عندما جددت السينما المصرية دماءها بعد تجمد طويل فى أواخر التسعينيات قفزت أسماء محمد هنيدى وأحمد السقا، وكانا أول قادة التغيير، الأول حمل راية الجيل الثالث من نجوم الكوميديا ، أما الثانى فأعاد لقب الفتى الأول على الشاشة، مع الوضع فى الاعتبار أن «هنيدى» هو قائد ثورة التغيير بفيلمه «إسماعيلية رايح جاى» كما أنه أعلن عن موهبة أحمد السقا ولمح عن قدراته المبكرة فى تصدر الأفيشات والقيام بأدوار البطولة المطلقة فى فيلمه همام فى امستردام، ولم يكذب السقا خبرًا فى «شورت وفانلة وكاب» وبعدها انهالت البطولات وأيضا الأسماء الجديدة على الشاشة ببركة ثورة هنيدى والسقا فبرز الراحل علاء ولى الدين ومعه جاء أحمد حلمى وكريم عبدالعزيز ومحمد سعد حتى أحمد عز.
فى السنوات العشر الأخيرة تبدلت بورصة النجوم فبينما قفز الموهوب أحمد حلمى فوق الجميع، تذبذبت بورصة هنيدى ثم سعد ومعهم أحمد السقا بسبب سوء التخطيط تارة والاستعجال تارة أخرى، وإن كانوا جميعا يشكلون مستقبل البطولة السينمائية فى مصر باعتبارهم النجوم الأكثر موهبة والأكبر جماهيرية فى شباك التذاكر.
فى الثلاثة أعوام الأخيرة حاول هنيدى والسقا استرداد العرش الضائع والجماهيرية العريضة، فقدم هنيدى تجربته فى «رمضان أبو العلمين حمودة» و«أمير البحار» اللتين استرد بهما نسبيًا عرشه الذى فقده بعد أفلامه «جاءنا البيان التالى» و«بلية ودماغه العالية» بينما عاد السقا من غيبوبته بعد روائعه «الجزيرة» و«تيمور وشفيقة» ومن قبلهما «مافيا» و«تيتو».
وفى موسم عيد الفطر رغم ارتباك المشهد السينمائى عمومًا وتغير المزاج العام للجمهور عادا النجمان للمنافسة معا فى محاولة لكتابة بداية مرحلة جديدة تغيرت معها جغرافيا الشعب المصرى بعد ثورة يناير.. فقدم محمد هنيدى فيلمه «تيتة رهيبة» بينما راهن السقا على فيلم «بابا»، النجمان حاولا أيضا كسر المألوف والخروج على الشكل النمطى الذى قدماه فى الفترة الأخيرة، والمفاجأة أنهما اختارا موضوعات اجتماعية ذات طابع أسرى حاولا فيها تغيير جلدهما السينمائى وبشخصيات جديدة، «السقا» حاول خلع شخصية ضابط الشرطة التى لازمته فترة طويلة، وقدم نفسه كطبيب أمراض نساء شهير، أما هنيدى فقدم نفسه بدور الابن الذى يعانى من التسلط الزائد وتطارده لعنة جدته أوعقدة الآباء عمومًا والفجوة المتوارثة فى العادات والتقاليد وهى تيمة مستهلكة سينمائيًا، رغم محاولة المؤلف يوسف معاطى فى إضفاء تجديد عليها من خلال شخصية الجدة التى تعيش فى ألمانيا بينما يعانى الحفيد من شبح المعاملة الصارمة والمتشددة له، وبدت هذه الصرامة غير مبررة، أما الانضباط الألمانى فجاء مبالغًا فيه ولم نفهم مثلاً لماذا المعاملة الآدمية للجدة الفنانة القديرة سميحة أيوب لكلبيها بينما تعامل الحفيد معاملة الحيوانات، حيث دأبت على أن تناديه أى هنيدى أو «رأفت رؤوف رومان» بالحيوان!
