، فبدأ يستقدم أبناء الأمراء الذين يقومون على حكم تلك المناطق ويستحضرهم إلى مصر حتى يتم تربيتهم فى البلاط المصرى، وبالتالى أصبحوا رهائن عند الملك المصرى حتى لا يفكر أحد فى الثورة ضد الحكم المصرى، ومن هنا يعتبر تحتمس الأول هو أول من توسع فى الإمبراطورية المصرية والتى وصلت فى عصر الأسرة الثامنة عشرة تحتمس الثالث من شمال الفرات إلى وسط السودان.
رمسيس الثالث أنشأ لأول مرة المؤسسة العسكرية التى تحمى مصر، وبدأ يقيم مجموعة من الحصون فى سيناء وكانت على طريق «حورس» ومن هنا فإن الحدود الشرقية لمصر كانت دائما مؤمنة، ويغير الفكر العسكرى المصرى من استراتيجيته حسب تغير الأوضاع السياسية، خاصة بعدما بدأت تنشأ ممالك فى المنطقة من شمال العراق، حتى وصلنا إلى عصر رمسيس الثانى والذى قامت فيه أول اتفاقية سلام فى التاريخ، ما بين الملك المصرى وملوك الحيثيين فى الشمال وأعقبها زواج الملك المصرى من بنتين منهم.
∎ كيف ترى مستقبل السياحة فى مصر فى ظل حرب الدولة ضد الإرهاب؟
- أولا علينا أن نعلم أن وزارة الآثار ذات تمويل ذاتى، فهى لا تحصل من الدولة على أية أموال حتى المرتبات، فنعتمد بشكل أساسى على ما نقوم بتحصيله من رسوم زيارة فى المناطق والمتاحف، وبالتالى عندما انخفضت أعداد السائحين أدى الأمر إلى وجود تعثر ليس فقط فى دفع المرتبات ولكن فى المهمة الأساسية، التى تقوم بها وزارة الآثار فى الترميمات وإقامة المشروعات وافتتاح مناطق سياحية جديدة لكى تأتى بدخل، هذا يتواكب مع حالة الانفلات الأمنى التى مرت بها مصر حتى جاءت الكارثة الكبرى بما حدث فى متحف ملوى، الذى نهب كله، وبالتالى كانت المشاكل متراكمة ومتوافقة مع الوضع السياسى الحالى وانخفاض أعداد السائحين بشكل رهيب.
وفقا لأحدث الأرقام فإن عام 2010/2009 كان دخل الوزارة من الرسوم التى كانت تدفع للمواقع والمتاحف السياحية حوالى مليار و273 مليون جنيه انخفضت خلال عامين فوصلت عام 2013/12/20 إلى 482 مليون جنيه، أى بمعدل 75٪، هذا الأمر انعكس على ما يجب أن تقوم به الآثار لاستكمال مشروعات الترميم للحفاظ على الآثار، فالوزارة تعانى من قلة الإيرادات، وبالتالى صعوبة استكمال مشروعاتها من إقامة متاحف وتطوير وإعادة تأهيل للمواقع الأثرية والحفائر، بالإضافة إلى رواتب العاملين والتى تقدر بخمسين مليون جنيه شهريا، لذلك دعونا رجال الأعمال المصريين للمشاركة فى المشروعات مقابل أن نضع أسماءهم فى لوحة شرف خاصة تقديرا لهم.
∎ وماذا عن الانفلات الأمنى فى المواقع الأثرية؟
- للأسف كانت تواجهنا مشكلة كبيرة عندما كان يتم التعدى على الآثار، كنا نصدر قرار إزالة، ومن يقوم بتنفيذه هو الأمن العام، لكنه كان مشغولا بالحالة الأمنية فى البلد، وبالتالى أثر ذلك أيضا بالسلب على تنفيذنا قرارات الإزالة، فالتفاعل مع الحفر خلسة والذى كان يتم يوميا على بعض المواقع الأثرية كان بطيئا، لأن الوزارة لم تكن لديها الإمكانيات التى تجعلها تقف ضد العصابات المسلحة، فالحارس فى المواقع الأثرية يسلح بطبنجة 9 ملى، فى الوقت الذى تمتلك فيه مثل هذه العصابات عربات دفع رباعى حتى شرطة السياحة عددهم قليل وليس لديهم الإمكانيات الكافية التى تستطيع بها صد هجوم هؤلاء العصابات.
