ما بين درجة حرارة تصل إلى 50 درجة مئوية صيفا، ومقر غير آدمي يصلح بالكاد لأن يكون مخزنا للمخلفات وليس للمعيشة أو حتى العمل، وبين إمكانيات فنية وإدارية وسكنية ومادية رديئة لا تتناسب مع حجم طبيعة المنطقة النائية التى يوجد بها مقر العمل والإقامة، وبين إرسال ضعيف لا يصل مداه أكثر من 10 كيلو مترات بالكاد بسبب ضعف محطة الإرسال التى لا تزيد طاقتها علي 100 وات فى حين أن المحطة يجب ألا تقل طاقتها عن 5000 وات - فتحت كل هذه الظروف الصعبة والمعاناة الشديدة يمارس مذيعو إذاعة «حلايب وشلاتين» عملهم، اللافت أن مقر العمل والإقامة يجمعهما مكان واحد عبارة عن حجرة واحدة تضم محطة البث الإذاعى التى تشبه فى حجمها حجم دولاب الملابس الكبير وفى نفس الوقت تضم سريرا ودولابا لزوم إقامة المذيعين العاملين بالإذاعة وعددهم ثلاثة هم «ياسر عبدالعظيم»، و«شريف عبدالخالق»، و«أحمد فرج» الذى حل محل وائل الدمنهورى الذى طلب نقله وعودته إلى «صوت العرب» الأم بالقاهرة.
المؤسف أن أثير المحطة الذى ينقل كلمات الأمل والتفاؤل والأغانى والدراما والبرامج التى تناقش مشاكل وهموم المواطنين عاجز عن حل مشاكل مذيعيه، ولا يدرى أن من يقومون بأداء واجبهم عبره يحتاجون إلى نظرة رحمة وإنسانية ليتوفر لهم المناخ المناسب أثناء ممارسة عملهم.
كنت شاهدا على حوار دار بين اللواء «طارق المهدى» أيام كان مسئولا عن وزارة الإعلام - منذ أكثر من عام وبين المهندس «حمدى منير» رئيس قطاع الهندسة الإذاعية سابقا والإذاعى أسامة خليل مدير إذاعة «حلايب وشلاتين» الذى كان قد تقدم بعدة شكاوى بسبب نقص الإمكانيات التى تعترض مسيرة العمل بالمحطة.. وطلب «المهدى» من «منير» تلبية الطلبات وأهمها تقوية الإرسال وتدعيم الخدمات وتطوير المحطة إلا أن شيئا من هذا لم يحدث، وزادت شكاوى «خليل» التى وصلت لأكثر من 15 شكوى تقدم بها لكل مسئولى الإعلام الذين جاءوا بعد المهدى ولكن للأسف لا حياة لمن تنادى!!
الغريب أن أسامة خليل سعى بشكل ملحوظ لتحويل إذاعة حلايب وشلاتين من مجرد إدارة تابعة لشبكة صوت العرب إلى إدارة عامة وانتزع الموافقة من الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة بمساعدة كل من إسماعيل الششتاوى رئيس الإذاعة وعبد الرحمن رشاد رئيس الشبكة.
الاهتمام بإذاعة حلايب وشلاتين التى يعانى مذيعوها من قسوة المعيشة والذين يتبادلون الإقامة بها بنظام الورديات كل وردية تستمر 15 يوما أمر ضرورى، فهى ليست مجرد إذاعة عادية، بل هى إذاعة لها بعدها القومى بسبب ظروف وجودها فى منطقة شديدة الحساسية، كانت محل نزاع بيننا وبين السودان وانتهى الأمر إلى إعادتها لحضن مصر، فلابد من الاهتمام بها لنشعر مواطنى المنطقة أنهم فعلا جزء أصيل من مصر وأننا حريصون على تقديم الخدمة الإعلامية لهم على أكمل وجه، والسؤال هنا: هل يعقل أن المحيط الذى من المفترض أن تغطية الإذاعة والذى يشمل حلايب وشلاتين وأبورماد ورأس حدربة بتعداد سكانى حجمه 36 ألف نسمة لا يصل إرسالها لأكثر من 10 كيلومترات فقط رغم أن المسافة بين حلايب وشلاتين وحدها تصل ل200 كيلو متر!! كما أنه كيف يعقل أن يمارس المذيع عمله فى جو غير صحى سواء من الناحية المهنية أو البدنية؟ فمن المعروف أن محطات الإرسال ترسل ذبذبات تمثل خطرا على الجسم وتضر بصحة الإنسان، فكيف يعيش الإنسان فى حجرة واحدة مع هذه الأجسام الخطيرة صحيا؟! كما أنه كيف يؤدى عمله من نفس الحجرة التى ينام فيها؟ وهل يبث برامجه وهو جالس على السرير أم من تحت السرير؟!.