وبين غرابة المعالجة والأحداث فى فيلم «تيتة رهيبة» تاهت اللمسة الكوميدية من «محمد هنيدى» فبدا بعيدا عن لياقته الكوميدية وموهبته الفذة فى الإضحاك، ونفس الشىء ترك آثاره فى شخصية إيمى سمير غانم التى لم تقدم جديدًا حيث قدمت نفس الانفعالات التى تقدمها فى أفلامها السابقة مع نجوم الكوميديا رغم الجهود التى بذلها سامح عبدالعزيز ونجاحه فى إخراج مشاهد متمكنة لكنها على حساب الكوميديا المعهودة التى ينتظرها الجمهور من «هنيدى» حتى فكرة سيطرة الغرب ونظرتهم للشرق التى كان يلمح لها المؤلف ضلت طريقها وتاهت وسط أحداث تقليدية نمطية ربما ساهم فيها الجو العام المحيط بمصر الثورة والفوضى التى لا تنتهى فيها وهو التوقيت الذى تم تصوير الفيلم فيه والذى لم نلمس خلاله الزمان الذى تدور فيه الأحداث رغم وجود مشهد لضابط الشرطة تعمد المخرج أن يكون داخل مكتبه دون صورة «مبارك» المقررة علينا فى مثل هذه المشاهد طوال 30 عاما على شاشة السينما إلى جانب إصرار أحد القيادات الأمنية على معاملة المواطنين بشكل إنسانى وبدون هذين المشهدين تفقد الأحداث الزمن الذى يدور فيه الفيلم.
على عكس «هنيدى» قدم أحمد السقا نفسه كفنان كوميدى من طراز خاص ساعده فى ذلك أحداث فيلم «بابا» التى كتبتها بإتقان المؤلفة زينب عزيز والتى تدور حول طبيب أمراض نساء ناجح ومتخصص فى الولادة المجهرية لكنه يفشل فى إجراء عملية ولادة مجهرية لزوجته المتلهفة للإنجاب.
«قدرة الله وقيمة العلم» وإعلان الحرب على التطرف رسائل أرادت المؤلفة إيصالها للجمهور شياكة بدون افتعال أو مبالغة أو ابتذال من أول لقطة فى الفيلم عندما تعارف البطل حازم عبدالرحمن ياسين «أحمد السقا» على فريدة مصطفى الشاذلى «درة» ونشأت بينهما قصة حب ناعمة داخل إحدى الكنائس أثناء زفاف صديق أحمد السقا «إدوارد» تنتهى بزواج وحتى آخر المشاهد من خلال شخصية الشاب السلفى «خالد سرحان» واتجاهه إلى الإنجاب من خلال «طبيب» ضد المرجعيات السلفية ومن أجمل مشاهد الفيلم عندما تنجح عمليات التخصيب المجهرى لإدوارد القبطى وزوجة السلفى خالد سرحان فى مشهد بديع عزفه كالعادة الموهوب صلاح عبدالله بجدارة فى رسالة ضد الطائفية وانقسام المجتمع.
خالد سرحان فى الفيلمين سجل إضافة كبيرة لحضوره الفنى سواء فى شخصية ضابط الشرطة فى فيلم «تيتة رهيبة» أو شخصية الشاب السلفى فى «بابا» ورغم قصر دوريه فى الفيلمين وفى الوقت الذى لم يتخلص فيه «السقا» من الأم الدائمة له «مها أبوعوف» سواء فى «المصلحة» أو «بابا» نجح محمد هنيدى فى إعادة فنانة قديرة بحجم سميحة أيوب للشاشة مرة أخرى وهى إضافة كبيرة للسينما.
فى «تيتة رهيبة» و«بابا» استرد السقا وهنيدى لياقتهما الفنية إلى حد كبير وإن كان التفوق الملموس «للسقا» لكن ربما يكون القادم أفضل لهما كنجمين كبيرين.