ولكننا بدأنا نتعافى ولكن ما يحدث من يوم لآخر يجعل السياحة مهددة فى أى وقت، فبرغم أن بعض الدول رفعت الحظر، صحيح ليست على المناطق الأثرية الموجودة فى الوادى من الإسكندرية حتى أبوسمبل بالأقصر، ولكننا قلنا أن أول الغيث قطرة ستبدأ السياحة تأتى إلى شرم الشيخ والبحر الأحمر، ولكن ما يحدث من مصادمات من جانب الإخوان يؤثر بالسلب على وضع السياحة لأن معظم الدول بدأت مراجعة عودة حظر مواطنيها من القدوم إلى مصر مرة أخرى، وللأسف 16 مليون عامل فى قطاع السياحة يعانون البطالة من تدهور الأوضاع الاقتصادية المرتبطة بشكل أساسى بالأمن، فلو لم يأمن السائح الذى يأتى إلى مصر بهدوء الأوضاع واستقراراها فسوف يمتنع عن المجىء إلى مصر.
∎ وماذا عن المتحف المصرى الكبير الذى يعتبر أكبر متحف للتراث المصرى القديم؟
- منذ بضعة أيام التقينا بالجانب اليابانى الذى يقوم بمعاونتنا فى بناء المتحف المصرى الكبير، وكنا نناقش تفاصيل استمرار المشروع، ويعتبر المتحف المصرى الكبير هو المشروع القومى الوحيد الذى لايزال يعمل، ومنذ أن تم توقيع الاتفاقية بين الجانب المصرى واليابانى أقيمت المرحلة الأولى والثانية قبل أن أتسلم عملى بالوزارة، وفى عهد حكومة الجنزورى قمنا بتوقيع العقد بيننا وبين الشركة المنفذة للمرحلة الثالثة والأخيرة من المتحف، وهى مبنى المتحف ذاته، وهذا المشروع كان يقوم بالمشاركة من القرض اليابانى والمصرى ولكن الجانب المصرى امتنع عن السداد لانخفاض السيولة وأصبح المشروع الآن يقوم على القرض اليابانى بشكل رئيسى، وهذا يأتى متزامنا مع مشروع متحف الحضارة فى الفسطاط وهو أيضا مشروع قومى نسعى للانتهاء منه فى أقرب وقت ممكن، ولكن ما يوقفنا من وقت لآخر هو نقص التمويل الكافى، ونحن نسير لحد كبير طبقا للجدول الزمنى لافتتاحه، لافتا إلى أن المتحف يحتاج إلى نحو 800 مليون جنيه لإنهائه.
∎ هل ممكن أن تلجأ الحكومة إلى تأجير بعض المناطق الأثرية لسد عجز التمويل؟
- تأجير الآثار مرفوض رفضا باتا، قانونا لا يصلح، منطقيا ووطنيا لا يصلح، فالمشكلة ليست فى التأجير أو عدمه، فالمشكلة فى مصر حاليا هى الأمن فقط، وعندما يستتب الشارع سيعود السياح مجددا.
∎ ما هو حجم الإيرادات التى تحققها الآثار شهريا؟
- إيرادات الزيارة الوافدة على مختلف المواقع والمتاحف الأثرية بجميع أنحاء الجمهورية بلغت مليوناً و730 ألف جنيه خلال سبتمبر الماضى 2013وبالتالى فإن هذا المبلغ يعكس حالة انحسار الحركة السياحية الوافدة إلى مصر مقارنة بفترات سابقة. ووزارة الآثار تسعى جاهدة إلى فتح مزارات سياحية جديدة مما يساهم فى جذب المزيد من الزوار، بالإضافة إلى عقد لقاءات موسعة مع مختلف سفراء وممثلى دول العالم لنقل صورة واضحة عن حقيقة الأوضاع الأمنية داخل مصر إلى حكوماتهم مما يساهم فى رفع الحظر المفروض من بعض الحكومات حول العالم بوقف الزيارة إلى مصر.
∎ ما هى المقترحات التى قدمتها الآثار للجنة الخمسين لتعديل الدستور؟
- المواد التى اقترحتها الوزارة أجمع على ضرورة إضافتها غالبية الأثريين والمعنيين بالعمل الأثرى، ويأتى فى مقدمتها إضافة مادتين على الباب الأول «باب الدولة والمجتمع» المادة الأولى تنص على «التزام المجتمع بمختلف أطيافه العقائدية والسياسية بالمحافظة على تراث مصر الحضارى والمادى والمعنوى، باعتباره جزءا من تراث البشرية، ويحظر العبث أو التشويه أو التعامل بأسلوب غير علمى بأى جزء منه»، كما تنص المادة الثانية على «التزام الدولة بنشر الثقافة فى الداخل والخارج، والعمل على حماية حقوق الملكية الفكرية للدولة فى هذا المجال».