لقد كان لإذاعة «حلايب وشلاتين» دور قوى فى انتخابات مجلسي الشعب والشورى والانتخابات الرئاسية الأخيرة عندما طلب «أسامة خليل» من «الششتاوى» و«رشاد» الانضمام إلى الإذاعة الأم لنقل ما يحدث هناك أولا بأول وليشعر أبناء المنطقة بأنهم على تواصل مع بقية أبناء الشعب المصرى الذين هم جزء منه، وحققت التجربة نجاحها، بل الأكثر من ذلك أن الفضائية المصرية وقناة النيل للأخبار كانتا تنقلان عن «حلايب» و«شلاتين» أيضا، وهو ما أحدث رد فعل إيجابياً عند المواطنين هناك. «أسامة خليل» مدير الإذاعة يؤكد أن دور المحطة الذى يتم تفعيله - وكأننا ننفخ فى قربة مقطوعة بالمجهودات الذاتية والإمكانيات البدائية يحتاج إلى إمكانيات أكبر للقدرة على تنمية وتثقيف أهالى المنطقة، خاصة أنه من المفروض أن تربط هذه الإذاعة بين الجنوب والشمال، وسيكون لها دور مهم فى المرحلة المقبلة بعد أن يمر بها الطريق الدولى الذى يربط بين مصر ودول حوض النيل. الغريب أن المحطة لا يوجد بها مولد كهربائى قادر على أداء مهمته، فهى فى حاجة إلى مولد جديد بعد أن ثبت فشل القديم وعدم صلاحيته وتعطله بصفة مستمرة مما يؤثر على تعطيل العمل فى المحطة كلها.
ما يثير الاندهاش أيضا أن إذاعة كاملة وفى منطقة نائية يحتاج العاملون بها إلى، التنقل وقضاء حوائجهم من وإلى ولا يوجد بها سوى سيارة واحدة ومتهالكة تحتاج إلى تكهين.
قبل عام 2010 كان العمل فى إذاعة «حلايب وشلاتين» يتم بنظام المأموريات بمعنى أن يتم تحديد مذيع للقيام بهذه المهمة لمدة شهر ثم يعود ليذهب غيره وهكذا إلى أن تقرر تحويل المحطة إلى إدارة وتحديد هيكل وظيفى لها تولاه أسامة خليل، هذا الإجراء وفر على الإذاعة آلاف الجنيهات كانت تمنحها مكافآت وبدلات للسفر والمخاطر وللمناطق النائية لكل من يقوم بمأمورية، أما الآن فتم تثبيت القوة وأصبح المذيع يحصل على حوافز وبدلات عادية بجانب راتبه، رغم أن المجهود الذي يبذله المذيع هناك يماثل ثلاثة أضعاف ما يبذله المذيع فى القاهرة، فهو بخلاف دوره كمذيع يقوم بدور المحرر فى نشرات الأخبار والمعد فى البرامج بالإضافة لدوره كمخرج للمواد التى يتم مونتاجها وبثها سواء المسجلة أو على الهواء مباشرة، ورغم كل هذا لا يوجد جهاز كمبيوتر واحد فى المحطة بل يتم الاعتماد على «اللاب توب» الشخصي لكل مذيع ومن لا يملك «لاب توب» يعانى فى الحصول على معلومة باستخدام هاتفه الشخصى.
«حلايب وشلاتين» التابعة لمحافظة البحر الأحمر تحتاج إذاعتها إلى عملية تطوير شامل لتفعيل دورها الجماهيرى والمجتمعى والتنموى، فهى تحتاج أولا إلى فصل محطة الإرسال - التى تمثل خطورة كبيرة على العنصر البشرى عند الاقتراب منها - عن غرفة النوم التى يقيم فيها المذيعون ويعرضون صحتهم وحياتهم للخطر، كذلك تحتاج إلى استديو مجهزة للتسجيلات أو للنقل على الهواء مباشرة، ومكتبة شرائط مجهزة والتى نجح «خليل» فى زيادة سعتها ب200 شريط تسجيلات جديد ومكسر لتوزيع الشغل عن الماكينات وأجهزة C.D وDVD لتشغيل البرامج المسجلة وسماعات، فما يحدث من المسئولين على إذاعة «حلايب وشلاتين» حاليا أنهم يغزلون «برجل حمار» رغم أن الإذاعة تشارك فى كل المناسبات التى تحدث فى المنطقة مثل احتفالات القوات المسلحة سواء نصر أكتوبر أو تحرير سيناء أو أعياد المحافظة وهو ما يتطلب إمكانيات تساعد على تقديم خدمة أفضل، الأمر هناك يحتاج إلى سرعة فى اتخاذ القرار للبدء فى تنفيذ البنية التحتية للإذاعة هناك لأن المقر الحالى لايصلح بأية حال من الأحوال لأن يكون محطة إذاعية، ولابد من حرص المسئولين على تفعيل دورها الحيوى الذى يمس الأمن القومى لمصر، وأن يعود مداها ليخدم المنطقة بأكملها على مساحة 305 كيلومترات بطاقة 5 كيلووات بنظام ال AM وأن يقام سارى إرسال قوى بعد أن انهار السارى القديم على المبنى وكاد يحدث كارثة. يذكر أن شيوخ القبائل فى «حلايب وشلاتين» التقوا الرئيس «محمد مرسى» وشرحوا له مشاكل المنطقة باعتبارها محمية طبيعية وبها الكثير من المعالم السياحية وكذلك مشاكل الإذاعة ووعدهم بالاهتمام بها وحلها وإعادة إعمار المنطقة مثل سيناء تماما وهم فى انتظار تنفيذ الوعد، يذكر أن شيوخ قبائل «حلايب وشلاتين» عندما سمعوا اسم منطقتهم يتردد فى الإذاعة شعروا أنهم جزء أصيل من هذا الوطن.