تصوروا أن الحساب فى «ماسبيرو» أصبح حتى على الإيماءات والإيحاءات؟! وبالتالى يكون العقاب الذى يصل إلى إبعاد المذيعين المشاغبين بلغة «الوزير الإخوانى» عن الشاشة بسبب إسقاط ما أو ملمح غير مقصود، هذه المعاناة يتعرض لها كثير من المذيعين الذين رفضوا الاستسلام والهروب من «ماسبيرو» رغم الاحتلال الإخوانى، حالمين بتحريره، فى مقدمتهم مذيع «القناة الأولى» عاطف كامل، الذى جاهد حتى نجا من عقاب وزير إعلام الإخوان المؤمن بضرورة العودة لعصر «الرقيب»! لكن هذه المرة على طريقة «السمع والطاعة»!
كان من المهم أن نتحاور مع «عاطف كامل» مذيع برنامج «بيتنا الكبير» لنعرف إلى أين وصلت مخططات الأخونة فى ماسبيرو الذى تخلص من احتلال حتى يقع فى احتلال آخر! وطبعا أن تتورط فى حديث مثير بالإشارة إلى التربص الإخوانى بالمذيعين الوطنيين والأقباط!
رأيناك مع زملاء إعلاميين أمام ماسبيرو تجتمعون ضد أخونة الإعلام المصرى فكيف ترصد مشهد عملية الأخونة فى ماسبيرو بعد الانتفاضة ضد الوزير الإخوانى؟!
- العقول الكبيرة تناقش الأفكار، والعقول المتوسطة تتوقف عند الأحداث، أما العقول الصغيرة فتتكلم عن الناس.
هناك أخونة فادحة للإعلام وطالما طلبت رصدا للمشهد فدعنى أقول لك أولا: عندما تعين وزيرا للإعلام منتميا لحزب معين، فأنت مبدئيا ابتعدت عن الحيادية التى يطالب بها الوزير نفسه.. فالإعلامى بمختلف مناصبه لاينبغى أن يكون منتميا إلا للشعب.
وثانيا: عندما يكون الوزير منتميا تحديدا لحزب الحرية والعدالة - الذراع السياسية للإخوان المسلمين - وأحد أهم معتقداته «السمع والطاعة»، فأنت بذلك ضربت فكرة الإبداع والابتكار فى مقتل.
فكل إنسان حر فيما يعتنق أو يقتنع من مبادئ، ولكنه ليس حرا فى أن يفرضه على الآخرين وليس حرا فى أن يضع مبدأه فى سياسة إعلامية تقوم أساسا على الحرية والحوار والأفكار من أجل التنوير ورفع مستوى الوعى للمشاهدين، والتفكير خارج الصندوق.. وكل هذا يتعارض مع مبدأ «السمع والطاعة» الذى يعتمد على الآمر والمأمور.
هل لديك دليل بالموقف على أخونة ماسبيرو؟!
- نعم.. التقيت مرة واحدة مع وزير الإعلام خلال اجتماعه مع أسرة برنامج «بيتنا الكبير» لمناقشة التطوير ووجدت الوزير يبدأ اجتماعه بتوجيه أسرة البرنامج - بشكل غير مباشر - لسياسة الإعلام التى ينبغى أن تكون، وعن ضرورة إبراز إيجابيات الحكومة والرئاسة، وأن المعارضة كأنها لم تكن وإن ما يحدث فى الشارع المصرى مجرد بلطجة، وقد تكون هذه هى وجهة نظر الحزب الحاكم، وليست بالضرورة أن تكون صحيحة.. فهناك من يرى أن الحكومة ضعيفة وليست لها إنجازات، وأن غضبة الشارع تعبر عن سوء الإدارة فى الرئاسة وفى الحكومة، وأن العنف - رغم أننا ندينه - بدأ من الداخلية، وما يحدث رد فعل للفعل نفسه.
الوزير أثناء الاجتماع ضاق صدره بآراء معارضة له، وهذا طبيعى لأننى أعود بك للفكرة الرئيسية أن من تربى على مفهوم «السمع والطاعة» عندما يصل إلى موقع السلطة يتوقع أن يأمر وعلى المرؤوسين أن يسمعوا ويطيعوا.
هل هناك توجيهات مباشرة فى هذا السياق؟!
- فى كل حلقة، أقدمها يحاول رئيس تحرير البرنامج أن يقنعنا بأننا لابد أن نترك الضيف «المؤيد للرئاسة والحكومة» ليقول ما يريد ولا نعارضه ولا نواجهه، معتقدين أن هذه هى الحيادية.
وبالمناسبة ومع احترامى لرئيس تحرير البرنامج، فقد جاءت به القيادات من الخارج، واعتراضنا أنه ليس من الخارج ولكن لأن له أجندة موجهة، ويعترض على ضيوف كثيرين من المعارضين، فضلا على أنه لم يضف شيئا للبرنامج، فلدينا معدون داخل المبنى فى منتهى الشطارة والحرفية، وبعضهم يعمل فى نفس البرنامج، ويقدمون ما هو أفضل.
الوزير يرى أن التليفزيون المصرى أحسن إعلام لكنه واقعيا الأسوأ؟!
- لا مساحة للحرية المسئولة واستضافة كل التيارات ونقل نبض الشارع، بالإضافة إلى أن التليفزيون لا يريد أن يصرف على الشكل أو يبتكر فى الديكور رغم أن لدينا الإمكانيات دون أن نحتاج إلى مصاريف عالية.