∎ كم عدد القطع الأثرية التى تمت سرقتها منذ ثورة يناير حتى الآن؟
- قطاع الآثار دفع ثمنا كبيرا جراء الأحداث التى وقعت خلال ثورة يناير حتى الآن، حيث بلغت القطع الأثرية التى تم سرقتها نحو 2000 قطعة، وتوقفت بعض المشروعات المتحفية وسط تهديدات بتوقف البعض الآخر لننقص التمويل.
وتم إبلاغ الإنتربول الدولى والمنظمات التى تتعامل مع الآثار مثل اليونسكو بما يسمى بالقائمة الحمراء التى تحظر على جميع صالات العرض وجميع المزادات التعامل مع قطع مسروقة مسجلة من قبل الجانب المصرى.
- بالفعل منذ عدة أيام خاطبت وزارة الآثار الخارجية المصرية لإيقاف بيع ثمانى لوحات أثرية خشبية محفوظة بمخزن صالة «بونهامز» للمزادات بالعاصمة البريطانية تمهيدا للترويج لها وعرضها للبيع، وكشفنا عن هذه اللوحات من مسروقات قبة الخلفاء العباسيين بالسيدة نفيسة والتى تعود إلى عام 1243م، وتعرضت لسرقة بعض الحشوات الخشبية بها فى أبريل من العام الماضى ومحرر بشأنها محضر برقم 2903 بتاريخ 24/4/2012 قسم جنح الخليفة.
∎ وكيف اكتشفتم بيع هذه اللوحات؟
- من خلال المتابعة الدورية لصالات المزادات ومواقع البيع الإلكترونى والتنسيق مع جميع الأطراف المعنية، تلقينا رسالة من إحدى المصريات المقيمات فى لندن أفادتنا بوجود بعض اللوحات من مفقودات قبة الخلفاء العباسيين وتضم رفاة بعض من الخلفاء العباسيين وتأكدنا أن القطع خرجت بطريقة غير مشروعة ويطبق عليها القانون رقم 117 لسنة 1983 والذى يحظر الإتجار بالممتلكات الثقافية للدول ذات الحضارات، وتم اتخاذ جميع الإجراءات القانونية وإبلاغ الإنتربول الدولى لاستردادها.
∎ هل عادت جميع الآثار التى تمت سرقتها من متحف ملوى؟
- تمكنت وزارة الآثار حتى الآن بالتعاون مع شرطة السياحة والآثار من ضبط 486 قطعة أثرية من مسروقات متحف ملوى، وتعتبر هذه هى المرة الأولى التى يتم فيها القبض على شخص بحوزته بعض من مسروقات متحف ملوى، وتبين أنه من سكان ملوى أثناء محاولة بيع القطع المضبوطة بالجيزة.
متحف ملوى كان يحتوى على أكثر من 1089 قطعة أثرية سرقت، تم تهشيم 32 قطعة، وهناك 10 قطع لم تمس تم نقلها لأحد المخازن، وتم توجيه دعوة إلى جميع من لديه آثار مسروقة من المتحف أنه لن يتم ملاحقته أمنيا ولن يساءل قانونيا إذا أرجعها طواعية إلى الوزارة.
∎ وماذا عن عمليات التنقيب عن الآثار؟
- لا توجد أعمال حفر مصرية حاليا.. فليس الوضع الأمنى المؤثر فقط، بل الوضع المادى أيضا، ونبحث الآن عن أسلوب أكثر تقدما للسيطرة على الأراضى الشاسعة الخاضعة لولاية وزارة الآثار ولم ينقب فيها، لابد أن نستخدم المراقبة الإلكترونية والأقمار الصناعية للسيطرة الفعلية، لأن العامل البشرى ليس كافيا.
∎ متى سينتهى العمل بمتحف «الحضارة»؟
- يحتاج إلى 700 مليون دولار لاستكماله، وندعو اليونسكو لتنظيم حملة دولية لجمع تبرعات، والدول المانحة لتقديم قروض أو منح لإتمام المشروع.