وكأن الدنيا قد ضاقت بجبهة الإنقاذ وتقطعت بها كل السبل لحصد المكاسب السياسية فلم تجد غير دماء الشهداء لترقص عليها وتمارس بغاءها السياسى، نعم السياسة ليست صلاة ملائكية أو ابتهالاً روحيًا وندرك جميعنا أن السياسة هى لعبة وفن الممكن، ولكن تبقى هناك خطوط حمراء غير مقبول تجاوزها أو حتى اللعب عليها خاصة إذا كانت تلك الخطوط قد امتزجت بدماء طاهرة ولكن هل تنطلى ألاعيب الجبهة على الشعب المصرى بذكائه الفطرى.. بالطبع لا، والمدهش والمثير للعجب فى الأمر هو إصرار الجبهة على إيقاع بورسعيد فى حبائلها السياسية وتركز على المدينة بشكل غير عادى على الرغم من عزوف سياسيى البلدة عن التعامل أو التحالف أو حتى التوافق مع الجبهة ورموزها لتحصد كل مرة فشلا بعد فشل وعلى الرغم من أن بورسعيد قد لفظت الإخوان حزبا وجماعة فإنها لن تستجير من الرمضاء بالنار، وهنا كان لا بد أن نتوقف أمام إصرار جبهة الإنقاذ على محاصرة المدينة ومحاولة استقطابها.
الثأر من الإخوان «جورج إسحق» هو كلمة السر ومفتاح اللغز هنا فلا أحد يستطيع أن ينكر أن إسحق أيقونة من أيقونات الثورة ورموز الحركة الوطنية، ولا أحد أيضاً يستطيع أن يشكك فى ولائه وانتمائه ولكن الرجل تذكر فجأة إبان انتخابات مجلس الشعب الفائتة أن له جذوراً بورسعيدية وقرر الترشح مستقلا لعضوية المجلس منافسا لنائب الإخوان المخضرم أكرم الشاعر، وعلى الرغم من أن هناك سلبيات كثيرة وتجاوزات فى العملية الانتخابية أدت إلى فوز الشاعر إلا أن السبب الرئيسى فى إخفاق إسحق يرجع إلى أنه ليست لديه الشعبية الجارفة فى بورسعيد
من يعمل لصالح من؟ يفترض أن جورج إسحق من خلال موقعه القيادى فى جبهة الإنقاذ يسعى مع غيره من رموز تلك الجبهة لتقوية الجبهة أولا ولكنه أدرك وبحسه السياسى المتمرس أن الوقت لن يسعفه فى ذلك فقرر أن يستخدم الجبهة بكل مشتملاتها من أحزاب وتيارات وحركات سياسية كراعٍ رسمى لحملته الانتخابية متحالفا مع الدكتور أحمد البرعى البورسعيدى لتكوين قائمة انتخابية.
المكون السلبى للآخر
كان من المفترض أن يلجأ إسحق وتابعه البرعى إلى الترويج لأنفسهما عن طريق التمازج والتفاعل مع مشكلات المدينة وأهلها والتواجد بشكل دائم ومستمر، ولكن بدلا من هذا لجأوا إلى استغلال الأحداث التى تقع فى بورسعيد والظهور الإعلامى والتجول فى الشوارع من خلال مسيرات هشة وضعيفة تضر أكثر مما تفيد وأخيرا لاحت لهم الفرصة بعد الحكم فى القضية التى عرفت إعلاميا ب«مذبحة بورسعيد» حيث حمل أهالى المدينة الإخوان المسئولية فى خروج الحكم بإحالة 12 من أبناء المدينة إلى فضيلة مفتى الجمهورية، كما استشاط غضب البورسعيدية بعد استشهاد 24 فى الأحداث الأخيرة والتى تشير أصابع الاتهام فيها إلى الإخوان، سواء صحيحا أم غير صحيح ولكنها القناعات التى استقرت لدى شعب بورسعيد وقرر إسحق والبرعى استغلال هذا الغضب خاصة مع اختفاء الإخوان من على الساحة لاغتنام القواعد الشعبية والثورية البورسعيدية.
الرقص على دماء الشهداء
هنا قرر الإنقاذيان نسبة لجبهة الإنقاذ اللعب على الوجدان البورسعيدى وكسب تعاطف الشارع معهما قررا مؤخرا الدعوة لمؤتمر سياسى بالمدينة بحجة المطالبة والدفاع عن حقوق بورسعيد وشهدائها، ورفعوا سقفهم ليصل إلى المطالبة برفع دعوى قضائية على رئيس الجمهورية باعتباره المتسبب فى كل ما لحق بالمدينة.
الفشل حليف الإنقاذ لم يتوقع الإنقاذيان أن القوى الشعبية والسياسية فى بورسعيد سوف يكون لها رأى آخر، حيث رفضوا تواجد جبهة الإنقاذ ورموزها بالمدينة وقرروا عدم عقد مؤتمر الجبهة وأجبر الإنقاذيان على الرضوخ ليفجر البورسعيدية مفاجأة من العيار الثقيل ويقرروا الدعوة إلى عصيان مدنى وهو ما تم بالفعل ومازال مستمرا ولاقى فى يومه الأول تجاوبا شعبيا كبيرا ليعود الإنقاذيان من حيث أتيا يجران أذيال الخيبة والفشل.
الشباب ودولة العواجيز
على الرغم من قسوة الحياة فى بورسعيد ومشاعر الحزن والغضب التى تغلف المدينة فإن هناك ملمحا إيجابيا فى وسط هذه الغيمة، فبورسعيد خرجت بشبابها شباب وطنى وثائر وطاقته غير منتهية ومتجددة ليعيدوا أمجاد الأجداد وروح 56 تحركهم، أما العواجيز فلقد تنحوا جانبا يراقبون وينصحون ويوجهون ولكن ترك للشباب حرية اتخاذ القرار وعلى بقايا دولة العواجيز أن تعى الدرس البورسعيدى جيدا، فالدولة القادمة دولة الشباب وليست دولة العواجيز.