المسألة تكمن فى الرغبة والقدرة.. أن تكون لديك رغبة فى تقديم رسالة إعلامية حقيقية وحرية، وقدرة على التنفيذ.. فقد يملك التليفزيون القدرة ولكنه لا يملك الرغبة.
فكيف أكون محايداً عندما يموت أطفال نتيجة إهمال فى وزارة النقل للمزلقانات- سبب الحادث مثلا- فهل يخرج المذيع يرتدى قناع الحيادية، ويناقش الأمر على أنه حادث عادى وشوية عيال وماتوا، أم ينتقد الإهمال الذى يحدث ويطالب المسئول بحلول لهذه المشكلة.. هل يواجه المذيع السؤال عن هذه الحوادث بحقائق ومعلومات تضع المشكلة فى حجمها الطبيعى «هذه موضوعية»، أم يتركه يكذب عليه وعلى المشاهدين دون مواجهة «هذه الحيادية التى يطلبونها».
أذكر لك مداخلة تليفونية مع النائب العام المساعد المستشار حسن ياسين، حينما أصدر النائب العام قرارا باعتبار أعضاء البلاك بلوك إرهابيين.. وتم القبض على بعضهم.. فسألته هل تجرى تحقيقات معهم، فأجاب: نعم.
فقلت له: نتمنى أن نعرف نتيجة هذه التحقيقات بشفافية، وتعلن للرأى العام، حيث إننا لم نعرف حتى الآن نتائج التحقيقات فى أحداث كثيرة بدءا من مسرح البالون ومرورا بماسبيرو ومحمد محمود وحتى أحداث الاتحادية.
هنا اعتبر رئيس التحرير أن هذه ليست حيادية وأننى قلت رأيى واشتكى للقيادات والوزير.
سمعنا وقرأنا تصريحات لوزير الإعلام عن لجان متابعة للبرامج وعمل ملف خاص لكل مذيع أو مذيعة فهل هذا للضغط على المعارضين منهم؟!
- المسألة تقديرية للمتابعين، فقد تجد تقريرين عن نفس الحلقة ونفس المذيع متضادين.. تقرير يقول إنك ممتاز وتقرير آخر يقول إنك مخطئ.
غير أن هذه اللجان «للمتابعة» وأقصد هنا العاملين داخلها يتبعون المزاج العام لتوجه الوزير، فمن يتابع مثلا عاطف كامل وهو يعلم أن الوزير أو رئيس القناة أو رئيس التليفزيون له موقف مضاد منه سيكتب تقريرا ضده لإرضاء القيادات.
أما لو اتبعنا فكرة المؤامرة.. وهى للأسف موجودة حاليا، وأتحدث بناء على معلومات ومواقف. فهناك توجه لإقصاء بعض المذيعين والمذيعات الذين يعرضون الحقائق ويكشفون الزيف ويطلب تقارير ضدهم حتى يجدوا مبررا لإقصائهم، وأقولها صراحة أنا واحد منهم!
بل إن بعض الأشخاص سربوا لى خبرا بأنه سيتم استبعادى أول أبريل القادم بحجة هذه التقارير، وبحجة أن الخريطة ستتغير.. هذا بعد أن فشلوا فى إبعادى بطرق غير قانونية فى الفترة السابقة.. فقد أخطرنى على سيد الأهل رئيس القناة الأولى منذ أسبوعين أن الوزير أوقفنى عن العمل وعندما سألته قال لأن «إيماءاتك» فى الحلقة الماضية كان بها أشياء من الوضع الحالى.. تصور بيقيموا إيماءاتك يعنى بيحاسبوك على ما فى النفوس.. «وكمان بتقول صباح الخير؟!»، هى بالضبط كده.. واعترضت وواصلت عملى، فبدأوا يبحثون عن طرق قانونية مفصلة على مقاسى لإبعادى، وإن غدا لناظره قريب.
هل أنت ضد التقييم بشكل عام؟
- طبعا لا.. ولكن فى ظل هذه الأجواء، وعملا بقانون اتحاد الإذاعة والتليفزيون.. فعندما يحدث جدل حول حلقة معينة أو مذيع معين يجب مناقشته أولا، ثم لو أخطأ- من وجهة نظر القيادات- تحوله للشئون القانونية، ثم تأتى لجنة محايدة من الخارج يتفق على أسمائها الطرفان- المذيع والقيادات- للبت فى تقييم الحلقة موضوع الخلاف- ويتم الأخذ بقرارها، أعود وأكرر لابد من موافقة الطرفين على أسماء اللجنة، لأنه من السهل أن تأتى بأسماء معينة لها نفس التوجه ونفس الأجندة وتطلب منهم توجيه التقرير والتقييم ضد شخص معين، وتعلن أنها لجنة محايدة، هل يعقل هذا؟
ألم تفكر فى ترك هذا العناء والعمل بالقنوات الخاصة؟!
- أصدقاء وزملاء لى كثيرون فى محطات خاصة يريدون منى العمل معهم ويقولون لى هذا ولا أنكر عليك أننى فى لحظات الإحباط الشديدة أفكر فى هذا، ولكن أعود وأقول إن التحدى الكبير أمامى وأمام زملاء شرفاء داخل المبنى أن نعيد هذا التليفزيون للشعب الذى كان- ومازال- موجها لصالح النظام الحاكم، ولن نتركه حتى يعود للشعب.